قال الطبری(1): قال الواقدی: فی هذه السنة- یعنی السنة الثامنة من الهجرة- تزوّج
رسول الله (ص) ملیکة بنت داود اللیثیّة … الخ.
ثم قال الطبری(1): و فیها هدم خالد بن الولید العزّى ببطن نخلة لخمس لیال بقین من رمضان، و هو صنم لبنی شیبان بطن من سلیم حلفاء بنی هاشم و بنو أسد بن عبد العزّى یقولون هذا صنمنا، فخرج إلیه خالد بن الولید فقال: قد هدمته. قال (ص): أرأیت شیئا. قال: لا. قال: فارجع فاهدمه، فرجع خالد الى الصنم فهدم بیته و کسر الصنم، فجعل السادن یقول: أعزّى أغضبی بعض غضباتک، فخرجت علیه امرأة حبشیّة عریانة مولولة، فقتلها و أخذ ما فیها من حلیة ثم أتى رسول الله (ص) فأخبره بذلک، فقال: تلک العزّى، و لا تعبد العزّى أبدا.
ثم روى الطبری باسناده عن ابن إسحاق قال: بعث رسول الله (ص) خالد بن الولید الى العزّى، و کانت بنخلة و کانت بیتا یعظّمه هذا الحیّ من قریش و کنانة و مضر کلّها، و کانت سدنتها من بنی شیبان … الخ.
و قال محمد بن سعد(2): ثم سریّة خالد بن الولید الى العزّى لخمس لیال بقین من شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص). قالوا: بعث رسول الله حین فتح مکة خالد بن الولید الى العزّى لیهدمها، فخرج فی ثلاثین فارسا من أصحابه حتّى انتهوا إلیها، فهدمها ثم رجع الى رسول الله (ص) فأخبره، فقال: هل رأیت شیئا؟ قال: لا. قال: فانّک لم تهدمها، فارجع إلیها فاهدمها. فرجع خالد و هو متغیّظ، فجرّد سیفه فخرجت إلیه امرأة عریانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن یصیح بها، فضربها خالد فجزلها اثنین، و رجع الى رسول الله (ص) فأخبره فقال: نعم تلک العزّى، و قد یئست أن تعبد ببلادکم، و کانت بنخلة و کانت لقریش و جمیع بنی کنانة، و کانت أعظم أصنامهم، و کان سدنتها بنو شیبان من بنی سلیم، انتهى.
قال ابن کثیر(3): لمّا فتح رسول الله (ص) مکة بعث خالد بن الولید الى نخلة و کانت بها العزّى، فأتاها و کانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات و هدم البیت الذی کان علیها، ثم أتى رسول الله (ص) فأخبره، فقال: ارجع فانّک لم تصنع شیئا. فرجع خالد، فلمّا نظرت إلیه السدنة و هم حجّابها أمعنوا هربا فی الجبل و هم یقولون: یا عزّى خبلیه، یا عزّى عوریه، و إلّا فموتی برغم. قال: فأتاها خالد فإذا امرأة عریانة ناشرة شعرها تحثّ التراب على رأسها و وجهها، فعمّمها بالسیف حتّى قتلها، ثم رجع الى النبی (ص) فأخبره، فقال: تلک العزّى … الخ.
قال محمد بن سعد(4): ثم سریّة عمرو بن العاص الى سواع فی شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص). قالوا: بعث رسول الله حین فتح مکة عمرو بن العاص الى سواع صنم هذیل لیهدمه، قال عمرو: فانتهیت إلیه و عنده السادن، فقال: ما ترید؟ قلت: أمرنی رسول الله (ص) أن أهدمه. قال: لا تقدر على ذلک. قلت: لم؟ قال: تمنع. قلت: حتّى الآن أنت على الباطل، ویحک و هل یسمع أو یبصر؟ قال: فدنوت منه فکسّرته، و أمرت أصحابی فهدموا بیت خزانته، فلم نجد فیه شیئا، ثم قلت للسادن: کیف رأیت؟ قال: أسلمت للّه.
و قال الطبری(5): و فیها- أی فی السنة الثامنة- هدم سواع، و کان برهاط لهذیل، و کان حجرا، و کان الذی هدمه عمرو بن العاص … الخ.
قال محمد بن سعد(6): ثم سریّة سعد بن زید الأشهل الى مناة فی شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص). قالوا: بعث رسول الله حین فتح مکة سعد بن زید الأشهلی الى مناة، و کانت بالمشلّل للأوس و الخزرج و غسّان، فلمّا کان یوم الفتح بعث رسول الله (ص) سعد بن زید الأشهلی یهدمها، فخرج فی عشرین فارسا حتّى انتهى إلیها و علیها سادن، فقال السادن:
ما ترید؟ قال: هدم مناة. قال: أنت و ذاک. فأقبل سعد یمشی إلیها، و تخرج إلیه امرأة عریانة سوداء ناشرة الرأس تدعو بالویل و تضرب، فقال السادن: مناة دونک بعض غضباتک، و یضربها سعد بن زید الأشهلی فقتلها، و یقبل الى الصنم معه أصحابه فهدموه، و لم یجدوا فی خزانتها شیئا، و انصرف راجعا الى رسول الله (ص). و کان ذلک لستّ بقین من شهر رمضان، انتهى.
و قال الزینی دحلان و فی سیرة ابن هشام انّه کان علی بن أبی طالب (ع) … الخ.
ثم قال محمد بن سعد(7): ثم سریّة خالد بن الولید الى بنی جذیمة من کنانة، و کانوا بأسفل مکة على لیلة بناحیة یلملم فی شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص)، و هو یوم الغمیصاء. قالوا: لمّا رجع خالد بن الولید من هدم العزّى و رسول الله مقیم بمکة بعثه الى بنی جذیمة داعیا الى الإسلام و لم یبعثه مقاتلا فخرج فی ثلاثمائة و خمسین رجلا من المهاجرین و الأنصار و بنی سلیم، فانتهى إلیهم خالد فقال: ما أنتم. قالوا: مسلمون قد صلّینا و صدّقنا بمحمد و بنینا المساجد فی ساحاتنا و أذّنّا فیها. قال: فما بال السلاح علیکم. قالوا: انّ بیننا و بین قوم من العرب عداوة فخفنا أن تکونوا هم فأخذنا السلاح. قال: فضعوا السلاح. قال: فوضعوه. فقال لهم: استأسروا فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فکتف بعضا و فرّقهم فی أصحابه، فلمّا کان فی السحر نادى خالد: من کان معه أسیر فلیدافّه، و المدافّة الإجهاز علیه بالسیف، فأمّا بنو سلیم فقتلوا من کان فی أیدیهم، و أمّا المهاجرون و الأنصار فأرسلوا أساراهم، فبلغ النبی ما صنع خالد فقال (ص): اللهم انّی أبرأ إلیک ممّا صنع خالد، و بعث علی بن أبی طالب فودى لهم قتلاهم و ما ذهب منهم، ثم انصرف الى رسول الله (ص) فأخبره.
و قال ابن الأثیر(8): و کان ممّن بعث خالد بن الولید بعثه داعیا و لم یبعثه مقاتلا، فنزل على الغمیصاء ماء من میاه جذیمة بن عامر بن عبد مناة بن کنانة، و کانت جذیمة أصابت فی الجاهلیة عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف و الفاکه بن المغیرة عمّ خالد، کانا أقبلا
تاجرین من الیمن فأخذت ما معهما و قتلتهما، فلمّا نزل خالد ذلک الماء أخذ بنو جذیمة السلاح، فقال له خالد: ضعوا السلاح فانّ الناس قد أسلموا، فوضعوا السلاح، فأمر خالد بهم فکتفوا ثم عرضهم على السیف، فقتل منهم من قتل، فلمّا انتهى الخبر الى النبی (ص) رفع یدیه الى السماء ثم قال: اللهم انی أبرأ إلیک ممّا صنع خالد. ثم أرسل علیّا و معه مال و أمره أن ینظر فی أمرهم، فودى لهم الدماء و الأموال، حتّى انّه لیدی میلغة الکلب، و بقی معه من المال فضلة، فقال لهم علی: هل بقی لکم مال أو دم لم یود؟ قالوا: لا. قال: فانّی أعطیکم هذه البقیّة احتیاطا لرسول الله، ففعل ثم رجع الى رسول الله (ص) فأخبره، فقال: أصبت و أحسنت … الخ.
و قال الطبری(9): حدّثنا ابن حمید، قال حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال حدّثنی بعض أهل العلم، عن رجل من بنی جذیمة قال: لمّا أمرنا خالد بوضع السلاح قال رجل منّا یقال له حجدم: ویلکم یا بنی جذیمة انّه خالد، و الله ما بعد وضع السلاح إلّا الاسار ثم ما بعد الاسار إلّا ضرب الأعناق، و الله لا أضع سلاحی أبدا. قال: فأخذه رجال من قومه فقالوا: یا جحدم أترید أن تسفک دماءنا، انّ الناس قد أسلموا و وضعت الحرب و أمن الناس، فلم یزالوا به حتّى نزعوا سلاحه، و وضع القوم السلاح لقول خالد، فلمّا وضعوه أمر بهم خالد فکتفوا. الى أن قال: ثم دعا (ص) علی بن أبی طالب (ع) فقال: یا علی أخرج الى هؤلاء القوم فانظر فی أمرهم و اجعل أمر الجاهلیة تحت قدمیک فخرج حتّى جاءهم و معه مال قد بعثه رسول الله (ص) به فودى لهم الدماء و ما أصیب من الأموال.
الى أن قال: فقال لهم علی حین فرغ منهم: هل بقی لکم دم أو مال لم یود إلیکم؟ قالوا: لا. قال: فانّی أعطیکم هذه البقیّة من هذا المال احتیاطا لرسول الله (ص) ممّا لا یعلم و لا تعلمون. ففعل، ثم رجع الى رسول الله (ص) فأخبره الخبر، فقال (ص): أصبت و أحسنت. ثم قام رسول الله فاستقبل القبلة قائما شاهرا یدیه حتّى انّه لیرى بیاض ما تحت منکبیه، و هو یقول:
اللهم انّی أبرأ الیک ممّا صنع خالد بن الولید- ثلاث مرّات.
ثم روى باسناده عن عبد الله بن أبی سلمة قال: کان بین خالد بن الولید و بین عبد الرحمن ابن عوف فیما بلغنی کلام فی ذلک، فقال له: عملت بأمر الجاهلیة فی الإسلام فقال: إنّما ثأرت بأبیک. فقال عبد الرحمن بن عوف: کذبت، قد قتلت قاتل أبی، و لکنّک انّما ثأرت بعمّک الفاکه ابن المغیرة حتّى کان بینهما شیء … الخ.
و قال ابن کثیر(10): قال ابن هشام: حدّثنی بعض أهل العلم انّه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله (ص) فأخبره، فقال رسول الله: هل أنکر علیه أحد؟ فقال: نعم قد أنکر علیه رجل أبیض ربعة فنهمه خالد فسکت عنه، و أنکر علیه رجل آخر طویل مضطرب فاشتدّت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب: أمّا الأول یا رسول الله فابنی عبد الله، و أمّا الآخر فسالم مولى أبی حذیفة.
ثم قال: قال ابن إسحاق: فحدّثنی حکیم بن حکیم عن أبی جعفر قال: ثم دعا رسول الله (ص) علی بن أبی طالب … الخ.
و روى محمد بن سعد(11) باسناده عن عبد الله عصام المزنی عن أبیه قال: بعثنا رسول الله (ص) یوم بطن نخلة فقال: اقتلوا ما لم تسمعوا مؤذّنا أو تروا مسجدا، إذ لحقنا رجل فقلنا له: کافر أو مسلم؟ فقال: إن کنت کافرا فمه. قلنا له: إن کنت کافرا قتلناک … الخ. و رواه ابن کثیر(12): عن البیهقی عن ابن عصام عن أبیه الى أن قال: قال فبعثنا رسول الله (ص) فی سریّة و أمرنا بذلک- یعنی إذا رأیتم مسجدا أو سمعتم مؤذّنا فلا تقتلوا أحدا قال: فخرجنا الى تهامة، فأدرکنا رجلا یسوق بضعائن، فقلنا له: أسلم. فقال: و ما الإسلام. فاخبرناه به فاذا هو لا یعرفه. قال: أفرأیتم إن لم أفعل ما أنتم صانعون به. قال: قلنا نقتلک … الخ.
1) تاریخ الطبری 3/ 65.
2) الطبقات الکبرى 2/ 145 و 146.
3) السیرة النبویة 3/ 598.
4) الطبقات الکبرى 2/ 146.
5) تاریخ الطبری 3/ 66.
6) الطبقات الکبرى 2/ 146 و 147.
7) الطبقات الکبرى 2/ 147 و 148.
8) الکامل 2/ 255 و 256.
9) تاریخ الطبری 3/ 67 و 68.
10) السیرة النبویة 3/ 591 و 592.
11) الطبقات الکبرى 2/ 149.
12) السیرة النبویة 3/ 596.