جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الهجرة الى الحبشة و إیجاد قاعدة آمنة

زمان مطالعه: 2 دقیقه

لقد أدرک رسول الله (صلّى الله علیه و اله) بعد عامین من الجهر بالرسالة أن لا قدرة له على حمایة المسلمین من العناء الذی یصیبهم من طغاة قریش و زعماء الوثنیة.

و حیث اشتدّ العنف من المشرکین و صنادیدهم تجاه المستضعفین من المسلمین حثّ رسول الله (صلّى الله علیه و اله) المسلمین المضطهدین على الهجرة إلى الحبشة لیعطیهم بذلک فترة استراحة و استعادة نشاط لیعودوا ثانیة لمواصلة مسیرة الرسالة الإسلامیة أو یفتحوا جبهة جدیدة للصراع مع قریش بعد أن یحدثوا مرکزا للضغط من خارج الجزیرة على مواقع قریش و عسى الله أن یحدث- خلال ذلک- أمرا کان مفعولا إذ أخبرهم (صلّى الله علیه و اله) «أن فی الحبشة ملکا لا یظلم عنده أحد» فاستجاب المسلمون لذلک و تسلل عدد منهم صوب الساحل فعبروا البحر غیر أن قریشا لاحقتهم و لکن لم یدرکهم طلبها و تتابع المهاجرون منفردین أو مع أهلیهم، حتى اجتمعوا بأرض الحبشة بضعة و ثمانین مهاجرا عدا أبنائهم الصغار و أمّر رسول الله (صلّى الله علیه و اله) علیهم جعفر بن أبی طالب(1)

لقد کان اختیار الحبشة دارا للهجرة خطوة موفقة من خطوات الرسول القیادیة نظرا للصفة التی وصف بها ملکها فی الحدیث المروی عن النبی (صلّى الله علیه و اله)، و تیسّر السفر إلیها بالسفن، فضلا عن العلاقات المذهبیة الطیبة التی أرادها الاسلام أن تکون بین الإسلام و النصرانیة.

و قد أقلق قریشا أمر الهجرة إلى الحبشة فخشیت العاقبة و ساءها أن یأمن حملة الرسالة الإسلامیة هناک، فأرسلت عمرو بن العاص و عمارة بن الولید إلى‏

النجاشی و حمّلتهما الهدایا فی محاولة منها لإقناع النجاشی بالتخلی عن جوارهم و إعادتهم إلیها، و استطاعا أن ینفذا الى بطارقة الملک و إقناعهم بضرورة مساعدتهم لاسترداد المسلمین، لکن الملک أبى ذلک إلّا بعد أن یسمع رأی المسلمین فی التهمة الموجهة إلیهم بأنهم قد ابتدعوا دینا جدیدا لهم.

و شملت العنایة الإلهیة ذلک اللقاء، فقد انبرى جعفر بن أبی طالب لیجیب بکلام رائع ینفذ إلى قلب النجاشی عن ماهیة الدین الجدید فیزداد اقتناعه بحمایتهم. و کانت کلمات جعفر بن أبی طالب کالصاعقة على رؤوس الوفد القرشی الذی لم تنفعه هدایاه لإنجاح خطته الشیطانیة، و أصبحوا فی موقف الذلیل أمام النجاشی فی الوقت الذی سطع فیه نجم المسلمین و قویت حجتهم مما دلّ على عظیم أثر التربیة التی کان قد بذلها رسول الله (صلّى الله علیه و اله) للنهوض بالإنسان فی الفکر و المعتقد و السلوک، فلم یهتز المسلمون ثانیة عند ما حاول وفد قریش أن یثیر فتنة عن ما جاء به القرآن حول عیسى (علیه السّلام)، و لکن النجاشی قال للمسلمین:

اذهبوا فأنتم آمنون، عند ما سمع آیات الله یرددها جعفر بن أبی طالب ردّا على سؤاله(2)

عندها أیقنت قریش بفشل مساعیها لاسترداد المسلمین حین عاد الیها وفدها خائبا، و قرّر زعماؤها أن یضیّقوا على من عندهم من المسلمین بالمأکل و المشرب و أن یحظروا کل أنواع التعامل الاجتماعی معهم حیث لم یتخلّ أبو طالب و بنو هاشم عن نصرة النبیّ (صلّى الله علیه و اله) و دعمه الشامل.


1) السیرة النبویة: 1/ 321، تاریخ الیعقوبی: 2/ 29، بحار الأنوار: 18/ 412.

2) السیرة النبویة: 1/ 335، تاریخ الیعقوبی: 2/ 29.