لقد عجزت قوى الکفر و الشرک أن تثنی الرسول (صلّى الله علیه و اله) و أصحاب الحق عن الاستمرار فی نشر الرسالة الإسلامیة، مثلما عجزت عقولهم عن إدراک التوحید و الإیمان، و راحت کل جهودهم لإیقاف الرسالة أو تشویهها سدى فلم یجدوا بدّا من اتخاذ العنف و القسوة و التعذیب وسیلة لمحاربة أصحاب العقیدة فوثبت کل قبیلة على من فیها من المسلمین فجعلوا یحبسونهم و یعذبونهم بالضرب و فرض الجوع و العطش علیهم، محاولین أن یفتنوهم عن دینهم و رسالة ربّهم.
فهذا أمیة بن خلف یخرج بلالا إلى رمضاء مکة إذا حمیت الظهیرة لیمارس تعذیبه بأبشع صورة، و هذا عمر بن الخطاب یعذب جاریة له- لإسلامها- ضربا حتى إذا عجز قال: إنی أعتذر إلیک، إنی لم أترکک إلّا ملالة، و هذه بنو مخزوم یخرجون عمّارا و أباه و أمه یعذبونهم فی رمضاء مکة فیمرّ بهم رسول الله (صلّى الله علیه و اله) فیقول: «صبرا آل یاسر موعدکم الجنّة»، حتى بلغ من تعذیبهم أن استشهدت سمیة أم عمار(1) على أیدیهم فکانت أول شهیدة فی الاسلام.
و إذا حاولنا أن نرسم صورة عامّة لأسالیب مواجهة قریش للرسالة و الرسول و أتباعه فنستطیع أن نلخّص مراحل المواجهة فی ما یلی:
1- کان الاستهزاء و السخریة بشخصیة النبیّ (صلّى الله علیه و اله) و إضعاف مکانته فی نفوس الناس من أبسط الأسالیب. و قد مارس هذا الدور الولید بن المغیرة (والد خالد)، و عقبة بن أبی معیط، و الحکم بن العاص بن أمیة، و أبو جهل.
و لکن التسدید الإلهی أحبط کل مساعیهم فقد قال القرآن الکریم:
إِنَّا کَفَیْناکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ(2)، وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ فَحاقَ بِالَّذِینَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ(3)
2- إهانة النبیّ (صلّى الله علیه و اله) شخصیا لإضعافه. فقد روی أنّهم ألقوا الفرث و السلى علیه (صلّى الله علیه و اله)، فغضب عمه أبو طالب حین علم بذلک و ردّ الإهانة علیهم، و یعتبر موقف أبی جهل و ردّ حمزة بن عبد المطلب علیه شاهدا آخر.
3- محاولات الإغراء بالملک و السیادة و بذل الأموال الطائلة.
4- الاتهامات الباطلة: بالکذب و السحر و الجنون و الشعر و الکهانة. و قد تحدث القرآن عن کلّ ذلک.
5- الطعن فی القرآن الکریم، فقد اتهموا النبیّ (صلّى الله علیه و اله) بتقوّله و افترائه على الله فتحدّاهم القرآن بأن یأتوا بمثله. على أن النبیّ کان قد أمضى عمرا بینهم لم یعرف بما اتهموه به.
6- استخدام التعذیب و قتل المؤمنین برسالته.
7- الحصار و المقاطعة الشاملة.
8- التخطیط لقتل صاحب الرسالة(4)
و قد تصدّى النبی (صلّى الله علیه و اله) لکل هذه الأسالیب بما یحقق للرسالة أهدافها مسدّدا بالوحی الذی کان یرعى حرکة الرسول (صلّى الله علیه و اله) خیر رعایة.
1) السیرة النبویة: 1/ 317- 320.
2) الحجر (15): 95.
3) الأنعام (6): 10.
4) الأنفال (8): 30.