تتابعت النکبات على المسلمین حتى بدى للمنافقین و لیهود المدینة أن هیبة المسلمین قد ضاعت، و أراد النبی (صلّى الله علیه و اله) بحکمته السیاسیة أن یحدّد ملامح التصرف الصحیح مع یهود (بنی النضیر) مبرزا نوایاهم، فاستعان بهم على دفع دیة القتیلین. فتلقوه قرب مساکنهم مرحّبین به و بجماعة من المسلمین و هم یضمرون السوء، فطلبوا منه الجلوس ریثما یحققون له طلبه. فجلس مستندا إلى جدار بیت من بیوتهم فأسرعوا- مستغلّین الفرصة- لإلقاء حجر علیه و قتله، فهبط الوحی علیه یخبره، فانسلّ من بینهم تارکا الصحابة معهم، فاضطرب بنو النضیر و أمسوا فی حیرة من أمرهم و باتوا قلقین بشدة من سوء فعلتهم، و أسرع الصحابة الى النبی (صلّى الله علیه و اله) فی المسجد یستطلعون سرّ عودته فقال (صلّى الله علیه و اله): «همّت الیهود بالغدر بی فأخبرنی الله بذلک فقمت»(2)
و بذلک استحلّ الله دماءهم إذ نقضوا عهد الموادعة مع النبی (صلّى الله علیه و اله) و همّوا بالغدر به فلم یکن لهم إلّا الجلاء عن المدینة. و تدخّل زعیم النفاق عبد الله بن ابی و غیره یمنّون بنی النضیر بعدم الامتثال لأمر النبی (صلّى الله علیه و اله) و الثبات له و وعدهم بأنّه و جماعته سیمدونهم مقابل النبی (صلّى الله علیه و اله) و لن یخذلوهم، و تحصن بنو النضیر فی
حصونهم متمرّدین على أمر النبی (صلّى الله علیه و اله).
و استخلف النبی (صلّى الله علیه و اله) ابن ام مکتوم على المدینة حین علم بمساعی المنافقین و خرج لمحاصرة بنی النضیر و اتّبع معهم اسلوبا اضطرّهم إلى التسلیم و الخروج بما تحمله إبلهم فقط أذلّة خاسئین(3)
و غنم المسلمون أموالا و سلاحا کثیرا و لکن الرسول (صلّى الله علیه و اله) جمع المسلمین و عرض علیهم رأیه فی أن تکون الغنائم للمهاجرین خاصة کی یتحقّق لهم الاستقلال الاقتصادی إلّا سهل بن حنیف و أبا دجانة- و هما من فقراء الأنصار- فأعطاهما النبی (صلّى الله علیه و اله) من هذه الغنائم(4)
1) وقعت هذه الغزوة فی شهر ربیع الأول من السنة الرابعة للهجرة.
2) الطبقات الکبرى: 2/ 57، امتاع الاسماع: 1/ 187.
3) وصفت سورة الحشر احداث جلاء بنی النضیر.
4) الارشاد: 47.