تفرّقت جموع الحجیج من منطقة غدیر خم متّجهة نحو العراق و الشام و الیمن، و اتّجه النبی (صلّى الله علیه و اله) نحو المدینة. و حمل الجمیع وصیة الرسول (صلّى الله علیه و اله) بالخلافة و القیادة من بعده لربیبه علی بن أبی طالب (علیه السّلام) لتستمر حرکة الرسالة
الإسلامیة بنهج نبویّ و تجتاز العقبات بعد رحیل القائد الأوّل و ذلک بعد أن عرّف بعلیّ (علیه السّلام) فی ذلک الیوم التاریخی الخالد بل منذ یوم الدار حیث أنّه وصفه بالوزیر الناصح و الأخ المؤازر و العضد المدافع و الخلیفة الذی یجب على الناس من بعده أن یطیعوه و یتّبعوه و یتّخذوه لأنفسهم قائدا و زعیما.
و بعد أن انبسط سلطان الدین و قویت مرکزیة القرار فی المدینة لم یعد بأمر خطیر نفور جماعة عن الدین أو ارتداد أفراد عن التسلیم لما جاء به النبی (صلّى الله علیه و اله) أو وجود أفراد فی الأطراف البعیدة عن المدینة یرون فی عنصر الدین وسیلة لتحقیق بعض آمالهم و رغباتهم المریضة.
من هنا أخذ مسیلمة یدّعی النبوّة کذبا و کتب إلى النبی (صلّى الله علیه و اله) کتابا ذکر فیه أنّه بعث أیضا و یطلب فیه من النبی (صلّى الله علیه و اله) أن یشارکه فی سلطان الأرض. و لما وقف النبی (صلّى الله علیه و اله) على مضمون الرسالة التفت إلى من حملها الیه و قال:
«لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقکما لأنکما أسلمتما من قبل و قبلتما برسالتی فلم اتّبعتما هذا الأحمق و ترکتما دینکما؟».
ثم ردّ على مسیلمة الکذّاب برسالة کتب فیها: «بسم الله الرحمن الرحیم. من محمد رسول الله إلى مسیلمة الکذّاب. السلام على من اتّبع الهدى، أما بعد فإنّ الأرض لله یورثها من یشاء من عباده و العاقبة للمتقین»(1)
و قد أفلح المسلمون فی القضاء على حرکات الارتداد التی قام بها بعض الدجّالین مثل الأسود العنسی و مسیلمة و طلحة.
1) السیرة النبویة: 2/ 600.