قال ابن الأثیر(1): و فی هذه السنة- یعنی السنة الرابعة من الهجرة- فی صفر کانت غزوة الرجیع، و کان سببها انّ رهطا من عضل و القارة (و هما بطنان من الهون بن خزیمة بن مدرکة) قدموا على النبی (ص) فقالوا: انّ فینا إسلاما فابعث لنا نفرا یفقّهوننا فی الدین و یقرؤننا القرآن، فبعث معهم ستّة نفر و أمّر علیهم عاصم بن ثابت و قیل مرثد بن أبی مرثد، فلمّا کانوا بالهدأة (هی بلدة) غدروا و استصرخوا علیهم حیّا من هذیل یقال لهم بنو لحیان، فبعثوا لهم مائة رجل، فالتجأ المسلمون الى جبل فاستنزلوهم و أعطوهم العهد، فقال لهم عاصم: و الله لا أنزل على عهد کافر، اللهم خبّر نبیّک عنّا، و قاتلهم هو و مرثد و خالد بن البکیر، و نزل إلیه ابن الدثنة و خبیب بن عدیّ و رجل آخر فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أوّل الغدر و الله لا اتّبعکم، فقتلوه و انطلقوا بخبیب و ابن الدثنة فباعوهما بمکة، فأخذ خبیبا بنو الحرث بن عامر بن نوفل، و کان خبیب هو الذی قتل الحرث بأحد، فأخذوه لیقتلوه بالحرث، فبینما خبیب عند بنات الحرث استعار من بعضهنّ موسى یستحدّ بها للقتل، فدبّ صبی لها فجلس على فخذ خبیب و الموسى فی یده، فصاحت المرأة فقال خبیب: أتخشین أن أقتله انّ الغدر لیس من شأننا، فکانت المرأة تقول: ما رأیت أسیرا خیرا من خبیب، لقد رأیته و ما بمکة ثمرة و انّ فی
یده لقطفا من عنب یأکله ما کان إلّا رزقا رزقه الله خبیبا، فلمّا خرجوا من الحرم بخبیب لیقتلوه قال: ردّونی أصلّی رکعتین، فترکوه فصلّاهما فجرت سنّة لمن قتل صبرا. ثم قال خبیب: لو لا أن تقولوا جزع لزدت، و قال أبیاتا:
و لست أبالی حین أقتل مسلما
على أی شقّ کان فی الله مصرعی
و ذلک فی ذات الإله و إن یشأ
یبارک على أوصال شلو ممزع
اللهم احصهم عددا و اقتلهم بددا، ثم صلبوه.
و أمّا عاصم بن ثابت فانّهم أرادوا رأسه لیبیعوه من سلاقة بنت سعد، و کانت نذرت أن تشرب الخمر فی رأس عاصم لأنه قتل ابنیها بأحد، فجاءت النحل فمنعته، فقالوا: دعوه حتّى یمسی فنأخذه، فبعث الله الوادی فاحتمل عاصما، و کان عاهد الله أن لا یمسّ مشرکا و لا یمسّه مشرک، فمنعه الله فی مماته کما منع فی حیاته.
و أمّا ابن الدثنة فانّ صفوان بن أمیّة بعث به مع غلامه نسطاس الى التنعیم لیقتله بابنیه، فقال نسطاس: أنشدک الله أتحبّ انّ محمدا الآن عندنا مکانک فضرب عنقه و انّک فی أهلک؟ قال: ما أحبّ انّ محمدا الآن مکانه الذی هو فیه تصیبه شوکة تؤذیه و أنا جالس فی أهلی. فقال أبو سفیان: ما رأیت من الناس أحدا یحبّ أحدا کحبّ أصحاب محمد محمدا. ثم قتله نسطاس.
و قال الطبری(2): و أمّر رسول الله (ص) على القوم مرثد بن أبی مرثد، فخرجوا مع القوم حتّى إذا کانوا على الرجیع (ماء لهذیل بناحیة من الحجاز من صدور الهدأة) غدروا بهم، فاستصرخوا علیهم هذیلا فلم یرع القوم و هم فی رحالهم إلّا بالرجال فی أیدیهم السیوف قد غشوهم، فأخذوا أسیافهم لیقاتلوا القوم، فقالوا لهم: إنّا و الله ما نرید قتلکم و لکنّا نرید أن نصیب بکم شیئا من أهل مکة، و لکم عهد الله و میثاقه ألّا نقتلکم. فأمّا مرثد و خالد بن البکیر و عاصم بن ثابت فقالوا: و الله لا نقبل من مشرک عهدا و لا عقدا أبدا، فقاتلوهم حتّى قتلوهم
جمیعا، و أمّا زید بن الدثنة و خبیب بن عدیّ و عبد الله بن طارق فلانوا ورقوا و رغبوا فی الحیاة، فأعطوا بأیدیهم فأسروهم ثم خرجوا بهم الى مکة لیبیعوهم بها، حتّى إذا کان بالظهران انتزع عبد الله بن طارق یده من القران ثم أخذ سیفه و استأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتّى قتلوه فقبروه بالظهران … الخ.
1) الکامل 2/ 167.
2) تاریخ الطبری 2/ 538.