قال محمد بن سعد(1): ثم سریّة الطفیل بن عمرو الدوسی الى ذی الکفّین صنم عمرو بن حممة الدوسی فی شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص). قالوا: لمّا أراد رسول الله السیر الى الطائف بعث الطفیل بن عمرو الى ذی الکفین صنم عمرو بن حممة الدوسی یهدمه، و أمره أن یستمد قومه و یوافیه بالطائف. فخرج سریعا الى قومه، فهدم ذا الکفّین و جعل یحشّ النار فی وجهه و یحرقه و یقول:
یا ذا الکفّین لست من عبّادکا
میلادنا أقدم من میلادکا
انّی حششت النار فی فوادکا
قال: و انحدر من قومه أربعمائة سراعا فوافوا النبی (ص) بالطائف بعد مقدمه بأربعة أیام، و قدم بدبّابة و منجنیق و قال: یا معشر الأزد من یحمل رایتکم؟ فقال الطفیل: من کان یحملها فی الجاهلیة النعمان بن بازیة اللهبی. قال: أصبتم.
ثم قال محمد بن سعد: ثم غزوة رسول الله (ص) الطائف فی شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص). قالوا: خرج رسول الله من حنین یرید الطائف، و قدم خالد بن الولید على مقدّمته، و قد کانت ثقیف رمّوا حصنهم و أغلقوه علیهم و أدخلوا فیه ما یصلحهم لسنة، فلمّا انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم و أغلقوه علیهم و تهیّأوا للقتال … الخ.
و قال ابن هشام(2): قال ابن إسحاق: فسلک رسول الله (ص) على نخلة الیمانیّة، ثم على قرن، ثم على الملیح، ثم على بحرة الرغاء من لیة، فابتنى بها مسجدا، فصلّى فیه.
ثم قال: قال ابن إسحاق: فحدّثنی عمرو بن شعیب انّه أقاد یومئذ ببحرّة الرغاء حین نزلها
بدم، و هو أول دم أقید به فی الإسلام. ثم قال: هو رجل من بنی لیث قتل رجلا من هذیل فقتله به، و أمر رسول الله (ص) و هو بلیة بحصن مالک بن عوف فهدم. ثم سلک فی طریق یقال لها الضیعة، فلمّا توجّه فیها رسول الله (ص) سأل عن اسمها فقال: ما اسم هذه الطریق؟ فقیل له: الضیعة. فقال: بل هی الیسرى.
ثم خرج منها على نخب حتّى نزل سدرة یقال لها الصادرة قریبا من مال رجل من ثقیف، فأرسل إلیه رسول الله (ص) إمّا أن تخرج و إمّا أن نخرب علیک حائطک، فأبى أن یخرج، فأمر رسول الله بإخرابه.
ثم مضى رسول الله (ص) حتّى نزل قریبا من الطائف فضرب عسکره، فقتل ناس من أصحابه (ص) بالنبل، و ذلک انّ العسکر اقترب من حائط الطائف فکانت النبل تنالهم و لم یقدر المسلمون على أن یدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم، فلمّا أصیب أولئک النفر من أصحابه بالنبل وضع عسکره عند مسجده الذی بالطائف الیوم، فحاصرهم بضعا و عشرین لیلة، و یقال سبع عشرة لیلة.
ثم قال: قال محمد بن إسحاق: و معه امرأتان من نسائه إحداهما ام سلمة ابنة أبی أمیّة فضرب لهما قبّتین ثم صلّى بین القبّتین ثم أقام، فلمّا أسلمت ثقیف بنى على مصلّى رسول الله (ص) عمرو بن أمیّة مسجدا، و کان فی ذلک المسجد ساریة فیما یزعمون لا تطلع الشمس علیها یوما من الدهر إلّا سمع لها نقیض، فحاصرهم رسول الله و قاتلهم قتالا شدیدا و تراموا بالنبل.
و قال محمد بن سعد(3): و سار رسول الله (ص) فنزل قریبا من حصن الطائف و عسکر هناک، فرموا المسلمین بالنبل رمیا شدیدا کانّه رجل جراد، حتّى أصیب ناس بجراحة و قتل منهم اثنا عشر رجلا … الخ.
و قال ابن هشام(4): و رماهم رسول الله (ص) بالمنجنیق.
ثم قال: حدّثنی من أثق به انّ رسول الله (ص) أول من رمى فی الإسلام بالمنجنیق، رمى أهل الطائف. قال ابن إسحاق: حتّى إذا کان یوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله (ص) تحت دبّابة ثم زحفوا بها الى جدار الطائف لیخرقوه، فأرسلت علیهم ثقیف سکک الحدید محماة بالنار فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقیف بالنبل فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله (ص) بقطع أعناب ثقیف، فوقع الناس فیها یقطعون … الخ.
و قال محمد بن سعد(3): فارتفع رسول الله (ص) الى موضع مسجد الطائف الیوم، و کان معه من نسائه ام سلمة و زینب، فضرب لهما قبّتین، و کان یصلّی بین القبّتین حصار الطائف کلّه فحاصرهم ثمانیة عشر یوما و نصب علیهم المنجنیق و نثر الحسک (یعنی الشوک) سقبین من عیدان حول الحصن، فرمتهم ثقیف بالنبل فقتل منهم رجال، فأمر رسول الله (ص) بقطع أعنابهم و تحریقها، فقطع المسلمون قطعا ذریعا، ثم سألوه أن یدعها للّه و للرحم، فقال رسول الله (ص): فانّی أدعها للّه و للرحم، … الخ.
و قال الواقدی(5): فأمر رسول الله (ص) بکروم الطائف أن تقطع و جعل لکل رجل من أصحابه قطع خمس حبلات، و مع رسول الله رجل من ثقیف یقال له أبو مرادم، فمرّ على عیینة ابن حصین بفاسه، فقال: أین یا أبا مرادم؟ قال: أمر رسول الله کل رجل من المسلمین أن یقطع خمس حبلات. قال: فاقطع معک حبلاتی یا أبا مرادم. قال: نعم و لک أجره، فبلغ عیینة فأقبل لیرضی رسول الله فإذا خلف رسول الله ام سلمة بنت أبی أمیّة. قال: یا رسول الله من هذه خلفک؟ قال: هذه ام سلمة. قال: و ذلک قبل أن یؤمر نساء النبی بالحجاب، قال عیینة: انّی أراها قد دخلت فی السیر، فهل لک أن أنزل لک عن أشبّ نساء مضر و أحسنه و أکرمه حسبا فتحوّل عنها مکان هذه. فضحک رسول الله (ص) من قوله، ثم قام فخرج، فقالت ام سلمة: یا رسول الله من هذا؟ قال رسول الله: هذا الأحمق المطاع.
ثم قال الواقدی: فحاصر رسول الله (ص) بالطائف شهرا فلمّا استهلّ ذو القعدة رجع
معتمرا الى مکة، فأقام بمکة لیالیا … الخ.
و فی مجمع الزوائد لابن حجر الجزء التاسع ص 134 و عن عبد الرحمن بن عوف قال: لمّا افتتح رسول الله (ص) مکة انصرف الى الطائف فحاصرها سبع عشرة أو ثمان عشرة فلم یفتحها ثم أوغل روحة أو غدوة ثم نزل ثم هجر فقال: یا أیّها الناس انّی فرط لکم و أوصیکم بعترتی خیرا و انّ موعدکم الحوض، و الذی نفسی بیده لیقیموا الصلاة و لیؤتوا الزکاة أو لابعثنّ رجلا منی أو کنفسی فلیضربن أعناق مقاتلیهم و لیسبین ذراریهم، قال: فرأى الناس انّه أبو بکر أو عمر و أخذ بید علی (ع) فقال: هذا هو.
و قال ابن کثیر(6): فنزل رسول الله (ص) بالأکمة عند حصن الطائف بضع عشرة لیلة یقاتلهم و یقاتلونه من وراء حصنهم، و لم یخرج إلیه أحد منهم غیر أبی بکرة بن مسروح أخی زیاد لأمّه، فأعتقه رسول الله (ص)، و کثرت الجراح و قطعوا طائفة من أعنابهم لیغیظوهم بها، فقالت لهم ثقیف: لا تفسدوا الأموال فانّها لنا أو لکم. و قال عروة: أمر رسول الله کل رجل من المسلمین أن یقطع خمس نخلات و خمس حبلات، و بعث منادیا ینادی: من خرج إلینا فهو حر. فاقتحم إلیه نفر منهم فیهم أبو بکرة بن مسروح أخو زیاد ابن أبی سفیان لأمّه، فأعتقهم و دفع کل رجل منهم الى رجل من المسلمین یعوله و یحمله.
ثم روى عن الإمام أحمد باسناده عن ابن عباس انّه قال: انّ رسول الله (ص) کان یعتق من جاء من العبید قبل موالیهم إذا أسلموا، و قد أعتق یوم الطائف رجلین.
ثم روى عن الإمام أحمد باسناده عن ابن عباس أیضا انّه قال: قال رسول الله (ص) یوم الطائف: من خرج إلینا من العبید فهو حر، فخرج عبید من العبید منهم أبو بکرة، فأعتقهم رسول الله (ص) … الخ.
و قال محمد بن سعد(7): و نادى منادی رسول الله (ص): أیّما عبد نزل من الحصن و خرج إلینا فهو حر، فخرج منهم بضعة عشر رجلا، منهم أبو بکرة نزل فی بکرة، فقیل أبو بکرة،
فأعتقهم رسول الله (ص) و دفع کل رجل منهم الى رجل من المسلمین یمونه. فشقّ ذلک على أهل الطائف مشقة شدیدة، و لم یؤذن لرسول الله فی فتح الطائف … الخ.
و قال ابن کثیر(8): قال لمّا حاصر رسول الله (ص) أهل الطائف خرج إلیه رقیق من رقیقهم أبو بکرة عبدا للحارث بن کلاة، و المنبعث و کان اسمه المضطجع، فسماه رسول الله المنبعث و یحنس دوردان فی رهط من رقیقهم فأسلموا، فلمّا قدم وفد أهل الطائف فأسلموا قالوا: یا رسول الله ردّ علینا رقیقنا الذین أتوک. قال (ص): لا أولئک عتقاء الله، و ردّ على ذلک الرجل و لاء عبده فجعله له.
ثم روى عن البخاری باسناده عن سعد قال: و هو أول من رمى بسهم فی سبیل الله، و أبا بکرة و کان تسوّر حصن الطائف فی أناس، فجاء الى رسول الله (ص). قالا: سمعنا رسول الله (ص) یقول: من ادّعى الى غیر أبیه و هو یعلمه فالجنة علیه حرام. الى أن قال: و تقدّم أبو سفیان بن حرب و المغیرة بن شعبة فنادیا ثقیفا بالأمان حتّى یکلّموهم، فأمّنوهم فدعوا نساء من قریش و بنی کنانة لیخرجنّ إلیهم و هما یخافان علیهنّ السباء إذا فتح الحصن، فأبین فقال لهما أبو الأسود بن مسعود: ألا أدلکما على خیر ممّا جئتما له، انّ مال أبی حیث قد علمتما، و کان رسول الله (ص) نازلا بواد یقال له العقیق، و هو بین مال أبی الأسود و بین الطائف، و لیس بالطائف مال أبعد رشاء و لا أشدّ مؤنة و لا أبعد عمارة منه، و انّ محمدا إن قطعه لم یعمر أبدا، فکلّماه فلیأخذ لنفسه أو لیدعه للّه و للرحم. فزعموا انّ رسول الله (ص) ترکه لهم.
ثم قال: و قد روى الواقدی عن شیوخه هذا، و عنده انّ سلمان هو الذی أشار بالمنجنیق و عمله بیده. و قیل قدم به و بدبّابتین … الخ.
و قال الحلبی(9): و هو أول منجنیق رمی به فی الإسلام، أرشده إلیه سلمان الفارسی. قال: کنّا بأرض فارس تنصب المنجنیقات على الحصون فنصیب من عدوّنا. الى أن قال: و دخل نفر من الصحابة تحت دبّابة و زحفوا بها الى جدار الحصن لیخرقوه. و فی الامتاع: دخلوا تحت
دبّابتین و کان من جلود البقر، فأرسلت إلیهم ثقیف سکک الحدید محماة بالنار، فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل فقتل منهم رجال. ثم قال: و الدبّابة بفتح الدال المهملة ثم موحّدة مشدّدة و بعد الألف موحّدة ثم تاء التأنیث، و هی آلة من آلات الحرب تجعل من الجلود یدخل فیها الرجال فیدبّون بها الى الأسوار لینقّبوها … الخ.
و قال ابن کثیر(10): و قال الواقدی: حدّثنی کثیر بن زید بن الولید بن رباح عن أبی هریرة قال: لمّا مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار رسول الله (ص) نوفل بن معاویة الدئلی فقال: یا نوفل ما ترى فی المقام علیهم؟ قال: یا رسول الله ثعلب فی حجر إن أقمت علیه أخذته و إن ترکته لم یضرّک. الى أن قال: و أمر رسول الله (ص) الناس أن لا یسرحوا ظهرهم، فلمّا أصبحوا ارتحل رسول الله و أصحابه، و دعا حین رکب قافلا فقال: اللهم اهدهم و اکفنا مؤنتهم.
ثم روى عن الترمذی باسناده عن جابر انّه قال: قالوا یا رسول الله أحرقتنا نبال ثقیف فادع الله علیهم. فقال: اللهم اهد ثقیفا.
ثم روى عن یونس عن ابن إسحاق قال: حدّثنی عبد الله بن أبی بکر و عبد الله بن مکرّم عمّن أدرکوا من أهل العلم قالوا: حاصر رسول الله (ص) أهل الطائف ثلاثین لیلة أو قریبا من ذلک، ثم انصرفوا عنهم و لم یؤذن فیهم، فقدم المدینة، فجاءه و فدهم فی رمضان فأسلموا … الخ.
و قال محمد بن سعد(11): و استشار رسول الله (ص) نوفل بن معاویة فقال: ما ترى؟ فقال: ثعلب فی حجر إن أقمت علیه أخذته و إن ترکته لم یضررک. فأمر رسول الله (ص) عمر بن الخطاب فأذّن بالرحیل، فضجّ الناس من ذلک و قالوا: نرحل و لم یفتح علینا الطائف. فقال رسول الله. فاغدوا على القتال. فغدوا فأصابت المسلمین جراحات، فقال رسول الله (ص): انّا قافلون إن شاء الله، فسرّوا بذلک و أذعنوا و جعلوا یرحلون و رسول الله یضحک، و قال لهم
رسول الله (ص) قولوا لا إله إلّا الله وحده صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده. فلمّا ارتحلوا و استقلّوا قال (ص) قولوا: آئبون تائبون عابدون لربّنا حامدون. و قیل لرسول الله (ص): ادع الله على ثقیف، فقال: اللهم اهد ثقیفا و أت بهم.
ثم روى عن الحسن قال: حاصر رسول الله (ص) أهل الطائف، قال: فرمی رجل من فوق سورها فقتل. فأتى عمر فقال: یا نبی الله ادع الله على ثقیف. قال: انّ الله لم یأذن فی ثقیف. قال: فکیف نقتل فی قوم لم یأذن الله فیهم. قال (ص): فارتحلوا.
ثم روى عن مکحول انّه قال: انّ النبی (ص) نصب المنجنیق على أهل الطائف أربعین یوما، انتهى.
أقول: و ممّا ذکروه فی غزوة الطائف ما رواه أبو داود و الترمذی و النسائی و مسلم من قصة المخنّث، رووها عن ام سلمة قالت: دخل علیّ رسول الله (ص) و عندی مخنّث، فسمعه یقول لعبد الله بن أبی أمیّة: أرأیت إن فتح الله علیکم الطائف غدا فعلیک بابنة غیلان، فانّها تقبل بأربع و تدبر بثمان. فقال رسول الله: لا یدخلن هؤلاء علیکنّ.
ثم قال(12) و قد رواه البخاری أیضا و مسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبیه به، و فی لفظ: و کانوا یرونه من غیر أولی الاربة من الرجال. و فی لفظ: قال رسول الله (ص): الا أرى هذا یعلم ما هاهنا لا یدخلنّ علیکنّ هؤلاء.
الى أن قال: و معنى قوله «تقبل بأربع و تدبر بثمان» یعنی بذلک عکن بطنها، فانّها تکون أربعا إذا أقبلت ثم تصیر کل واحدة ثنتین إذا أدبرت. و هذه المرأة هی بادیة بنت غیلان بن سلمة من سادات ثقیف، و هذا المخنّث قد ذکره البخاری عن ابن جریح انّ اسمه هیت. و هذا هو المشهور لکن قال یونس عن ابن إسحاق قال: و کان مع رسول الله (ص) مولى لخالته بنت عمرو بن عاید مخنّث یقال له ماتع، یدخل على نساء رسول الله فی بیته و لا ترى انّه یفطن لشیء من أمور النساء ممّا یفطن إلیه رجال، و لا یرى انّه له فی ذلک اربا، فسمعه یقول لخالد بن
الولید: یا خالد إن افتتح رسول الله الطائف فلا تنفلتنّ منکم بادیة بنت غیلان، فانّها تقبل بأربع و تدبر بثمان، فقال رسول الله (ص) حین سمع هذا منه: ألا أرى هذا یفطن لهذا. ثم قال (ص) لنسائه: لا یدخلنّ علیکم، فحجب عن بیت رسول الله (ص). انتهى ما نقله ابن کثیر فی ذلک.
و قال ابن هشام(13): ثم خرج رسول الله (ص) حین انصرف عن الطائف على دحنا حتّى نزل الجعرانة فیمن معه من الناس، و معه من هوازن سبی کثیر.
ثم ذکر من أمر السبی و قسمته قریبا مما ذکرناه الى أن قال: قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله (ص) من الجعرانة معتمرا و أمر ببقایا الفیء فحبس بمجنّة بناحیة مرّ الظهران، فلمّا فرغ رسول الله (ص) من عمرته انصرف الى المدینة و استخلف عتاب بن أسید على مکة، و خلف معه معاذ بن جبل یفقّه الناس فی الدین و یعلّمهم القرآن، و اتّبع رسول الله ببقایا السبی.
ثم قال ابن هشام: و بلغنی عن زید بن أسلم انّه قال: لمّا استعمل النبی (ص) عتاب بن أسید على مکة رزقه کل یوم درهما، فقام فخطب الناس فقال: أیّها الناس أجاع الله کبد من جاع على درهم، فقد رزقنی رسول الله (ص) درهما کل یوم، فلیست بی حاجة الى أحد … الخ.
ثم قال: قال ابن إسحاق: و کانت عمرة رسول الله (ص) فی ذی القعدة، فقدم رسول الله (ص) المدینة فی بقیّة ذی القعدة أو فی أول ذی الحجة … الخ.
و قال الواقدی(14): فلمّا استهلّ ذو القعدة رجع (ص) معتمرا الى مکة، فأقام بمکة لیالیا و استخلف على أهل مکة معاذ بن جبل الأنصاری أخا بنی سلمة، و أمره أن یعلّم الناس القرآن و یحدّثهم بما حرم الله على من کان مسلما و یفقّه الناس فی الدین و یخبرهم بالذی لهم فی الإسلام و الذی علیهم فی الإسلام. ثم انصرف رسول الله (ص) الى المدینة، و ذکر انّه متجهّز الى الطائف إذا انسلخ الأشهر الحرم.
الى أن قال: فلمّا بلغ أهل الطائف انّ محمدا یرید العودة إلیهم خافوا و بعثوا وفدهم الى
رسول الله (ص) یریدون الصلح، فقدموا الى نبی الله المدینة، فذکروا الصلح فقبله النبی و قال: على ما تصالحون؟ قالوا: أن لا نحشر و لا نعشر و لا نحنی. قالوا: و تمتّعنا باللات سنة. قال رسول الله (ص): انّه لا یصلح دین لیس فیه رکوع و لا سجود، فعاودوه فی ذلک فأبى علیهم إلّا الصلاة، قالوا: فانّا سنعطیکما و إن کان فیه دناءة. قال رسول الله (ص): و لکم ما سألتم خصلتان أن لا تحشروا و لا تعشروا و لا تجنوا. قالوا: و تمتّعنا باللات سنة، فانّا لا نسلم إلّا علیها، فانّا خیر من تخدع لک إسلاما و أشدّهم علیک فأعرض عنهم رسول الله (ص) ثم عاودوه فقالوا: ما ترى فی اللات، فأعرض عنهم. الى أن قال: فقام رجل من الأنصار یزعمون انّه حارثة بن النعمان فقال: أسعرتم بذکر اللات أسعر الله أکبادکم، انّ رسول الله لا یقرّ عبادة الأوثان فی أرض أهل الإسلام، و لیس بمسلم من رضی بإقرار اللات بین أظهرهم، فاتّقوا الله و اجعلوا إسلامکم للّه خالصا. قالوا: فلا نکسرها إذا بأیدینا و لیکسرها من شاء، فولّى کسرها کما یزعمون المغیرة بن شعبة … الخ.
و روى ابن کثیر(15) عن الإمام أحمد باسناده عن قتادة انّه قال: سألت أنس بن مالک قلت: کم حج رسول الله (ص)؟ قال: حجة واحدة و اعتمر أربع مرّات، عمرته زمن الحدیبیة، و عمرته فی ذی القعدة من المدینة، و عمرته من الجعرانة فی ذی القعدة حیث قسّم غنیمة حنین، و عمرته مع حجته.
ثم روى أیضا عن الإمام أحمد باسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: اعتمر رسول الله (ص) ثلاث عمر کل ذلک فی ذی القعدة یلبّی حتّى یستلم الحجر. ثم قال: و هذه الثلاث عمر اللاتی وقعن فی ذا القعدة ما عدا عمرته مع حجته، فانّها وقعت فی ذی الحجة مع الحجة و إن أراد ابتداء الاحرام بهنّ فی ذا القعدة فلعلّه لم یرد عمرة الحدیبیة، لانّه صدّ عنها و لم یفعلها … الخ.
و قال ابن الأثیر(16): ثم اعتمر رسول الله (ص) من الجعرانة، و عاد الى المدینة، و استخلف
على مکة عتاب بن أسید، و ترک معاذ بن جبل یفقّه الناس فی الدین و یعلّمهم القرآن، و حج عتاب بن أسید بالناس، و حج الناس تلک السنة على ما کانت العرب تحج، و عاد رسول الله (ص) الى المدینة فی ذی القعدة أو فی ذی الحجة.
الى أن قال: و فیها تزوّج رسول الله (ص) الکلابیّة، و اسمها فاطمة بنت الضحاک ابن سفیان، فاختارت الدنیا حین خیّرت. و قیل: انّها استعاذت منه ففارقها.
ثم قال: و فیها ولدت ماریة إبراهیم ابن النبی (ص) فی ذی الحجة، فدفعه الى ام بردة بنت المنذر الأنصاریة، فکانت ترضعه، و زوّجها البراء بن أوس الأنصاری، و کانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله (ص)، فأرسلت أبا رافع الى النبی (ص) یبشّره بإبراهیم، فوهب له مملوکا.
و غار نساء النبی و عظم علیهنّ حین رزقت ماریة منه (ص) ولدا.
أقول: و قد ذکرنا فی الجزء الأول ما یتعلّق بإبراهیم من حیث الولادة و الوفاة و مدّة عمره و بکاء النبی و جزعه علیه حین مات، فراجع.
1) الطبقات الکبرى 2/ 157 و 158.
2) السیرة النبویة 4/ 124.
3) الطبقات الکبرى 2/ 158.
4) السیرة النبویة 4/ 126.
5) المغازی 3/ 928.
6) السیرة النبویة 3/ 656 و 657.
7) الطبقات الکبرى 2/ 158 و 159.
8) السیرة النبویة 3/ 657.
9) السیرة الحلبیة 3/ 117.
10) السیرة النبویة 3/ 661 و 663.
11) الطبقات الکبرى 2/ 159.
12) السیرة النبویة 3/ 660 و 661.
13) السیرة النبویة 4/ 130 و 143.
14) المغازی 3/ 959.
15) السیرة النبویة 3/ 692.
16) الکامل 2/ 272.