قال محمد بن سعد: ثم غزوة رسول الله (ص) المریسیع فی شعبان سنة خمس من مهاجره (ص) … الخ.
و قال الحلبی(1): و یقال غزوة المریسیع و یقال لها غزوة محارب، و قیل محارب غیرها، و یقال لها غزوة الأعاجیب لما وقع فیها من الأمور العجیبة، و بنو المصطلق بطن من خزاعة، و هم بنو جذیمة و جذیمة هو المصطلق. و الصلق، هو رفع الصوت و المریسیع اسم ماء من میاههم، أی من ماء خزاعة و سببها انّه (ص) بلغه أن الحرث بن أبی ضرار سیّد بنی المصطلق جمع لحرب رسول الله (ص) من قدر علیه من قومه و من العرب، فأرسل رسول الله بریدة بن الحصیب لیعلم علم ذلک … الخ.
و قال محمد بن سعد(2): فبلغ ذلک رسول الله (ص) فبعث بریدة بن الحصیب الأسلمی یعلم علم ذلک، فأتاهم و لقی الحارث بن أبی ضرار و کلّمه، و رجع الى رسول الله (ص) فأخبره خبرهم، فندب رسول الله (ص) الناس إلیهم، فأسرعوا الخروج و قادوا الخیول، و هی ثلاثون فرسا فی المهاجرین منها عشرة و فی الأنصار عشرون، و خرج معه بشر کثیر من المنافقین لم یخرجوا فی غزاة قط مثلها، و استخلف على المدینة زید بن حارثة، و کان معه (ص) فرسان لزاز و الظرب، و خرج یوم الاثنین للیلتین خلتا من شعبان. و بلغ الحارث ابن أبی ضرار و من معه مسیر رسول الله (ص) و انّه قد قتل عینه الذی کان وجّهه لیأتیه بخبر رسول الله، فسیء بذلک الحارث و من معه و خافوا خوفا شدیدا، و تفرّق عنهم من کان معهم من العرب، و انتهى رسول الله (ص) الى المریسیع و هو الماء، فاضطرب علیه قبّته و معه عائشة و ام سلمة، فتهیأوا للقتال … الخ.
و قال الزینی دحلان(3): فبعث (ص) بریدة بن الحصیب الأسلمی لیعلم حالهم، فأتاهم و لقی الحرث بن أبی ضرار و کلّمه فوجده قد جمع الجموع، و قالوا له: من الرجل؟ قال: منکم قدمت لمّا بلغنی من جمعکم لهذا الرجل فأسیر فی قومی و من أطاعنی فنکون یدا واحدة حتّى نستأصله. قال الحرث: فنحن على ذلک فعجّل علینا. فقال لهم بریدة أرکب الآن و آتیکم بجمع
کثیر من قومی، فسرّوا بذلک و رجع هو الى النبی (ص) فأخبره خبرهم، فندب الناس و خرج مسرعا فى جمع کثیر. الى أن قال: و خرجت معه عائشة و أم سلمة، و أصاب رسول الله (ص) فی طریقه عینا- أی جاسوسا للمشرکین- فسأله عنهم فلم یذکر من شأنهم شیئا، فعرض علیه الإسلام فأبى. الى أن قال: ثم أمر (ص) أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت منهم أحد قتلوا عشرة و أسروا باقیهم و کانوا أکثر من سبعمائة، و سبوا الرجال و النساء و الذریة، و ساقوا النعم و الشاء، و کانت الإبل ألفی بعیر و الشاة خمسة آلاف و کان المسبّى مائتی بیت، و لم یقتل من المسلمین إلّا رجل واحد و هو هشام بن صبابة أصابه رجل من رهط عبادة بن الصامت خطأ. و کان من جملة السبی جویریة بنت الحرث، فاختصّ بها النبی (ص) و أعتقها و تزوّج بها.
و قال محمد بن سعد(4): و أمر (ص) بالأسارى فکتفوا، و استعمل علیهم بریدة بن الحصیب، و أمر بالغنائم فجمعت، و استعمل علیها شقران مولاه و جمع الذریة ناحیة و استعمل على مقسم الخمس و سهمان المسلمین محمیة بن جزء، و اقتسم السبی و فرّق و صار فی أیدی الرجال، و قسم النعم و الشاء فعدلت الجزور بعشر من الغنم، و بیعت الرثة- یعنی متاع البیت- فی من یزید، و أسهم للفرس سهمان و لصاحبه سهم و للراجل سهم.
الى أن قال: و صارت جویریة بنت الحارث بن أبی ضرار فی سهم ثابت بن قیس و ابن عمّ له، فکاتباها على تسع أواقی ذهب، فسألت رسول الله (ص) فی کتابتها و أدّاها عنها و تزوّجها و کانت جاریة حلوة. و یقال جعل صداقها عتق کل أسیر من بنی المصطلق، و یقال جعل صداقها عتق أربعین من قومها. و کان السبی منهم من منّ علیه رسول الله (ص) بغیر فداء و منهم من افتدى، فافتدیت المرأة و الذرّیة بستّ فرائض و قدموا المدینة ببعض السبی فقدم علیهم أهلوهم فافتدوهم، فلم تبق امرأة من بنی المصطلق إلّا رجعت الى قومها، و هو الثبت عندنا … الخ.
و قال ابن هشام(5): فلمّا سمع رسول الله (ص) بهم خرج إلیهم حتّى لقیهم على ماء لهم یقال له المریسیع من ناحیة قدید الى الساحل، فتزاحف الناس و اقتتلوا، فهزم الله بنی المصطلق و قتل من قتل منهم، و نفل رسول الله (ص) أبناءهم و نسائهم و أموالهم، فأفاءهم علیه، و قد أصیب رجل من المسلمین.
1) السیرة النبویة 2/ 278.
2) الطبقات الکبرى 2/ 63.
3) السیرة النبویة 1/ 226.
4) الطبقات الکبرى 2/ 64.
5) السیرة النبویة 3/ 302.