و رأى سعد بن عبادة أن یخبر النبی (صلّى الله علیه و اله) بما یدور بین الأنصار من قولهم:
لقی رسول الله قومه و نسی أصحابه. فجمع سعد الأنصار و أقبل الرسول
الکریم (صلّى الله علیه و اله) یحدّثهم فحمد الله و أثنى علیه ثم قال:
«یا معشر الانصار ما مقالة بلغتنی عنکم وجدة وجدتموها فی أنفسکم؟! ألم آتکم ضلّالا فهداکم الله و عالة فاغناکم الله و أعداء فألف الله بین قلوبکم؟ قالوا: بلى الله و رسوله آمن و أفضل، ثم قال: ألا تجیبونی یا معشر الأنصار؟ قالوا: و ما ذا نجیبک یا رسول الله؟ قال (صلّى الله علیه و اله): أما و الله لو شئتم قلتم فصدقتم: أتیتنا مکذّبا فصدّقناک و مخذولا فنصرناک و طریدا فآویناک و عائلا فآسیناک. وجدتم فی أنفسکم یا معشر الأنصار فی شیء من الدنیا تألّفت به قوما لیسلموا و وکلتکم إلى إسلامکم، أفلا ترضون یا معشر الأنصار أن یذهب الناس بالشاة و البعیر و ترجعوا برسول الله إلى رحالکم؟ و الذی نفس محمد بیده لو لا الهجرة لکنت امرءا من الأنصار، و لو سلک الناس شعبا و سلکت الأنصار شعبا لسلکت شعب الأنصار».
فأثارت هذه الکلمات فی قلوب الأنصار العاطفة و الشعور بالخطأ فی تصورهم عن الرسول (صلّى الله علیه و اله) فضجوا بالبکاء و قالوا: رضینا یا رسول الله حظّا و قسما.
و خرج النبی (صلّى الله علیه و اله) بمن معه من الجعرانة متّجها إلى مکة فی شهر ذی القعدة فأتمّ عمرته و حلّ من إحرامه و استخلف على مکة عتّاب بن أسید و معه معاذ بن جبل و خرج متّجها إلى المدینة بمن معه من المهاجرین و الأنصار(1)
1) السیرة النبویة: 2/ 498، المغازی: 3/ 957.