قال محمد بن سعد(1): ثم غزوة رسول الله (ص) بدر الموعد، و هی غیر بدر القتال، و کانت لهلال ذی القعدة على رأس خمسة و أربعین شهرا من مهاجره (ص) قالوا: لمّا أراد أبو سفیان بن حرب أن ینصرف یوم أحد نادى: الموعد بیننا و بینکم بدر الصفراء رأس الحول نلتقی بها فنقتتل. فقال رسول الله (ص) لعمر بن الخطاب: قل نعم إنشاء الله. فافترق الناس على ذلک، ثم رجعت قریش فخبروا من قبلهم بالموعد و تهیّأوا للخروج، فلمّا دنا الموعد کره أبو سفیان
الخروج … الخ.
و قال ابن الأثیر(2): و سمّیت أیضا غزوة السویق، و فی شعبان منها خرج رسول الله (ص) الى بدر المیعاد أبی سفیان بن حرب، حتّى نزل بدرا فأقام علیها ثمانی لیال ینتظر أبا سفیان، و خرج أبو سفیان فی أهل مکة الى مرّ الظهران و قیل الى عسفان، ثم رجع و رجعت قریش معه، فسماهم أهل مکة جیش السویق، یقولون: انّما خرجتم تشربون السویق … الخ.
و قال الطبری(3): و هی غزوة النبی (ص) بدر الثانیة لمیعاد أبی سفیان ثم قال: حدّثنا ابن حمید، قال حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لمّا قدم رسول الله (ص) المدینة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقیة جمادى الأولى و جمادى الآخرة و رجبا، ثم خرج فی شعبان الى بدر لمیعاد أبی سفیان حتّى نزله، فأقام علیه ثمانی لیال ینتظر أبا سفیان، و خرج أبو سفیان فی أهل مکة حتّى نزل مجنّة من ناحیة مرّ الظهران و بعض الناس یقول: قد قطع عسفان، ثم بدا له الرجوع فقال: یا معشر قریش انّه لا یصلحکم إلّا عام خصب ترعون فیه الشجر و تشربون فیه اللبن، و انّ عامکم هذا عام جدب، و انّی راجع فارجعوا. فرجع و رجع الناس.
الى أن قال: و أمّا الواقدی فإنه ذکر انّ رسول الله (ص) ندب أصحابه لغزوة بدر لموعد أبی سفیان الذی کان وعده الالتقاء فیه یوم أحد رأس الحول للقتال فی ذی القعدة، و کان نعیم بن مسعود الأشجعی قد اعتمر، فقدم على قریش فقالوا: یا نعیم من أین کان وجهک؟ قال: من یثرب. قال: و هل رأیت لمحمد حرکة؟ قال: ترکته على تعبئة لغزوکم، و ذلک قبل أن یسلم نعیم. قال: فقال له أبو سفیان: یا نعیم انّ هذا عام جدب و لا یصلحنا إلّا عام ترعى فیه الإبل الشجر و نشرب فیه اللبن، و قد جاء أوان موعد محمد، فالحق بالمدینة فثبطهم و اعلمهم أنا فی جمع کثیر و لا طاقة لهم بنا فیأتی الخلف منهم أحبّ الی من أن یأتی من قبلنا و لک عشر فرائض أضعها لک فی ید سهیل بن عمرو یضمنها. فجاء سهیل بن عمرو إلیهم، فقال نعیم لسهیل: یا أبا یزید أتضمن هذه الفرائض و أنطلق الى محمد (ص) فأثبطه. فقال: نعم. فخرج نعیم حتّى
قدم المدینة، فوجد الناس یتجهّزون، فتدسس لهم و قال: لیس هذا برأی، ألم یجرح محمد فی نفسه، ألم یقتل أصحابه. قال: فثبط الناس حتّى بلغ رسول الله (ص) فتکلّم فقال: و الذی نفسی بیده لو لم یخرج معی أحد لخرجت وحدی. ثم أنهج الله عزّ و جلّ للمسلمین بصائرهم فخرجوا بتجارات، فأصابوا للدرهم درهمین و لم یلقوا عدوّا و هی بدر الموعد، و کان موضع سوق لهم فی الجاهلیة یجتمعون إلیها فی کل عام ثمانیة أیام.
ثم قال الطبری: و استخلف رسول الله (ص) على المدینة عبد الله بن رواحة … الخ.
و قال محمد بن سعد(1): فقال رسول الله (ص): و الذی نفسی بیده لأخرجنّ و إن لم یخرج معی أحد، فنصر الله المسلمین و أذهب عنهم الرعب، فاستخلف رسول الله على المدینة عبد الله ابن رواحة، و حمل لواءه علی بن أبی طالب، و سار فی المسلمین و هم ألف و خمسمائة، و کانت الخیل عشرة أفراس، و خرجوا ببضائع لهم و تجارات، و کانت بدر الصفراء مجتمعا یجتمع فیه العرب، و سوقا تقوم لهلال ذی القعدة الى ثمان تخلو منه ثم یتفرّق الناس الى بلادهم، فانتهوا الى بدر لیلة هلال ذی القعدة، و قامت السوق صبیحة الهلال، فأقاموا بها ثمانیة أیام و باعوا ما خرجوا به من التجارات فربحوا للدرهم درهما، و انصرفوا و قد سمع الناس بسیرهم، و خرج أبو سفیان بن حرب بن مکة فی قریش و هم ألفان و معهم خمسون فرسا، حتّى انتهوا الى مجنّة و هی مرّ الظهران، ثم قال: ارجعوا فانّه لا یصلحنا إلّا عام خصب غیداق نرعى فیه الشجر و نشرب فیه اللبن.
الى أن قال: و قدم معبد بن أبی معبد الخزاعی مکة بخبر رسول الله (ص) و موافاته بدرا فی أصحابه، فقال صفوان بن أمیّة لأبی سفیان: قد نهیتک یومئذ أن تعد القوم و قد اجترؤا علینا و رأوا أن قد أخلفناهم، ثم أخذوا فی الکید و النفقة و التهیؤ لغزوة الخندق … الخ.
و روى ابن کثیر(4): باسناده عن عروة بن الزبیر: انّ رسول الله (ص) استنفر الناس لموعد أبی سفیان، و انبعث المنافقون فی الناس یثبطونهم، فسلّم الله أولیاءه، و خرج المسلمون صحبة
رسول الله (ص) الى بدر، و أخذوا معهم بضائع و قالوا: إن وجدنا أبا سفیان و إلّا اشترینا من بضائع موسم بدر.
ثم قال: قال الواقدی: فأقاموا ببدر مدّة الموسم الذی کان یعقد فیها ثمانیة أیام، فرجعوا و قد ربحوا من الدرهم درهمین.
و قال غیره: فانقلبوا کما قال الله عزّ و جلّ «فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ».
و قال الزینی دحلان(5): و تسمّى- یعنی غزوة بدر الأخیرة- غزوة بدر الصغرى لعدم وقوع القتال فیها، فهی صغرى بالنسبة للّتی وقع فیها القتال و هی الکبرى. و تسمّى هذه أیضا بدر الموعد للمواعدة علیها مع أبی سفیان یوم أحد، و تسمّى بدر الثالثة، و کانت فی شعبان سنة أربع بعد ذات الرقاع على قول ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق: لمّا قدم رسول الله المدینة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقیة جمادى الأولى و جمادى الآخرة و رجبا، ثم خرج فی شعبان. الى أن قال: و استعمل على المدینة عبد الله ابن رواحة الخزرجی، و حمل اللواء علی بن أبی طالب … الخ.
و قال العلّامة محمد رضا: و تسمّى أیضا غزوة السویق، و خرج رسول الله الى بدر و معه ألف و خمسمائة من أصحابه و عشرة أفراس، و ذلک فی شهر شعبان لمیعاد أبی سفیان، و استعمل على المدینة عبد الله بن رواحة الخزرجی، و حمل اللواء علی بن أبی طالب، و خرج أبو سفیان فی قریش و هم ألفان و معهم خمسون فرسا. الى أن قال: فسماّهم أهل مکة جیش السویق، یقولون إنما خرجتم تشربون السویق. و هذه حیلة دبّرها أبو سفیان، لأنه لم یکن یرید حربا بل خرج لئلا یقال أخلف وعده، و لم یخرج على انّه لم یعارضه أحد من قریش فی الرجوع، فکان الجیش کذلک لا یرید الحرب.
و قال صاحب المحاضرات: و کان ذلک- یعنی رجوع أبی سفیان- ممّا أخذه الناس على أبی
سفیان لعدم وفائه، و لکنّها الحروب و لقاء الموت تحمل الناس کثیرا على ما یکرهون … الخ.
و قال ابن کثیر(6): و قال ابن إسحاق: ثم انصرف رسول الله (ص) یعنی من بدر الموعد راجعا الى المدینة، فأقام بها حتّى مضى ذو الحجة، و ولى تلک الحجة المشرکون و هی سنة أربع.
و قال الواقدی: و فی هذه السنة- یعنی سنة أربع- أمر رسول الله (ص) زید بن ثابت أن یتعلّم کتاب یهود.
ثم قال ابن کثیر: قلت فثبت عنه فی الصحیح انّه قال: تعلّمته فی خمسة عشر یوما. و الله أعلم، انتهى.
و قال الطبری(7): نقلا عن الواقدی انّه قال: و فی هذه السنة تزوج رسول الله (ص) أم سلمة بنت أبی أمیّة فی شوال و دخل بها، قال: و فیها أمر رسول الله (ص) زید بن ثابت أن یتعلّم کتاب یهود و قال: انّی لا آمن أن یبدّلوا کتابی … الخ.
و قال الکازرونی الیمانی: و فی هذه السنة أمر رسول الله (ص) زید بن ثابت أن یتعلّم کتاب الیهود و قال: انّی لا آمنهم أن یبدّلوا کتابی، فتعلّمه فی خمس عشر لیلة … الخ.
1) الطبقات الکبرى 2/ 59.
2) الکامل 2/ 175.
3) تاریخ الطبری 2/ 559.
4) السیرة النبویة 3/ 171.
5) السیرة النبویة 1/ 265.
6) السیره النبویة 3/ 176.
7) تاریخ الطبری 2/ 561.