إن من الواضح: أن ما لدینا من علوم إسلامیة، مثل علم الفقه وأصوله، وعلوم القرآن، والکلام، والرجال، والتاریخ، والنحو واللغة،وغیر ذلک قد استفدنا فی بعضه ـ جزئیا علی الأقل ـ من إرشادات العقل
وأحکامه، ومن تتبع ودراسة اللغة العربیة، من جهات وحیثیات مختلفة. إلا أن معظم ذلک قد جاء من خلال الاستفادة من النص القرآنی الکریم، ومعرفة حقائقه ودقائقه، وسائر ما یرتبط به، ثم ما جاء علی شکل روایات، نقلها لنا أناس عن غیرهم، ونقلها ذلک الغیر عن آخرین أیضاً.. وهکذا إلی أن ینتهی الأمر إلی النبی (ص)، أو الإمام (ع)، أو أی شخص آخر روی الحدث أو عاینه، أو صدر منه القول أو الموقف. فإذا أردنا البحث فی صحة أو فساد هذا المنقول، فلابد لنا من امتلاک أدوات البحث، واستخدام وسائله. ونرید أن نوضح هنا: أن وسائل، وأدوات البحث العلمی لدی الواعین من أهل الإسلام، لا تختلف عنها لدی غیرهم من عقلاء البشر جمیعا، فهم یعتمدون نفس المعاییر والضوابط التی یعتمدها سائر العقلاء، والحکماء من الناس، إذا أرادوا الوصول إلی ما هو حق وواقع وصحیح، واستبعاد ما هو مزیف، أو محرف، أو مصطنع. ونحن لابد لنا من أجل استیفاء البحث من الإشارة إلی بعض تلک الأدوات والوسائل(1)، فنقول:
1) إن محط نظرنا فی هذا الفصل وفی سابقه، هو ـ فی الأکثر ـ النصوص المرتبطة بالنبی (ص)، والأئمة المعصومین (ع). وما عدا ذلک من قضایا تاریخیة فإنه لا یهمنا کثیراً الآن. ونشیر هنا إلی أن من المعلوم: أن التاریخ وکل قضایا التراث قد کتبت ـ فی الأکثر ـ بأید غیر أمینة، فلا یمکن المبادرة إلی عرضها علی أنها تاریخ أو تشریع، أو غیر ذلک إلا بعد دراستها بعمق، وتمحیصها بصورة کافیة ووافیة. ونحن نعترف فی الوقت الحاضر أننا غیر قادرین علی القیام بمهمة کهذه.