جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

شهادة سعد بن معاذ بالمدینة

زمان مطالعه: 5 دقیقه

قال ابن الأثیر(1): فلمّا انقضى أمر قریظة انفجر جرح سعد بن معاذ فاستجاب الله دعاءه، و کان فی خیمته التی فی المسجد، فحضره رسول الله (ص) و أبو بکر و عمر، و قالت عائشة: سمعت بکاء أبی بکر و عمر علیه، و أمّا النبی (ص) فکان لا یبکی على أحد، کان إذا اشتدّ وجده (أی حزنه) أخذ بلحیته … الخ.

و قال ابن هشام(2): قال ابن إسحاق: و قد حدّثنی محمد بن جعفر بن الزبیر عن عروة عن عائشة انّها قالت: لم یقتل من نسائهم إلّا امرأة واحدة. قالت: و الله انّها لعندی تحدّث معی و تضحک ظهرا و بطنا و رسول الله (ص) یقتل رجالها فی السوق، اذ هتف هاتف باسمها أین فلانة؟ قالت: أنا و الله. قالت: قلت لها: ویلک ما لک. قالت: أقتل. قلت: و لم؟ قالت: لحدث أحدثته. قالت: فانطلق بها فضربت عنقها، فکانت عائشة تقول: فو الله ما أنسى عجبا منها من طیب نفسها و کثرة ضحکها و قد عرفت انّها تقتل. قال ابن هشام: و هی التی طرحت‏

الرحا على خلّاد بن سوید فقتله، انتهى.

و قال ابن کثیر(3): فقتلها رسول الله (ص) به. قال ابن إسحاق فی موضع آخر: و سمّاها بنانة امرأة الحکم القرظی.

ثم قال: قال ابن إسحاق: ثم انّ رسول الله (ص) قسّم أموال بنی قریظة و نساءهم و أبناءهم على المسلمین بعد ما أخرج الخمس، و قسّم للفارس ثلاثة أسهم سهمین للفرس و سهما لراکبه و سهما للراجل، و کان أول فی‏ء وقعت فیه السهمان و خمس. الى أن قال: فلمّا انقضى شأن بنی قریظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه فمات منه شهیدا.

ثم روى أحادیث کثیرة فی شأن سعد بن معاذ:

منها- انّ جبریل أتى رسول الله (ص) حین قبض سعد بن معاذ من جوف اللیل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: یا محمد من هذا المیّت الذی فتحت له أبواب السماء و اهتزّ له العرش؟ قال: فقام رسول الله سریعا یجرّ ثوبه الى سعد فوجده قد مات.

و منها- انّ جبریل جاء الى رسول الله (ص) فقال: من هذا العبد الصالح الذی مات فتحت له أبواب السماء و تحرّک له العرش؟ قال: فخرج رسول الله فاذا سعد بن معاذ. قال: فجلس على قبره و هو یدفن، فبینما هو جالس اذ قال: سبحان الله- مرّتین، فسبّح القوم، ثم قال: الله أکبر، فکبّر القوم، ثم قال رسول الله: عجبت لهذا العبد الصالح شدّد علیه فی قبره … الخ.

و منها- قوله (ص) لسعد یوم مات و هو یدفن: سبحان الله لهذا العبد الصالح الذی تحرّک له عرش الرحمن و فتحت له أبواب السماء شدّد علیه ثم فرّج الله عنه.

و منها- قوله (ص): انّ للقبر ضغطة لو کان أحد منها ناجیا لکان سعد بن معاذ.

و منها- قوله (ص): لقد هبط یوم مات سعد بن معاذ سبعون ألف ملک الى الأرض لم یهبطوا قبل ذلک، و لقد ضمه القبر ضمّة … الخ.

و منها- قوله (ص): و لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملک، ما وطئوا الأرض‏

قبل ذلک … الخ.

و منها- قوله (ص): بعد ما دخل رسول الله قبره فاحتبس، فلمّا خرج قیل له: یا رسول الله ما حبسک؟ قال: ضمّ سعد فی القبر ضمة، فدعوت الله فکشف عنه.

و منها- قوله (ص): حین سئل عن ذلک فقال: کان یقصّر فی بعض الطهور من البول.

و منها- ما رواه أبو سعید عن النبی (ص) انّه قال: اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ.

و منها- ما رواه أنس بن مالک عن النبی (ص) انّ رسول الله قال- و جنازة سعد بن معاذ موضوعة-: اهتزّ لها عرش الرحمن.

و منها- ما رواه قتادة عن أنس انّه قال: لمّا حملت جنازة سعد قال المنافقون: ما أخفّ جنازته، و ذلک لحکمه فی بنی قریظة، فسئل رسول الله (ص) فقال: لا و لکن الملائکة تحمّلته … الخ.

و روى ابن هشام عن ابن إسحاق انّه قال: حدّثنی من لا أتّهم عن الحسن البصری قال‏: کان سعد رجلا بادنا، فلمّا حمله الناس وجدوا خفّة، فقال رجل من المسلمین: و الله إن کان لبادنا و ما حملنا جنازة أخف منه، فبلغ ذلک رسول الله (ص) فقال: انّ له حملة غیرکم، و الذی نفسی بیده لقد استبشرت الملائکة بروح سعد و اهتزّ له العرش.

و منها- ما رواه ابن کثیر و ابن هشام(4): عن النبی (ص) انّه قال: کل نائحة تکذّب إلّا نائحة سعد بن معاذ.

و مات سعد بن معاذ بعد حکمه على بنی قریظة بقلیل، فیکون ذلک فی أواخر ذی القعدة أو أوائل ذی الحجة من سنة خمس من الهجرة. هکذا نقله ابن کثیر فی التاریخ.

و نزلت فی هذه الغزوة آیات من القرآن على ما نقله الواقدی(5): منها قوله تعالى «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ نافَقُوا یَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَکُمْ وَ لا نُطِیعُ فِیکُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّکُمْ وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا یَخْرُجُونَ‏

مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا یَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَیُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا یُنْصَرُونَ» الآیات.

و منها قوله عزّ و جلّ «لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْکُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ» الآیة.

و منها قوله عزّ و جلّ وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مِنْ صَیاصِیهِمْ وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِیقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً. وَ أَوْرَثَکُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها الآیة.

أقول: الذی یظهر من الحلبی و الزینی دحلان و محمد بن سعد: انّ سعد بن معاذ حکم بأن الدیار خاصّة للمهاجرین و لیس للأنصار فیها نصیب.

قال الحلبی(6): فلمّا انتهى سعد الى رسول الله (ص) و الى المسلمین و هم حوله جلوس، قال رسول الله: قوموا الى سیّدکم، و فی روایة قال: فأنزلوه، فقال عمر: السیّد هو الله. الى أن قال: فقاموا إلیه، و فی روایة فقمنا صفّین یحییه کل رجل منّا، حتّى انتهى الى رسول الله (ص) فقال: احکم فیهم یا سعد. فقال: الله و رسوله أحقّ بالحکم. قال: قد أمر الله أن تحکم فیهم. فقال سعد لمن فی الناحیة التی لیس فیها رسول الله: علیکم بذلک عهد الله و میثاقه أن الحکم فیهم کما حکمت. قالوا: نعم. قال: و علیّ من هنا ذلک، و أشار الى الناحیة التی فیها رسول الله و هو معرضا عنه، یعنی غضّ بصره عن رسول الله اجلالا له، فقال رسول الله (ص): نعم، و فی لفظ فقال سعد لبنی قریظة: ترضون بحکمی؟ قالوا: نعم، فأخذ علیهم عهد الله و میثاقه أن الحکم ما حکم به. قال سعد: فانّی أحکم فیهم أن تقتل الرجال،- و فی لفظ: کل من جرت علیه الموسى-، و تغنم الأموال و تسبى الذراری و النساء. ثم قال: و زاد بعضهم: و تکون الدیار للمهاجرین دون الأنصار. فقالت الأنصار: إخواننا یعنون المهاجرین لنا معهم. فقال سعد: انّی أحببت أن یستغنوا عنکم. فقال رسول الله: لقد حکمت فیهم بحکم الله … الخ.

و قال الزینی دحلان(7): قال سعد: فانّی أحکم فیهم أن تقتل الرجال و تقسم الأموال‏

و تسبى الذراری و النساء و تکون الدیار للمهاجرین دون الأنصار … الخ.

و قال محمد بن سعد(8): قال حمید: قال بعضهم: و تکون الدیار للمهاجرین دون الأنصار.

قال: قالت الأنصار: إخوتنا کنّا معهم، فقال سعد: انّی أحببت أن یستغنوا عنکم.

أقول: ما ذکرناه من تقدیم غزوة بنی المصطلق على غزوة الخندق و بنی قریظة هو اختیار الحلبی و محمد بن سعد و الزینی دحلان و الکازرونی الیمانی و غیرهم، لکن الطبری و ابن الأثیر و ابن هشام(9): قد اختاروا خلاف ذلک، و هو تقدیم غزوة الخندق على بنی المصطلق، و لعلّ هذا هو مختار أکثر القوم فی ترتیب الغزوات. و سنذکر ما بقی من الغزوات و السرایا نحو ما نقله محمد بن سعد فی الطبقات.


1) الکامل 2/ 187.

2) السیرة النبویة 3/ 253.

3) السیرة لابن کثیر 3/ 242.

4) السیرة لابن کثیر 3/ 250، السیرة لابن هشام 3/ 264.

5) المغازی 2/ 509.

6) السیرة النبویة 2/ 328.

7) السیرة النبویة 1/ 266.

8) الطبقات الکبرى 2/ 63.

9) الکامل 2/ 192، تاریخ الطبری 2/ 604، السیرة النبویة لابن هشام 3/ 302.