و انطلق جیش المسلمین فی طریق و عر طویل و قد أوضح لهم الرسول هدف المسیرة خلافا لما کان فی الغزوات الماضیة. و کان یتخلف عنه فی الطریق جماعة ممن خرجوا معه من المدینة فکان یقول (صلّى الله علیه و اله) لأصحابه: دعوه فإن یکن به خیر فسیلحقه الله بکم و إن یکن غیر ذلک فقد أراحکم الله منه.
و أسرع النبی (صلّى الله علیه و اله) السیر حین مرّ على أطلال قوم صالح و قال لأصحابه و هو یعظهم: «لا تدخلوا بیوت الذین ظلموا إلّا و أنتم باکون خوفا أن یصیبکم مثل ما أصابهم»، و نهاهم عن استعمال الماء من هذه المنطقة و حذّرهم من خطورة الظروف الجویة فیها(1)، و للصعوبات التی أحاطت هذه الغزوة من حیث الماء و الغذاء و النفقة و الظهر (الخیل و الإبل) فقد سمّی هذا الجیش ب «جیش العسرة».
و لم یجد المسلمون جیش الروم؛ إذ قد تفرّق جمعهم، و هنا استشار الرسول القائد أصحابه فی ملاحقة العدو أو العودة إلى المدینة فقالوا: إن کنت امرت بالسیر فسر. فقال (صلّى الله علیه و اله): «لو امرت به ما استشرتکم فیه»(2) و هنا قرّر النبی (صلّى الله علیه و اله)
العودة إلى المدینة.
و اتصل الرسول (صلّى الله علیه و اله) بزعماء المنطقة الشمالیة للجزیرة و عقد معهم معاهدة عدم تعرّض و اعتداء بین الجانبین و بعث رسول الله (صلّى الله علیه و اله) خالد بن الولید إلى دومة الجندل خوفا من تعاون زعیمها مع الروم فی هجوم آخر و تمکّن المسلمون من أسر زعیمهم و حمل الغنائم الکثیرة(3)
1) السیرة النبویة: 2/ 521، السیرة الحلبیة: 3/ 134.
2) المغازی: 3/ 1019.
3) الطبقات الکبرى: 2/ 166، بحار الأنوار: 21/ 246.