وردت اشارة فی روایة عروة بن الزبیر- التی نقلناها فیما سبق – الی أن الحبشة کانت واحدة من البلدان التی تعاملت معها قریش فی التجارة، وقصدها القرشیون لهذا الغرض. إذا کان المهاجرون علی معرفة بأوضاع الحبشة، ولهذا کانت أنسب من غیرها لأن تنتخب مکانا للهجرة، ولم تکن مدینة یثرب حینذاک قد بلغت الأوضاع فیها تلک الدرجة من الاطمئنان التی کانت قد بلغتها بعد عدة سنوات حین قصدها الرسول (ص) والمسلمون عند الهجرة، ولم یکن باستطاعتهم أن ینعموا بالأمن هناک. وکانت الطائف مدینة تربطها علاقات وثیقة جدا مع أثریاء قریش، کما أن آلهتها قد تعرضت للهجوم والاستهزاء من قبل الرسول (ص). أضف الی ذلک أن الهجرة الی بلاد الامبراطوریة الفارسیة او الرومانیة لم تکن مناسبة بأی وجه من الوجوه. فکانت الحبشة – فضلا عما ذکرنا – أقرب من غیرها الی مکة عن طریق البحر من جانب، ومن جانب آخر یحتمل أن لا یکون ملک الحبشة وأهلها علی قدر کبیر من التعصب الدینی، ولهذا کله کانت أنسب للهجرة من أی مکان آخر. وقدجاء فی سیرة ابن اسحاق أن الرسول (ص) قال: «لو خرجتم الی ارض الحبشة، فإن فیها ملکا لا یظلم أحد عنده، وهی ارض صدق».