ثم قال: ذکر رمیه جمرة العقبة وحدها یوم النحر. الى ان قال: قد تقدّم من حدیث اسامة و الفضل و غیرهما من الصّحابة أنّه (ص) لم یزل یلبّی حتّى رمى جمرة العقبة. ثم روى عن
البیهقی بإسناده عن أبی وائل، عن عبد الله قال: رمقت النبی (ص) فلم یزل یلبّی حتّى رمى جمرة العقبة بأوّل حصاة.
ثم روى بإسناده عن جعفر بن محمد (ع)، عن أبیه، عن علی بن الحسین (ع)، عن ابن عباس عن الفضل قال: أفضت مع رسول الله (ص) من عرفات فلم یزل یلبّی حتّى رمى جمرة العقبة، یکبّر مع کلّ حصاة، ثم قطع التلبیة مع آخر حصاة. ثم قال قال البیهقی و هذه زیادة غریبة لیست فی الروایات المشهورة عن ابن عباس، عن الفضل، و ان کان ابن خزیمة قد اختارها. و قال محمد بن إسحاق: حدّثنی أبان بن صالح، عن عکرمة قال: أفضت مع الحسین بن علی (ع) فما أزال أسمعه یلبّی حتّى رمى جمرة العقبة. و أخبرنی انّ رسول الله (ص) کان یفعل ذلک.
و تقدّم من حدیث اللّیث عن أبی الزّبیر عن أبی معبد، عن ابن عباس، عن أخیه الفضل انّ النبی (ص) أمر الناس فی وادی محسّر بحصى الحذف الذی یرمى به الجمرة. رواه مسلم. ثم قال و قال أبو العالیة عن ابن عباس، حدّثنی الفضل قال: قال لی رسول الله (ص) غداة یوم النحر: هات فالقط لی حصا، فلقطت له حصیات مثل حصى الحذف فوضعهنّ فی یده فقال (ص): بأمثال هؤلاء، بأمثال هؤلاء، و إیّاکم و الغلّو فإنّما أهلک من کان قبلکم الغلّو فی الدین. رواه البیهقی. و قال جابر فی حدیثه: حتّى أتى بطن محسّر فحرّک قلیلا ثم سلک الطریق الوسطى التی تخرج على الجمرة الکبرى، حتّى أتى الجمرة فرماها بسبع حصیات یکبّر مع کلّ حصاة منها مثل حصى الحذف رمى من بطن الوادی. رواه مسلم و قال البخاری و قال جابر: رمى النبی (ص) یوم النحر ضحى و رمى بعد ذلک بعد الزوال.
الى ان قال ابن کثیر: و قال الإمام أحمد، ثم روى عنه بإسناده عن ابن عباس انّ النبی (ص) رمى الجمرة جمرة العقبة یوم النحر راکبا. ثم رواه عن الترّمذی و ابن ماجة. ثم قال و قد روى أحمد، و أبو داود، و ابن ماجة، و البیهقی من حدیث یزید بن زیاد، عن سلیمان ابن عمرو بن الأحوص، عن أمّه امّ جندب الأزدیة قالت: رأیت رسول الله (ص) یرمی الجمار من بطن الوادی و هو راکب، یکبّر مع کلّ حصاة و رجل من خلفه یستره، فسألت عن الرّجل،
فقالوا: الفضل بن عباس، فازدحم النّاس، فقال النبی (ص): یا أیّها الناس لا یقتل بعضکم بعضا و إذا رمیتم الجمرة فارموه بمثل حصى الحذف. الى ان قال: و قد روى مسلم فی صحیحه من حدیث ابن جریح، قال أخبرنی أبو الزّبیر قال سمعت جابر بن عبد الله یقول: رأیت رسول الله (ص) یرمی الجمرة على راحلته یوم النّحر و یقول: لتأخذوا مناسککم فإنّی لا أدری لعلّی لا أحجّ بعد حجّتی هذه.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن قدامة بن عبد الله أنّه رأى رسول الله (ص) رمى جمرة العقبة من بطن الوادی یوم النحر على ناقته له صهباء، لا ضرب و لا طرد و لا إلیک إلیک … الخ. ثم قال ابن کثیر قال جابر: ثم انصرف الى المنحر فنحر ثلاثا و ستین بیده ثم أعطى علیّا (ع) فنحر ما غبر و أشرکه فی هدیه ثم أمر من کلّ بدنة ببضعة فجعلت فی قدر فطبخت فأکلا من لحمها و شربا من مرقها … الخ.
ثم قال ابن کثیر: ذکر جابر بن عبد الله انّ رسول الله (ص) أشرک علی بن أبی طالب (ع) فی الهدی و انّ جماعة الهدی الذی قدم به علی (ع) من الیمن و الذی جاء به رسول الله (ص) مائة من الإبل، و انّ رسول الله (ص) نحر بیده الکریمة ثلاثا و ستّین بدنة. ثم قال قال ابن حبان و غیره: و ذلک مناسب لعمره (ص) فإنّه کان ثلاثا و ستین سنة.
ثم روى ابن کثیر عن الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس قال: نحر رسول الله (ص) فی الحج مائة بدنة نحر منها بیده ستّین و أمر ببقیّتها فنحرت … الخ.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن مجاهد عن جبیر عن ابن عباس قال أهدى رسول الله (ص) فی حجّة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثین بدنة بیده، ثم أمر علیّا (ع) فنحر ما بقی منها. ثم قال ابن کثیر: و ثبت فی الصّحیحین من حدیث مجاهد عن ابن أبی لیلى عن علی (ع) قال: أمرنی رسول الله (ص) ان أقوم على بدنه و ان أتصدّق بلحومها و جلودها و أجلتها و ان لا أعطی الجزّار منها شیئا، و قال: نحن نعطیه من عندنا. ثم روى عن أبی داود بإسناده عن عبد الله بن الحارث الأزدی، قال سمعت عرفة بن الحارث الکندی قال: شهدت رسول الله (ص) و أتى بالبدن، فقال (ص): ادع لی أبا حسن، فدعی له علی (ع) فقال (ص)
خذ بأسفل الحربة، و أخذ رسول الله (ص) بأعلاها ثم طعنا بها البدن، فلمّا فرغ رکب بغلته و أردف علیّا (ع). ثم قال تفرّد به أبو داود.
ثم قال ابن کثیر و فی إسناده و متنه غرابة. و الله أعلم … الخ.
و قال الکازرونی الیمانی: ثم انصرف الى المنحر فنحر ثلاثا و ستّین بدنة بیده ثم أعطى علیّا (ع) فنحر ما غبر- أی بقی- و أشرکه فی هدیه، ثم أمر من کل بدنة ببضعة لحم فجعلت فی قدر فطبخت فأکلا من لحمها و شربا من مرقها … الخ.
و روى ابن کثیر(1) عن الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس قال: رمى رسول الله (ص) جمرة العقبة، ثم ذبح، ثم حلق. ثم قال و قد ادّعى ابن حزم أنّه ضحّى عن نسائه بالبقر و أهدى بمنى بقرة و ضحّى هو بکبشین أملحین.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن ابن عمر انّ رسول الله (ص) حلق فی حجّته.
ثم روى عن البخاری بإسناده عن شعیب قال قال نافع: کان عبد الله بن عمر یقول: حلق رسول الله (ص) فی حجّته. و رواه مسلم من حدیث موسى بن عقبة عن نافع به.
ثم روى عن البخاری أیضا بإسناده عن نافع انّ عبد الله بن عمر قال: حلق رسول الله (ص) و طائفة من أصحابه و قصّر بعضهم. و رواه مسلم من حدیث اللیث عن نافع به، و زاد قال عبد الله، قال رسول الله (ص): یرحم الله المحلّقین مرّة أو مرّتین، قالوا: یا رسول الله و المقصّرین؟ قال (ص): و المقصّرین. و روى عن مسلم أیضا بإسناده عن یحیى بن حصین، عن جدّته أنّها سمعت رسول الله (ص) فی حجّة الوداع دعا للمحلّقین ثلاثا و للمقصّرین مرّة … الخ.
ثم روى عن مسلم بإسناده عن أنس بن مالک: انّ رسول الله (ص) أتى منى فأتى بجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى و نحر، ثم قال للحلّاق: خذ، و أشار الى جانبه الأیمن ثم الأیسر، ثم جعل یعطیه الناس. و فی روایة أنّه حلق شقّه الأیمن فقسّمه بین الناس من شعرة و شعرتین، و أعطى شقّه الأیسر لأبی طلحة. و فی روایة: أنّه أعطى الأیمن لأبی طلحة، و أعطاه الأیسر
و أمره ان یقسّمه بین الناس.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن ثابت، عن أنس قال: رأیت رسول الله (ص) و الحلّاق یحلقه و قد أطاف به أصحابه ما یریدون ان یقع شعرة إلّا فی ید رجل. قال ابن کثیر: انفرد به أحمد.
ثم قال ابن کثیر: ثم لبس (ص) ثیابه و تطیّب بعد ما رمى جمرة العقبة و نحر هدیه … الخ. الى ان قال: ذکر افاضته (ص) الى البیت العتیق. ثم قال قال جابر: ثم رکب رسول الله (ص) الى البیت فصلّى الظّهر بمکة فأتى بنی عبد المطلب و هم یسقون على زمزم فقال (ص): انزعوا بنی عبد المطلب فلو لا ان تغلبکم الناس على سقایتکم لنزعت معکم، فناولوه دلوا فشرب منه. رواه مسلم. ثم قال ابن کثیر: ففی هذا السّیاق ما یدلّ على أنّه (ص) رکب الى مکة قبل الزّوال فطاف بالبیت، ثم لمّا فرغ صلّى الظّهر هناک. ثم روى عن مسلم أیضا بإسناده عن نافع، عن ابن عمر: انّ رسول الله (ص) أفاض یوم النحر، ثم رجع فصلّى الظّهر بمنى. ثم قال: و هذا خلاف حدیث جابر و کلاهما عند مسلم فإن علّلنا بهما أمکن ان یقال أنّه (ص) صلّى الظهر بمکة ثم رجع الى منى، فوجد الناس ینتظرونه فصلّى بهم. و الله أعلم.
ثم قال: و رجوعه (ص) الى منى فی وقت الظّهر ممکن، لأنّ ذلک الوقت کان صیفا و النهار طویل، و ان کان قد صدر منه (ص) أفعال کثیرة فی صدر هذا النّهار، فإنّه دفع فیه من المزدلفة بعد ما أسفر الفجر جدّا و لکنه قبل طلوع الشّمس، ثم قدم منى فبدأ برمی جمرة العقبة بسبع حصیات، ثم جاء فنحر بیده ثلاثا و ستّین بدنة و نحر علی (ع) بقیّة المائة، ثم أخذ (ص) من کلّ بدنة بضعة و وضعت فی قدر و طبخت حتّى نضجت فأکل من ذلک اللحم و شرب من ذلک المرق. و فی غبون ذلک- أی أثناء ذلک- حلق رأسه و تطیّب، فلمّا فرغ من هذا کلّه رکب الى البیت و قد خطب (ص) خطبة عظیمة و لست أدری أکانت قبل ذهابه الى البیت أو بعد رجوعه (ص) منه الى منى. فالله أعلم. و القصد أنّه رکب الى البیت فطاف سبعة أطواف راکبا و لم یطف بین الصّفا و المروة. کما ثبت فی صحیح مسلم عن جابر و عائشة. ثم شرب من ماء زمزم و من نبیذ تمر من ماء زمزم. فهذا کلّه ممّا یقوّی قول من قال أنّه (ص) صلّى الظّهر بمکة،
کما رواه جابر. و یحتمل أنّه (ص) رجع الى منى فی آخر وقت الظّهر فصّلى بأصحابه بمنى الظّهر أیضا. و هذا هو الذی أشکل على ابن حزم فلم یدر ما یقول فیه، و هو معذور لتعارض الرّوایات الصحیحة فیه. و الله أعلم.
ثم روى ابن کثیر عن أبی داود بإسناده عن عائشة قالت: أفاض رسول الله (ص) من آخر یومه حین صلّى الظّهر ثم رجع الى منى فمکث بها لیالی أیّام التشریق، یرمی الجمرة إذا زالت الشمس کلّ جمرة بسبع حصیات یکبّر مع کلّ حصاة. ثم قال قال ابن حزم: فهذا جابر و عائشة اتّفقا على أنّه (ص) صلّى الظّهر یوم النّحر بمکة، و هما و الله أعلم أضبط لذلک من ابن عمر. ثم قال ابن کثیر: کذا قال یعنی ابن حزم، و لیس بشیء فانّ روایة عائشة هذه لیست ناصّة أنّه (ص) صلّى الظّهر بمکة، بل محتملة ان کان المحفوظ فی الروایة حتّى صلّى الظّهر، و ان کانت الروایة حین صلّى الظّهر و هو الأشبه فإنّ ذلک دلیل على أنّه (ص) صلّى الظّهر بمنى قبل ان یذهب الى البیت و هو محتمل. و الله سبحانه و تعالى أعلم. و على هذا فیبقى مخالفا لحدیث جابر فإنّ هذا یقتضی أنّه (ص) صلّى الظّهر بمنى قبل ان یرکب الى البیت، و حدیث جابر یقتضی انّه رکب الى البیت قبل ان یصلّی الظّهر و صلّاها بمکة. و قد قال البخاری و قال أبو الزّبیر عن عائشة و ابن عباس: أخّر النبی (ص) یعنی طواف الزیارة الى اللّیل، و هذا و الذی علّقه البخاری فقد رواه الناس من حدیث یحیى بن سعید. ثم روى عنه بإسناده عن أبی الزّبیر عن عائشة و ابن عباس: انّ النبی (ص) أخّر الطواف یوم النحر الى اللیل. ثم قال و رواه أصحاب السّنن الأربعة من حدیث سفیان به. و قال الترّمذی حسن. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن أبی الزّبیر عن عائشة و ابن عمر: انّ رسول الله (ص) زار لیلا، فإن حمل هذا على أنّه (ص) أخّر ذلک الى ما بعد الزوال کأنّه یقول الى العشی صحّ ذلک، و أمّا ان حمل على ما بعد المغرب فهو بعید جدّا و مخالف لما ثبت فی الأحادیث الصّحیحة المشهورة من أنّه (ص) طاف یوم النحر نهارا و شرب من سقایة زمزم، و أمّا الطواف الذی ذهب فی اللّیل الى البیت بسببه فهو طواف الوداع. و من الرّواة من یعبّر عنه بطواف الزّیارة کما سنذکره إنشاء الله تعالى أو طواف زیارة محضة قبل طواف الوداع و بعد طواف الصّدر الذی هو طواف الفرض. و قد ورد حدیث
سنذکره فی موضعه: انّ رسول الله کان یزور البیت کلّ لیلة من لیالی منى. و هذا بعید أیضا و الله أعلم.
و قد روى الحافظ البیهقی من حدیث عمرو بن قیس، عن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبیه، عن عائشة انّ رسول الله (ص) أذن لأصحابه فزاروا البیت یوم النحر ظهیرة وزار رسول الله (ص) مع نسائه لیلا. و هذا حدیث غریب جدّا أیضا. و هذا قول طاووس و عروة بن الزّبیر: انّ رسول الله (ص) أخّر الطّواف یوم النحر الى اللیل. ثم قال: و الصّحیح من الرّوایات و علیه الجمهور أنّه (ص) طاف یوم النحر. و الأشبه أنّه کان قبل الزّوال و یحتمل ان یکون بعده. و المقصود أنّه (ص) لمّا قدم مکة طاف بالبیت سبعا و هو راکب، ثم جاء زمزم و بنو عبد المطلب یستقون منها و یسقون الناس، فتناول منها دلوا فشرب منه و أفرغ علیه منه. کما قال قال مسلم، ثم روى بإسناده عنه عن بکر بن عبد الله المزنی سمع ابن عباس یقول و هو جالس معه عند الکعبة: قدم النبی (ص) على راحلته و خلفه أسامة فأتیناه بإناء فیه نبیذ فشرب و سقى فضله أسامة و قال: أحسنتم و أجملتم هکذا فاصنعوا. قال ابن عباس: فنحن لا نرید ان نغیّر ما أمر به رسول الله (ص).
و فی روایة عن بکر انّ اعرابیّا قال لابن عباس ما لی أرى بنی عمّک یسقون اللّبن و العسل و أنتم تسقون النبیذ أمن حاجة بکم أمن بخل؟ فذکر له ابن عباس هذا الحدیث.
ثم روى ابن کثیر عن الإمام أحمد بإسناده عن بکر بن عبد الله انّ أعربیّا قال لابن عباس: ما شأن آل معاویة یسقون الماء و العسل و آل فلان یسقون اللّبن و أنتم تسقون النبیذ أمن بخل بکم أم حاجة؟ فقال ابن عباس: ما بنا بخل و لا حاجة، و لکن رسول الله (ص) جاءنا و ردیفه اسامة بن زید فاستسقى فسقیناه من هذا یعنی نبیذ السّقایة فشرب منه و قال (ص): أحسنتم هکذا فاصنعوا.
ثم روى عن البخاری بإسناده عن عکرمة، عن ابن عباس: انّ رسول الله (ص) جاء الى السّقایة فاستسقى، فقال العباس: یا فضل اذهب الى امّک فأت رسول الله (ص) بشراب من عندها، فقال: إسقنی، فقال: یا رسول الله (ص) أنّهم یجعلون أیدیهم فیه، قال: أسقنی،
فشرب منه، ثم أتى زمزم و هم یسقون و یعملون فیها فقال (ص): اعلموا فإنّکم على عمل صالح، ثم قال (ص): لو لا ان تغلبوا لنزعت حتّى أضع الحبل على هذه- یعنی عاتقه- و أشار الى عاتقه.
ثم روى عن الامام أحمد بإسناده عن عکرمة، عن ابن عباس أیضا: انّ رسول الله (ص) طاف بالبیت و هو على بعیره و استلم الحجر بمحجن کان معه، قال: و أتى السّقایة فقال: اسقونی ممّا یشرب الناس.
ثم روى عن أبی داود بإسناده عن عکرمة، عن ابن عباس أیضا قال: قدم رسول الله (ص) مکة و نحن نستسقی فطاف على راحلته. الحدیث.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن مجاهد، عن ابن عباس أنّه قال: جاء النبی (ص) الى زمزم فنزعنا له دلوا فشرب، ثم مجّ فیها ثم أفرغناها فی زمزم، ثم قال (ص): لو لا ان تغلبوا علیها لنزعت بیدی. ثم قال ابن کثیر: انفرد به أحمد و إسناده على شرط مسلم.
ثم روى عن مسلم بإسناده عن أبی الزّبیر قال: سمعت جابر بن عبد الله یقول: لم یطف النبی (ص) و أصحابه بین الصّفا و المروة إلّا طوافا واحدا. ثم قال ابن کثیر قلت: و المراد بأصحابه ههنا الذین ساقوا الهدی و کانوا قارنین. کما ثبت فی صحیح مسلم انّ رسول الله (ص) قال لعائشة و کانت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة: یکفیک طوافک بالبیت و بین الصّفا و المروة لحجّک و عمرتک. و عند أصحاب الإمام أحمد انّ قول جابر و أصحابه، عامّ فی القارنین و المتمتّعین. و لهذا نصّ الإمام أحمد على انّ المتمتّع یکفیه طواف واحد عن حجّه و عمرته و ان تحلّل بینهما تحلّل. ثم قال ابن کثیر: و هذا قول غریب مأخذه ظاهر عموم الحدیث. و الله أعلم. و قال أصحاب أبی حنیفة فی المتمتّع کما قال المالکیّة و الشافعیّة: أنّه یجب علیه طوافان و سعیان، حتّى طرّدت الحنفیّة فی القارن و هو من أفراد مذهبهم أنّه یطوف طوافین و یسعى سعین. و نقلوا ذلک عن علی (ع) موقوفا. و روى عنه مرفوعا الى النبی (ص). ثم قال ابن کثیر: و قدّمنا الکلام على ذلک عند الطواف … الخ.
ثم قال: ثم رجع (ص) الى منى بعد ما صلّى الظّهر بمکة، کما دلّ علیه حدیث جابر. و قال
ابن عمر: رجع فصلّى الظّهر بمنى. رواهما مسلم کما تقدّم قریبا، و یمکن الجمع بینهما بوقوع ذلک بمکة و بمنى. و الله أعلم. و توقف ابن حزم فی هذا المقام فلم یجزم فیه بشی و هو معذور لتعارض النقلین الصّحیحین فیه. فالله أعلم.
ثم قال و قال محمد بن إسحاق عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبیه، عن عائشة قالت: أفاض رسول الله (ص) من آخر یومه حین صلّى الظّهر ثم رجع الى منى فمکث بها لیالی أیّام التّشریق یرمی الجمرات إذا زالت الشمس کلّ جمرة بسبع حصیات یکبّر مع کل حصاة. ثم قال ابن کثیر و رواه أبو داود منفردا به و هذا یدلّ على انّ ذهابه (ص) الى مکة یوم النّحر کان بعد الزّوال، و هذا ینافی حدیث ابن عمر قطعا و فی منافاته لحدیث جابر نظر. و الله أعلم.
1) السیرة النبویة 4/ 377- 404.