قال محمد بن سعد(1): ثم غزوة رسول الله (ص) الخندق، و هی غزوة الأحزاب فی ذی القعدة سنة خمس من مهاجره.
قالوا: لمّا أجلى رسول الله (ص) بنی النضیر ساروا الى خیبر، فخرج نفر من أشرافهم و وجوههم الى مکة، فألّبوا قریشا و دعوهم الى الخروج الى رسول الله (ص) و عاهدوهم و جامعوهم على قتاله و وعدوهم لذلک موعدا، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان و سلیما ففارقوهم على مثل ذلک، و تجهّزت قریش و جمعوا أحابیشهم و من تبعهم من العرب، فکانوا أربعة آلاف، و عقدوا اللواء فی دار الندوة، و حمله عثمان بن طلحة بن أبی طلحة، و قادوا معهم ثلاثمائة فرس، و کان معهم ألف و خمسمائة بعیر، و خرجوا یقودهم أبو سفیان بن حرب بن أمیّة. و وافتهم بنو سلیم بمرّ الظهران، و هم سبعمائة یقودهم سفیان بن عبد شمس حلیف حرب بن أمیّة، و هو أبو أبی الأعور السلمی الذی کان مع معاویة بصفّین، و خرجت معهم بنو أسد یقودهم طلحة بن خویلد الأسدی، و خرجت فزارة فأوعبت و هم ألف بعیر یقودهم عیینة ابن حصن، و خرجت أشجع و هم أربعمائة یقودهم الحارث بن عوف، و خرج معهم غیرهم.
و قد روى الزهری: انّ الحارث بن عوف رجع ببنی مرّة فلم یشهد الخندق منهم أحد، و کذلک روت بنو مرّة، و الأول أثبت أنهم قد شهدوا الخندق مع الحارث بن عوف، و هجاه حسّان بن ثابت. فکانت جمیع القوم الذین وافوا الخندق ممّن ذکر من القبائل عشرة آلاف،
و هم الأحزاب، و کانوا ثلاثة عساکر و عناج الأمر الى أبی سفیان بن حرب.
فلمّا بلغ رسول الله (ص) فصولهم من مکة ندب الناس و أخبرهم خبر عدوّهم و شاورهم فی أمرهم، فأشار إلیه سلمان الفارسی بالخندق، فأعجب ذلک المسلمین، و عسکر بهم رسول الله (ص) الى سفح سلع، و جعل سلعا خلف ظهره. و کان المسلمون یومئذ ثلاثة آلاف، و استخلف على المدینة عبد الله بن أمّ مکتوم، ثم خندق على المدینة و جعل المسلمون یعملون مستعجلین یبادرون قدوم عدوّهم علیهم، و عمل رسول الله (ص) معهم بیده لینشّط المسلمین، و وکّل فی کل جانب منه قوما، فکان المهاجرون یحفرون من ناحیة راتج الى ذباب، و کانت الأنصار یحفرون من ذباب الى جبل بنی عبید، و کان سائر المدینة مشبّکا بالبنیان فهی کالحصن، و خندقت بنو عبد الأشهل علیها ممّا یلی راتج الى خلفها حتّى جاء الخندق من وراء المسجد، و خندقت بنو دینار من عند جربا الى موضع دار ابن أبی الجنوب الیوم. و فرغوا من حفره فی ستّة أیام، و رفع المسلمون النساء و الصبیان فی الآطام، و خرج رسول الله (ص) یوم الاثنین لثمانی لیال مضین من ذی القعدة … الخ.
و قال ابن الأثیر(2): و کانت- یعنی الغزوة- فی شوال، و کان سببها انّ نفرا من یهود من بنی النضیر منهم سلّام بن أبی الحقیق وحیی بن أخطب و کنانة بن أبی الحقیق و غیرهم قد حزّبوا الأحزاب على رسول الله، فقدموا على قریش بمکة فدعوهم الى حرب رسول الله و قالوا: نکون معکم حتّى نستأصله. فأجابوهم الى ذلک.
و قال الطبری(3): فقالت لهم قریش: یا معشر یهود انّکم أهل الکتاب الأول و العلم بما أصبحنا نختلف فیه نحن و محمد أفدیننا خیر أم دینه؟ قال: بل دینکم خیر من دینه و أنتم أولى بالحقّ منه. قال: فهم الذین أنزل إلیه عزّ و جلّ «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْکِتابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ یَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلًا» الى قوله «وَ کَفى بِجَهَنَّمَ سَعِیراً» فلمّا قالوا ذلک لقریش سرّهم ما قالوا و نشطوا لما دعوهم إلیه من
حرب رسول الله (ص) فأجمعوا لذلک و اتّعدوا له. ثم خرج أولئک النفر من یهود حتّى جاءوا غطفان من قیس عیلان فدعوهم الى حرب رسول الله (ص) و أخبروهم انّهم سیکونون معهم علیه و انّ قریشا تابعوهم على ذلک و أجمعوا فیه فأجابوهم، فخرجت قریش و قائدها أبو سفیان بن حرب، و خرجت غطفان و قائدها عیینة.
الى أن قال: فلمّا سمع بهم رسول الله (ص) و بما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدینة، فحدّثت عن محمد بن عمر قال: کان الذی أشار على رسول الله (ص) بالخندق سلمان، و کان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله و هو یومئذ حرّ، و قال: یا رسول الله إنّا کنّا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علینا.
ثم قال الطبری: رجع الحدیث الى حدیث ابن إسحاق: فعمل رسول الله (ص) ترغیبا للمسلمین فی الأجر، و عمل فیه المسلمون، و أبطأ عن رسول الله (ص) و عن المسلمین فی عملهم رجال من المنافقین، و جعلوا یورون بالضعف من العمل و یتسللون الى أهالیهم بغیر علم من رسول الله و لا إذن، و جعل الرجل من المسلمین إذا نابته نائبة من الحاجة التی لا بدّ منها یذکر ذلک لرسول الله و یستأذنه فی اللحوق بحاجته فیأذن له، فاذا قضى حاجته رجع الى ما کان فیه من عمله رغبة فی الخیر و احتسابا له، فأنزل الله عزّ و جلّ «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا کانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ یَذْهَبُوا حَتَّى یَسْتَأْذِنُوهُ» الى قوله «وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ» فنزلت هذه الآیة فی کل من کان من أهل الحسبة من المؤمنین و الرغبة فی الخیر و الطّاعة للّه و لرسوله. ثم قال الله تعالى للمنافقین الذین کانوا یتسللون من العمل و یذهبون بغیر إذن رسول الله «لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَیْنَکُمْ کَدُعاءِ بَعْضِکُمْ بَعْضاً» الى قوله «قَدْ یَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ» أی قد علم ما أنتم علیه من صدق أو کذب … الخ.
و قال ابن الأثیر(4): و قسّم الخندق بین المسلمین، فاختلف المهاجرون و الأنصار فی سلمان کل یدّعیه انّه منهم، فقال رسول الله (ص): سلمان منّا أهل البیت. و جعل لکل عشرة أربعین
ذراعا، فکان سلمان و حذیفة و النعمان بن مقرن و عمرو بن عوف و ستّة من الأنصار یعملون … الخ.
و قال الطبری(5): خطّ رسول الله (ص) الخندق عام الأحزاب أجم الشیخین (اسم موضع) طرف بنی حارثة حتّى بلغ المذاد، ثم قطعه أربعین ذراعا بین کل عشرة فاحتقّ المهاجرون و الأنصار فی سلمان الفارسی، و کان رجلا قویّا، فقالت الأنصار: سلمان منّا، و قالت المهاجرون: سلمان منّا، فقال رسول الله: سلمان منّا أهل البیت.
و قال الواقدی: ثم انّ قریشا جمعوا الجموع و استأجروا حیّا من قبائل العرب، فسارت غطفان و أسد و سلیم و قریش و من دخل فیها، فاجتمع منهم نفیر جم، فساروا جمیعا و بلغ نبیّ الله الخبر، فأخذ فی حفر الخندق من حول المدینة، فلمّا رأوا أصحابه انّ نبی الله (ص) قد جدّ فی أمر الخندق عرفوا انّ المشرکین قد ساروا إلیهم، و جعل رسول الله لکل بنی أب طائفة من الخندق، فاختصم المهاجرون و الأنصار فی سلمان الفارسی و کان رجلا قویّا، فقال رسول الله: هو من أهل البیت. فأخذ القوم فی حفر الخندق، فعرضت علیهم صخرة فشقّت على کل من یلیها من الناس، فبینما سلمان یضرب فیها لا یغنی فیها شیئا إذ نزل رسول الله فأخذ معولا کان فی ید سلمان و ضرب رسول الله ثلاث ضربات فانصدع الحجر، فأبصر سلمان أمرا من الحجر لم یبصره غیره و غیر النبی، فلمّا أخرجوا الصخرة قال: یا رسول الله لقد رأینا من الصخرة و أنت تضربها أمرا معجبا. قال رسول الله: و هل رأیته یا سلمان؟ قال: نعم و الذی أنزل علیک الکتاب. قال رسول الله: لقد رأیت فی الضربة الأولى قرى الیمن، ثم فی الثانیة أبیض المدائن، و فی الضربة الثالثة مدائن الروم، و لقد أوحى الله به إلیّ لیفتحنّ علیّ، فابشروا. فاستبشر المؤمنون ببشرى رسول الله … الخ.
و قال ابن کثیر(6): فلمّا سمع بهم رسول الله (ص) و ما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدینة. ثم قال: قال ابن هشام: یقال انّ الذی أشار به سلمان.
قال الطبری و السهیلی: أول من حفر الخنادق منوشهر بن ایرج بن أفریدون، و کان فی زمن موسى (ع). الى أن قال: و قد قال البخاری: حدّثنا عبد الله بن محمد، حدّثنا معاویة بن عمرو، حدّثنا أبو إسحاق، عن حمید، سمعت إنسانا قال خرج رسول الله (ص) الى الخندق، فاذا المهاجرون و الأنصار یحفرون فی غداة باردة و لم یکن لهم عبید یعملون ذلک لهم، فلمّا رأى ما بهم من النصب و الجوع قال:
اللهم انّ العیش عیش الآخرة
فاغفر الأنصار و المهاجره
فقالوا مجیبین له:
نحن الذین بایعوا محمدا
على الجهاد ما بقینا أبدا
الى أن قال: و قال البخاری: حدّثنا قتیبة بن سعید، حدّثنا عبد العزیز بن أبی حازم، عن سهل بن سعد قال: کنّا مع رسول الله (ص) فی الخندق و هم یحفرون و نحن ننقل التراب على أکتافنا، فقال رسول الله (ص): اللهم لا عیش إلّا عیش الآخرة فاغفر للمهاجرین و الأنصار.
و رواه مسلم عن القعنبی عن عبد العزیز به.
و قال البخاری: حدّثنا مسلم بن إبراهیم، حدّثنا شعبة، عن أبی إسحاق، عن البراء بن عازب قال: کان رسول الله (ص) ینقل التراب یوم الخندق حتّى اغمر بطنه أو اغبرّ بطنه یقول:
و الله لو لا الله ما اهتدینا
و لا تصدّقنا و لا صلّینا
فأنزلن سکینة علینا
و ثبّت الأقدام إن لاقینا
انّ الألى قد بغوا علینا
إذا أرادوا فتنة أبینا
الى أن قال: و قال الإمام أحمد، حدّثنا سلیمان، حدّثنا شعبة، عن معاویة بن قرة، عن أنس: انّ رسول الله (ص) قال و هم یحفرون الخندق: اللهم لا خیر إلّا خیر الآخرة فاصلح الأنصار و المهاجرة. و أخرجاه فی الصحیحین من حدیث غندر عن شعبة … الخ.
و قال الزینی دحلان(7): و فی البخاری عن سهل بن سعد الساعدی قال: کنّا مع النبی (ص) فی الخندق و نحن ننقل التراب على أکتافنا، فقال (ص): اللهم لا عیش إلّا عیش الآخرة فأکرم الأنصار و المهاجرة. و هو من کلام ابن رواحة و أصله لا همّ انّ العیش عیش الآخرة فنطق به النبی (ص) اللهم لا عیش … الخ. لأنه یعسّر علیه النطق بالشعر و إن کان من قول غیره.
الى أن قال: و فی البخاری من حدیث البراء بن عازب قال: لمّا کان یوم الأحزاب و خندق رأیته (ص) ینقل من تراب الخندق حتّى وار الغبار جلدة بطنه الشریفة، و کان کثیر الشعر، و کان یرتجز و هو ینقل التراب بقول ابن رواحة:
و الله لو لا أنت ما اهتدینا
و لا تصدّقنا و لا صلّینا
و قال الطبری(8): قال عمرو بن عوف: فکنت أنا و سلمان و حذیفة بن الیمان و النعمان بن مقرن المزنی و ستّة من الأنصار فی أربعین ذراعا، فحفرنا تحت ذوباب حتّى بلغنا الندى، فأخرج الله جلّ و عزّ من بطن الخندق صخرة بیضاء مروة، فکسرت حدیدنا و شقّت علینا، فقلنا: یا سلمان ارق الى رسول الله (ص) فاخبره خبر هذه الصخرة فإمّا أن نعدل عنها فإنّ المعدل قریب و إمّا أن یأمرنا فیها بأمره فإنّا لا نحبّ أن نجاوز خطّه. فرقى سلمان حتّى أتى رسول الله (ص) و هو ضارب علیه قبّة ترکیّة، فقال: یا رسول الله بأبینا أنت و أمّنا خرجت صخرة بیضاء من الخندق مروة فکسرت حدیدنا و شقّت علینا حتّى ما نحیک فیها قلیلا و لا کثیرا فمرنا فیها بأمرک فإنّا لا نحبّ أن نجاوز خطّک، فهبط رسول الله (ص) مع سلمان فی الخندق و رقینا نحن التسعة على شقة الخندق، فأخذ رسول الله (ص) المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها و برقت منها برقة أضاء ما بین لابتیها- یعنی لابتی المدینة- حتّى لکأنّ مصباحا فی جوف بیت مظلم، فکبّر رسول الله تکبیرة فتح و کبّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله (ص) الثالثة فکسرها و برق منها برقة أضاء ما بین لابتیها حتّى لکأنّ مصباحا فی جوف
بیت مظلم، فکبّر رسول الله. الى أن قال: ثم أخذ بید سلمان فرقى، فقال سلمان: بأبی أنت و أمّی یا رسول الله لقد رأیت شیئا ما رأیته قط، فالتفت رسول الله (ص) الى القوم فقال: هل رأیتم ما یقول سلمان؟ قالوا: نعم یا رسول الله بأبینا أنت و أمّنا قد رأیناک تضرب فیخرج برق کالموج فرأیناک تکبّر فنکبّر و لا نرى شیئا غیر ذلک. قال: قد صدقتم، ضربت ضربتی الأولى فبرق الذی رأیتم أضات لی منها قصور الحیرة و مدائن کسرى کانّها أنیاب الکلاب، فأخبرنی جبرئیل انّ أمّتی ظاهرة علیها، ثم ضربت ضربتی الثانیة فبرق الذی رأیتم أضاءت لی منها قصور الحمر من أرض الروم کانّها أنیاب الکلاب، فأخبرنی جبریل أن أمّتی ظاهرة علیها، ثم ضربت ضربتی الثالثة فبقر منها الذی رأیتم أضات لی قصور صنعاء کانّها أنیاب الکلاب، فأخبرنی جبریل انّ أمّتی ظاهرة علیها، فابشروا یبلغهم النصر، و ابشروا یبلغهم النصر، و ابشروا یبلغهم النصر فاستبشر المسلمون و قالوا: الحمد للّه موعد صادق بارّ، وعدنا النصر بعد الحصر.
فطلعت الأحزاب، فقال المؤمنون: ألا تعجبون «هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِیماناً وَ تَسْلِیماً» و قال المنافقون: ألا تعجبون یحدّثکم و یمنّیکم و یعدکم الباطل، لیخبرکم انّه یبصر من یثرب قصور الحیرة و مدائن کسرى و انّها تفتح لکم و أنتم تحفرون الخندق و لا تستطیعون أن تبرزوا، و أنزل القرآن «وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً».
ثم روى الطبری باسناده عن أبی هریرة انّه کان یقول حین فتحت هذه الأمصار فی زمن عمر و عثمان و ما بعده: افتتحوا ما بدا لکم، فو الذی نفس أبی هریرة بیده ما اقتحمتم من مدینة و لا تفتحونها الى یوم القیامة إلّا و قد أعطى محمد مفاتیحها قبل ذلک … الخ.
و قال ابن هشام(9): قال ابن إسحاق: و حدّثت عن سلمان الفارسی انّه قال: ضربت فی ناحیة من الخندق فغلظت علیّ صخرة و رسول الله قریب منّی، فلمّا رآنی أضرب و رأى شدّة
المکان علیّ نزل فأخذ المعول من یدی فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، قال: ثم ضرب به ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى. قال: ثم ضرب به الثالثة فلمعت تحته برقة أخرى. قال: قلت بأبی أنت و أمّی یا رسول الله ما هذا الذی رأیت لمع تحت المعول و أنت تضرب؟ قال: أوقد رأیت ذلک یا سلمان. قال: قلت نعم. قال: أمّا الأولى فانّ الله فتح بها الیمن، و أمّا الثانیة فانّ الله فتح بها الشام و المغرب، و أمّا الثالثة فانّ الله فتح علیّ بها المشرق … الخ.
و روى ابن کثیر(10): باسناده عن عبد الله بن عمر قال: لمّا أمر رسول الله (ص) بالخندق فخندق على المدینة قالوا: یا رسول الله انّا وجدناه صفاة لا نستطیع حفرها، فقام النبی (ص) و قمنا معه، فلمّا أتاها أخذ المعول فضرب به ضربه و کبّر، فسمعت هدّة لم أسمع مثلها قط، فقال (ص): فتحت فارس، ثم ضرب أخرى فکبّر، فسمعت هدّة لم أسمع مثلها قط، فقال: فتحت الروم، ثم ضرب أخرى فکبّر، فسمعت هدّة لم أسمع مثلها قط، فقال: جاء الله بحمیر أعوانا و أنصارا.
و روى أیضا باسناده عن ابن عباس انّه قال: احتفر رسول الله الخندق و أصحابه قد شدّوا الحجارة على بطونهم من الجوع. الى أن قال: ثم مشوا الى الخندق، فقال (ص): اذهبوا بنا الى سلمان، و إذا صخرة بین یدیه قد ضعف عنها، فقال رسول الله (ص): دعونی فأکون أول من ضربها، فقال: بسم الله، فضربها فوقعت فلقة ثلثها، فقال (ص): الله أکبر قصور الشام و ربّ الکعبة، فقال: ضرب أخرى فوقعت فلقة، فقال: الله أکبر قصور فارس و ربّ الکعبة، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق على أنفسنا و هو یعدنا قصور فارس و الروم.
ثم روى عن البیهقی باسناده عن البراء بن عازب الأنصاری قال: لمّا کان حین أمرنا رسول الله (ص) بحفر الخندق عرض لنا فی بعض الخندق صخرة عظیمة شدیدة لا تأخذ بها المعاول، فشکوا ذلک الى رسول الله (ص)، فلمّا رآها أخذ المعول و قال: بسم الله، و ضرب
ضربة فکسر ثلثها و قال: الله أکبر أعطیت مفاتیح الشام و الله انّی لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله، ثم ضرب الثانیة فقطع ثلثا آخر فقال: الله أکبر أعطیت مفاتیح فارس و الله انّی لأبصر قصر المدائن الأبیض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقیة الحجر فقال: الله أکبر أعطیت مفاتیح الیمن و الله انّی لأبصر أبواب صنعاء من مکانی الساعة.
الى أن قال: قال النسائی: حدّثنا عیسى بن یونس، حدّثنا ضمرة، عن أبی ذرعة، عن أبی سکینة، عن رجل من أصحاب النبی (ص) قال: لمّا أمر رسول الله بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بینهم و بین الحفر، فقام النبی (ص) و أخذ المعول و وضع رداءه ناحیة الخندق و قال «وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ» فندر ثلث الحجر و سلمان الفارسی قائم ینظر، فبرق مع ضربة رسول الله برقة، ثم ضرب الثانیة و قال «وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ» الآیة، فندر الثلث الآخر و برقت برقة فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة و قال وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ الآیة، فندر الثلث الباقی، و خرج رسول الله (ص) فأخذ رداءه و جلس، فقال سلمان: یا رسول الله رأیتک حین ضربت لا تضرب ضربة إلّا کانت معها برقة. قال رسول الله: یا سلمان رأیت ذلک؟ قال: ای و الذی بعثک بالحقّ یا رسول الله. قال: فانّی حین ضربت الضربة الأولى رفعت لی مدائن کسرى و ما حولها و مدائن کثیرة حتّى رأیتها بعینی، قال: ثم ضربت الثانیة فرفعت لی مدائن قیصر و ما حولها حتّى رأیتها بعینی، ثم قال: ثم ضربت الضربة الثالثة فرفعت لی مدائن الحبشة و ما حولها من القرى حتّى رأیتها بعینی، ثم قال رسول الله: دعوا الحبشة ما و دعوکم و اترکوا الترک ما ترکوکم. هکذا رواه النسائی مطوّلا، و انّما روى منه أبو داود: دعوا الحبشة ما و دعوکم و اترکوا الترک ما ترکوکم … الخ.
ثم روى ابن کثیر باسناده عن أبی هریرة قال: سمعت رسول الله (ص) یقول: بعثت بجوامع الکلم و نصرت بالرعب، و بینا أنا نائم أتیت بمفاتیح خزائن الأرض فوضعت فی یدی.
و رواه أیضا عن الإمام أحمد باسناده عن أبی هریرة انّه قال: قال رسول الله (ص) نصرت بالرعب و أوتیت جوامع الکلم و جعلت لی الأرض مسجدا و طهورا، و بینا أنا نائم أتیت بمفاتیح خزائن الأرض. انتهى ما نقله ابن کثیر ملخّصا.
أقول: و قد ذکر ابن کثیر فی التاریخ و ابن هشام فی السیرة معجزات و کرامات سوى ما ذکرناه من أمر الصخرة، فمن أراد الاطلاع علیها فعلیه المراجعة بکتب التواریخ و السیر خصوصا البدایة و النهایة لابن کثیر.
1) الطبقات الکبرى 2/ 65.
2) الکامل 2/ 178.
3) تاریخ الطبری 2/ 565.
4) الکامل 2/ 189.
5) تاریخ الطبری 3/ 567.
6) السیرة النبویة 2/ 182.
7) السیرة النبویة 2/ 3.
8) تاریخ الطبری 2/ 568.
9) السیرة النبویة 3/ 230.
10) السیرة النبویة 3/ 193.