بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الحمد للّه ربّ العالمین و صلّى الله على محمد و آله الطّاهرین و لعنة الله على أعدائهم أجمعین إلى قیام یوم الدین.
أمّا بعد فهذا الجزء الثالث من کتاب حیاة النبی (ص) المشتمل على الوقایع العظیمة و الأمور المهمّة، کقدوم الوفود، و حجّة الوداع، و مکارم أخلاق النبی (ص)، و مرضه، و وصایاه، و رحلته الى دار البقاء و غیرها، فنقول و على الله التوکّل و به الإعتصام.
قال ابن کثیر: قال ابن إسحاق: لمّا افتتح رسول الله مکة و فرغ من تبوک و أسلمت ثقیف و بایعت ضربت الیه وفود العرب من کلّ وجه. ثم قال قال ابن هشام: حدّثنی أبو عبیدة انّ ذلک فی سنة تسع و أنّها کانت تسمّى سنة الوفود. ثم قال ابن إسحاق: و إنّما کانت العرب تربّص باسلامها أمر هذا الحی من قریش، لأنّ قریشا کانوا إمام الناس و هادیتهم، و أهل البیت و الحرم، و صریح ولد اسمعیل بن ابراهیم، و قادة العرب، لا ینکرون ذلک. و کانت قریش هی التی نصبت الحرب لرسول الله (ص) و خلافه، فلمّا افتتحت مکة و دانت له قریش و دوّخها الإسلام، عرفت العرب أنّهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله (ص) و لا عداوته فدخلوا فی دین الله. کما قال الله عزّ و جلّ: أفواجا، یضربون الیه من کل وجه. یقول الله تعالى لنبیّه (ص) «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ. وَ رَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْواجاً.فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کانَ تَوَّاباً» أی فاحمد الله على ما ظهر من دینک، و استغفره
إنّه کان توابا.
ثم قال: و قد ذکر محمد بن إسحاق، ثم الواقدی و البخاری ثم البیهقی بعدهم، من الوفود ما هو متقدم تاریخ وفودهم على سنة تسع، بل و على فتح مکة. و قد قال الله تعالى «لا یَسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ کُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى» و تقدّم قوله (ص) یوم الفتح: لا هجرة، و لکن جهاد و نیة. فیجب التمییز بین السّابق من هؤلاء الوافدین على زمن الفتح ممّن هو یعدّ وفوده هجرة، و بین اللّاحق لهم بعد الفتح ممّن وعد الله خیرا و حسنى، و لکن لیس فی ذلک کالسّابق له فی الزّمان و الفضیلة. و الله أعلم.
ثم قال: على انّ هؤلاء الأئمة الذین اعتنوا بإیراد الوفود قد ترکوا فیما أوردوه أشیاء لم یذکروها، و نحن نورد بحمد الله و منّه ما ذکروه، و ننبّه على ما ینبغی التنبیه علیه من ذلک، و نذکر ما وقع لنا ممّا أهملوه انشاء الله تعالى.