وکان لابد من تبریر أخطاء وقع فیها بعض الصحابة، سواء فی مواقفهم، أو فی فتاواهم، حتی حارب بعضهم بعضا، وأزهقت أرواح کثیرة، وسفکت دماء غزیرة، وخرج بعضهم علی إمام زمانه، وقاتلوه. کما جری فی الجمل، وصفین، والنهروان. فاخترعوا للصحابة مسألة الاجتهاد، فکلهم مجتهدون(1)، ولا اعتراض علی المجتهد، بل هو إن أصاب فله أجران، وإن أخطا کان له أجر واحد. وبهذا أدخلوا معاویة، وطلحة والزبیر الجنة، ومنحوهم المزید من الثواب علی ما فعلوه وما ارتکبوه من جرائم فی حق الإمام والأمة. وأصبح من حلل منهم الربا، وشرب الخمر مأجورا ومثابا، بل إن خالد بن الولید، الذی قتل مالک بن نویرة بدون جرم، ثم نزا علی زوجته فی نفس اللیلة مثاب ومأجور علی ذلک أیضاً.
والخلاصة: أن المصیب منهم له أجران، کعلی علیه السلام وأصحابه. والمخطئ کمعاویة، ومن معه لهم أجر واحد. بل کان ما فعلوه بالاجتهاد، والعمل به واجب، ولا تفسیق بواجب(2)
وبتعبیر آخر: إن جمیع من اشترک فی الفتنة من الصحابة عدول،
لأنهم اجتهدوا فی ذلک(3)
وقال الکیا الطبری: وأما ما وقع بینهم من الحروب والفتن، فتلک أمور مبنیة علی الاجتهاد، وکل مجتهد مصیب، والمصیب واحد، والمخطئ معذور، بل مأجور(4)
والملفت للنظر هنا: أننا نجد البعض لا تطاوعه نفسه علی تخطئة الفئة الباغیة علی إمام زمانها، فیقول: إن علیا علیه السلام وأصحابه کانوا أقرب إلی الحق(5)
وکأنه یرید أن یوحی للقارئ بأن معاویة قریب أیضاً لکن علی أقرب، کما أنه بتعبیره هذا یکون قد تجنب التصریح بکون علی علیه السلام مع الحق، والحق معه. ولا نستغرب علی هؤلاء مثل هذا البغی والظلم، فإنما هی شنشنة أعرفها من أخزم. وقال المقبلی، ونعم ما قال: بعد أن تم لهم تعریف الصحبة ذیلوها باطّراح ما وقع من مسمی الصحابی؛ فمنهم من یتستر بدعوی الاجتهاد، دعوی تکذبها الضرورة فی کثیرة (کذا) من المواضع، ومنهم من یطلق ـ ویا عجباه من قلة الحیاء ـ فی ادعائهم الاجتهاد لبسر بن أرطأة، الذی انفرد بأنواع الشر؛ لأنه مأمور المجتهد معاویة، ناصح الإسلام فی سب علی بن أبی طالب وحزبه. وکذلک مروان، والولید الفاسق. وکذلک الاجتهاد الجامع للشروط فی البیعة لیزید، ومن أشار بها، وسعی فیها، أو
رضیها(6)
وللعلامة أبی ریة تعلیقات هامة علی کلام المقبلی هذا، یذکر فیها أفاعیل بعض الصحابة مع رسول الله صلی الله علیه وآله، وأمورا أخری، فراجع. کما أن ابن خلدون قد انتقد دعوی اجتهاد جمیع الصحابة هذه؛ فقال: إن الصحابة کلهم لم یکونوا أهل فتیا، ولا کان الدین یؤخذ عن جمیعهم، وإنما کان ذلک مختصا بالحاملین للقرآن، العارفین بناسخه ومنسوخه الخ…(7)
1) راجع: التراتیب الإداریة ج 2 ص 364 ـ 366.
2) راجع: فواتح الرحموت فی شرح مسلم الثبوت ج 2 ص 158 و 156 وسلم الوصول (مطبوع مع نهایة السول) ج 3 ص 176 و 177 والسنة قبل التدوین هامش ص 396 و 404 و 405.
3) السنة قبل التدوین ص 404 وراجع: إختصار علوم الحدیث (الباعث الحثیث) ص 182.
4) إرشاد الفحول ص 69.
5) إختصار علوم الحدیث (الباعث الحثیث) ص 182.
6) أضواء علی السنة المحمدیة ص 352 عن الأرواح النوافخ (المطبوع مع العلم الشامخ) ص 687 و 688.
7) المقدمة لابن خلدون ص 389.