ثم إنهم قد حولوا قبلة المسلمین، کما ینص علیه الجاحظ. والظاهر هو: أنهم قد حولوها إلی بیت المقدس تجاه الصخرة، التی هی قبلة الیهود، کما ربما یقتضیه ما تقدم. قال الجاحظ:… حتی قام عبد الملک بن مروان، وابنه الولید، وعاملهما الحجاج، ومولاهما یزید بن أبی مسلم، فأعادوا علی البیت بالهدم، وعلی حرم المدینة بالغزو، فهدموا الکعبة، واستباحوا الحرمة، وحولوا قبلة واسط. إلی أن قال:… فاحسب: أن تحویل القبلة کان غلطا، وهدم البیت کان تأویلا، واحسب ما رووا من کل وجه: أنهم کانوا یزعمون… الخ..(1)
ویقول الجاحظ أیضاً: وتفخر هاشم بأنهم لم یهدموا الکعبة، ولم یحولوا القبلة، ولم یجعلوا… الخ(2)
ومما یدل علی تحویل قبلة واسط أیضاً: أن أسد بن عمرو بن جانی، قاضی واسط، قد رأی قبلة واسط ردیئة، فتحرف فیها، فاتهم بالرفض(3)
فأخبرهم أنه رجل مرسل من قبل الحکام لیتولی قضاء بلدهم. ونقول:
أولاً: إن الظاهر هو أن تحویل القبلة کان إلی صخرة بیت المقدس، التی جعل الحج أولاً إلیها، بعد أن منع الحج إلی مکة والکعبة. کما تقدم. بل لقد ادعی البعض: أن القبلة أساسا قد کانت قبل الهجرة إلی الصخرة(4)
وثانیاً: إنه یظهر من قصة قاضی واسط: أن غیر الشیعة قد قبلوا بالأمر الواقع، وجروا علی ما یریده الحکام. والشیعة، وحدهم هم الذین رفضوا ذلک، حتی أصبح تحری القبلة مساوقاً للاتهام بالرفض.
وثالثاً: لعل تحویل القبلة إلی بیت المقدس یفسر لنا ما ورد من استحباب التیاسر لأهل العراق خاصة، وهم الذین کان الحجاج یحکمهم من قبل بنی أمیة. أی لیکونوا أقرب إلی الکعبة حینئذ. غیر أن أئمة أهل
البیت علیهم السلام لم یتمکنوا من الجهر والتصریح بهذا الأمر، فأشاروا إلیهم باستحباب التیاسر، ثم لما کانوا یسألونهم عن السبب فی ذلک تراهم یبررونه بما یبعد الشبهات عنهم(5)
ولکن ذلک، فیما یظهر لم یدم طویلا، فقد التفت خصوم الشیعة إلی ذلک، ولذا تراهم یتهمون کل من یتحری القبلة بالرفض، کما تقدم.
1) رسائل الجاحظ ج 2 ص 16.
2) آثار الجاحظ ص 205.
3) نشوار المحاضرات ج 6 ص 36 وتاریخ بغداد ج 7 ص 16.
4) راجع: الکشکول للبهائی ط مصر ص 98 وتاریخ الخمیس ج 1 ص 367 والسیرة الحلبیة ج 2 ص 130.
5) راجع: وسائل الشیعة کتاب الصلاة، أبواب القبلة.