جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

دور المواجهة الشاملة

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و رغم احتیاطات النبی (صلّى الله علیه و اله) فی المرحلة السابقة و تجنّبه الدخول فی مواجهة مباشرة له أو لأحد من المسلمین مع قوى الشرک و الوثنیة فإنه کان یتعرّض خلالها للنقد و اللوم اللاذع له و لبقیّة المسلمین.

و کان لدعوة بنی هاشم الى الدین الجدید الأثر البالغ و الذکر الشائع فی أوساط القبائل العربیة فقد تبین لهم صدق و جدّیة النبوة التی أعلنها محمّد (صلّى الله علیه و اله) و آمن بها من آمن.

و بانقضاء السنوات الثلاث- أو الخمس- من بدایة الدعوة نزل الأمر الإلهی بالصدع بالرسالة الإلهیة و الإنذار العام لیخرج الأمر عن الاتصال الفردی الذی کان یتمّ بعیدا عن الأنظار، فیدعو الجمیع الى رسالة الاسلام و الایمان بالله الواحد الأحد، و قد وعد الله نبیّه (صلّى الله علیه و اله) بتسدید خطاه فی مواجهة المستهزئین و المعاندین فی قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ – إِنَّا کَفَیْناکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ(1)

فتحرک النبیّ (صلّى الله علیه و اله) صادعا بأمر الله بثقة مطلقة و عزیمة راسخة متحدیا کل‏

قوى الشر و الشرک، و قام على الصفا و نادى قریشا من کل ناحیة فأقبلوا نحوه فقال (صلّى الله علیه و اله): «أرأیتکم إن أخبرتکم أن العدو مصبحکم أو ممسیکم ما کنتم تصدقوننی؟

قالوا: بلى، قال: «فإنی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید». فنهض أبو لهب لیرد على رسول الله فقال: تبالک سائر هذا الیوم ألهذا جمعتنا؟!- فأنزل الله تعالى: تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ وَ تَبَّ(2)

لقد کان هذا إنذارا صارخا أفزع قریشا إذ أصبح تهدیدا علنیا لکل معتقداتهم و تحذیرا من عاقبة مخالفتهم لأمر الرسول (صلّى الله علیه و اله) … و اتضح أمر الدین الجدید لأهل مکة بل کل أطراف الجزیرة إذ أدرکوا أنّ انقلابا حقیقیا سیحلّ بمسیرة البشریة و یرفع من شأنها فی القیم و الثقافة و المعاییر و المواقع الاجتماعیة وفق تعالیم السماء و ینسف الشر من جذوره فکانت المواجهة مع قادة الشرک و الطغیان مواجهة حقیقیة لا یمکن أن تنتهی إلى نقاط وفاق.

و خلال هذه الفترة دخل فی الإسلام عدد من العرب و غیر العرب حتى بلغوا أربعین رجلا، و لم تتمکن قریش من تحطیم هذه النهضة الفتیة إذ إن المؤمنین ینتمون إلى قبائل شتى، من هنا توسّلت قریش بالمواجهة السلمیّة ابتداء.

و لکن أبا طالب ردّهم ردّا جمیلا، فانصرفوا عنه (صلّى الله علیه و اله)(3)


1) الحجر (15): 94- 95.

2) المناقب: 1/ 46، تاریخ الطبری: 2/ 403.

3) سیرة ابن هشام: 1/ 264- 265، تأریخ الطبری: 2/ 406.