قال محمد بن سعد(1): ثم غزوة رسول الله (ص) بنی قریظة فی ذی القعدة سنة خمس من مهاجره (ص).
قالوا: لمّا انصرف المشرکون عن الخندق و رجع رسول الله (ص) فدخل بیت عائشة أتاه جبریل فوقف عند موضع الجنائز فقال: عذیرک من محارب، فخرج إلیه رسول الله (ص) فزعا فقال: انّ الله یأمرک أن تسیر الى بنی قریظة فانّی عامد إلیهم فمزلزل بهم حصونهم. فدعا رسول الله (ص) علیّا فدفع إلیه لواءه و بعث بلالا فنادى فی الناس: انّ رسول الله یأمرکم أن
لا تصلّوا العصر إلّا فی بنی قریظة. و استخلف رسول الله (ص) على المدینة عبد الله بن أمّ مکتوم، ثم سار إلیهم فی المسلمین و هم ثلاثة آلاف و الخیل ستة و ثلاثون فرسا، و ذلک یوم الأربعاء لسبع بقین من ذی القعدة، فحاصرهم خمسة عشر یوما أشد الحصار، و رموا بالنبل فانحجروا فلم یطلع منهم أحد … الخ.
و قال ابن الأثیر: لمّا أصبح رسول الله (ص) عاد الى المدینة و وضع المسلمون السلاح، و ضرب على سعد بن معاذ قبّة فی المسجد لیعوده من قریب، فلمّا کان الظهر أتى جبریل النبی (ص) فقال: أقد وضعت السلاح؟ قال (ص): نعم. قال جبریل: ما وضعت الملائکة السلاح، انّ الله یأمرک بالمسیر الى بنی قریظة و أنا عامد إلیهم، فأمر رسول الله (ص) منادیا فنادى: من کان سامعا مطیعا فلا یصلّین العصر إلّا فی بنی قریظة، و قدّم علیّا برایته، و تلاحق الناس، و نزل رسول الله (ص)، و أتاه رجال بعد العشاء الأخیرة فصلّوا العصر بها، و ما عابهم رسول الله (ص) و حاصر بنی قریظة شهرا أو خمس و عشرین لیلة … الخ.
و قال الطبری(2): فلمّا کانت الظهر أتى جبریل رسول الله کما حدّثنا ابن حمید، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنی محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهری معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة علیها رحالة علیها قطیفة من دیباج فقال: أقد وضعت السلاح یا رسول الله؟ قال: نعم. قال جبریل: ما وضعت الملائکة السلاح و ما رجعت الآن إلّا من طلب القوم، انّ الله یأمرک بالمسیر الى بنی قریظة و أنا عامد الى بنی قریظة، فأمر رسول الله (ص) منادیا فأذّن فی الناس. الى أن قال: و قدّم علی بن أبی طالب برایته الى بنی قریظة و ابتدرها الناس، فسار علی بن أبی طالب حتّى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبیحة لرسول الله منهم فرجع حتّى لقى رسول الله بالطریق فقال: یا رسول الله لا علیک أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال: لم أظنّک سمعت لی منهم أذى. قال: نعم یا رسول الله. قال: لو قد رأونی لم یقولوا من ذلک شیئا … الخ.
قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: و قدّم رسول الله (ص) علی بن أبی طالب برایته الى بنی
قریظة، و ابتدرها الناس، فسار علی بن أبی طالب حتّى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبیحة … الخ.
و قال الحلبی(3): و لمّا رجع رسول الله (ص) من الخندق و کان وقت الظهیرة- أی و قد صلّى الظهر- و دخل بیت عائشة و قیل زینب بنت جحش و دعا بماء فبینما هو (ص) یغتسل شقّ رأسه الشریف، و فی روایة بینا رسول الله فی الغسل. الى أن قال: أتى جبریل النبی (ص) معتجرا بعمامة أی سوداء من استبرق و هو نوع من الدیباج مرخیا منها بین کتفیه. و فی روایة: علیه لامته، و لا معارضة لانّه یجوز أن یکون الاعتجاز بالعمامة على تلک اللامة، و هو على بغلة أی شهباء، و فی روایة جاءه على فرس أبلق فقال: أوقد وضعت السلاح یا رسول الله؟ قال: نعم. قال جبریل: ما وضعت السلاح، و فی روایة ما وضعت ملائکة الله السلاح بعد. الى أن قال: و فی لفظ ما وضعت الملائکة السلاح منذ نزل بک العدوّ و ما رجعنا الآن إلّا من طلب القوم- یعنی الأحزاب- حتّى بلغنا الأسد- یعنی حمراء الأسد- … الخ.
و قال الکازرونی الیمانی: قال جبریل: عفا الله عنک ما وضعت الملائکة السلاح منذ أربعین لیلة و ما رجعت الآن إلّا من طلب القوم، و روی انّه کان الغبار على وجه جبریل و فرسه، فجعل النبی (ص) یمسح الغبار عن وجهه و عن وجه فرسه، فقال: انّ الله یأمرک بالمسیر الى بنی قریظة. الى أن قال: و قدّم رسول الله (ص) علی بن أبی طالب برایته إلیهم و ابتدر الناس، فسار علی حتّى إذا دنا من الحصون … الخ.
و روى محمد بن سعد(4): باسناده عن بعض قال: جاء جبریل الى رسول الله (ص) علیه عمامة سوداء قد أرخاها بین کتفیه.
و قال الزینی دحلان(5): و بعث (ص) علیّا على المقدمة و دفع إلیه لواءه، و کان اللواء على حاله لم یحل عند مرجعهم من الخندق. الى أن قال: فلمّا دنا علی بن أبی طالب من الحصن و معه
نفر من المهاجرین و الأنصار، و غرز اللواء عند أصل الحصن، سمع من بنی قریظة مقالة قبیحة فی حقّه (ص)، فسکت المسلمون و قالوا: السیف بینا و بینکم. فلمّا رأى علی رسول الله (ص) مقبلا أمر أبا قتادة الأنصاری أن یلزم اللواء، و رجع إلیه (ص) و قال: یا رسول الله لا علیک أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث … الخ.
و قال الحلبی(6): و فی روایة بعث رسول الله (ص) یومئذ منادیا یقول: یا خیل الله- أی یا فرسان خیل الله- ارکبی، ثم سار إلیهم. قال: و قد لبس (ص) السلاح و الدرع و المغفر و البیضة، و أخذ قناة بیده الشریفة و تقلّد السیف و رکب فرسه اللجیف بالضم، و قیل رکب حمارا و هو الیعفور عریانا، و الناس حوله قد لبسوا السلاح و رکبوا الخیل و هم ثلاثة آلاف و الخیل ثلاثة و ثلاثون. الى أن قال: و قدّم علی بن أبی طالب برایته الى بنی قریظة. و فی روایة دفع إلیه لواءه و کان اللواء على حاله لم یحل من مرجعه من الخندق، و مرّ (ص) بنفر من بنی النجّار قد لبسوا السلاح، فقال: هل مرّ بکم أحد؟ قالوا: نعم دحیة الکلبی مرّ على بغلة بیضاء- و فی روایة على فرس أبیض- علیه اللامة و أمرنا بحمل السلاح، قال لنا: رسول الله یطّلع علیکم الآن، فلبسنا سلاحنا و صففنا. فقال: ذاک جبریل بعث الى بنی قریظة لیزلزل حصونهم و یقذف الرعب فی قلوبهم، فلمّا دنا علی بن أبی طالب من الحصن و معه جماعة من المهاجرین و الأنصار و غرز اللواء عند أصل الحصن سمع من بنی قریظة مقالة قبیحة فی حقّه (ص). الى أن قال: فلمّا دنا رسول الله (ص) من حصونهم قال: یا إخوة القردة هل أخزاکم الله و أنزل بکم نقمته. قال: و فی روایة: نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتّى أسمعهم و قال: أجیبوا یا إخوة القردة و الخنازیر و عبدة الطاغوت هل أخزاکم الله و أنزل بکم نقمته أتشتمونی، فجعلوا یحلفون و یقولون: ما قلنا، و یقولون: ما کنت جهولا. و فی لفظ: ما کنت فاحشا. الى أن قال: و انّما قال (ص): یا اخوان القردة و الخنازیر لأنّ الیهود مسخ شبّانهم قردة و شیوخهم خنازیر عند اعتدائهم یوم السبت بصید السمک … الخ.
و قال ابن هشام(7): و حاصرهم رسول الله (ص) خمسا و عشرین لیلة حتّى جهدهم الحصار و قذف الله فی قلوبهم الرعب، و قد کان حیی بن أخطب دخل مع بنی قریظة فی حصنهم حین رجعت عنهم قریش و غطفان وفاء لکعب بن أسد بما کان عاهده، فلمّا أیقنوا انّ رسول الله (ص) غیر منصرف عنهم حتّى یناجزهم، قال کعب بن أسد لهم: یا معشر یهود قد نزل بکم من الأمر ما ترون و انّی عارض علیکم خلالا ثلاثا فخذوا أیّها شئتم. قالوا: و ما هی؟ قال: نتابع هذا الرجل و نصدّقه، فو الله لقد تبیّن لکم انّه لنبی مرسل و انّه الذی تجدونه فی کتابکم، فتأمنون على دمائکم و أموالکم و أبنائکم و نسائکم. قالوا: لا نفارق حکم التوراة أبدا و لا نستبدل به غیره. قال: فاذا أبیتم على هذه فهلمّ فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج الى محمد و أصحابه رجالا مصلتین السیوف لم نترک وراءنا ثقل حتّى یحکم الله بیننا و بین محمد، فإن نهلک نهلک و لم نترک وراءنا نسلا نخشى علیه، و إن نظهر فلعمری لنجدنّ النساء و الأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساکین فما خیر العیش بعدهم. قال: فان أبیتم علیّ هذه فإنّ اللیلة لیلة السبت و انّه عسى أن یکون محمد و أصحابه قد آمنوا فیها فانزلوا لعلّنا نصیب من محمد و أصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا علینا و نحدث فیه ما لم یحدث من کان قبلنا إلّا من قد علمت فأصابه ما لم یخف علیک من المسخ. قال: ما بات رجل منکم منذ ولدته امّه لیلة واحدة من الدهر حازما … الخ.
و قال ابن الأثیر(8): فلمّا اشتدّت علیهم الحصار أرسلوا الى رسول الله (ص) أنت تبعث الینا أبا لبابة بن عبد المنذر و هو أنصاری من الأوس نستشیره. فأرسله، فلمّا رأوه قام إلیه الرجال و بکى النساء و الصبیان، فرقّ لهم فقالوا: ننزل على حکم رسول الله. فقال: نعم و أشار بیده إلى حلقه انّه الذبح … الخ.
و قال ابن کثیر(9): فأتاهم أبو لبابة فبکوا إلیه و قالوا: یا أبا لبابة ماذا ترى و ماذا تأمرنا فإنّه
لا طاقة لنا بالقتال، فأشار أبو لبابة بیده الى حلقه و أمرّ علیه أصابعه یریهم انّما یراد بهم القتل، فلمّا انصرف أبو لبابة سقط فی یده و رأى انّه قد أصابته فتنة عظیمة، فقال: و الله لا أنظر الى وجه رسول الله (ص) حتّى أحدث للّه توبة نصوحا یعلمها الله من نفسی، فرجع الى المدینة فربط یدیه الى جذع من جذوع المسجد، و زعموا انّه ارتبط قریبا من عشرین لیلة، فقال رسول الله (ص) حین غاب علیه أبو لبابة: أما فرغ أبو لبابة من حلفائه؟ فذکر له ما فعل، فقال: لقد أصابته بعدی فتنة، و لو جاءنی لاستغفرت له، و اذ قد فعل هذا فلن أحرّکه من مکانه حتّى یقضی الله فیه ما یشاء.
و قال ابن هشام(10): فأنزل الله تعالى فی أبی لبابة فیما قال سفیان بن عیینة عن اسمعیل بن أبی خالد عن عبد الله بن أبی قتادة «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِکُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» الى أن قال: أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ستّ لیال تأتیه امرأته فی کل وقت صلاة فتحلّه ثم یعود فیربط بالجذع … الخ.
و قال ابن الأثیر(8): قال أبو لبابة: لا أبرح حتّى یتوب الله علیّ، فتاب الله علیه و أطلقه رسول الله … الخ.
و قال ابن هشام(11): و الآیة التی نزلت فی توبته قول الله عزّ و جلّ «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
و قال الطبری(12): ثم انّ ثعلبة بن سعیة و أسید بن سعیة و أسد بن عبید و هم نفر من بنی هدل لیسوا من بنی قریظة و لا النضیر نسبهم فوق ذلک هو بنو عمّ القوم أسلموا تلک اللیلة التی نزلت فیها قریظة على حکم رسول الله (ص). الى أن قال: قال ابن إسحاق: فلمّا أصبحوا نزلوا على حکم رسول الله (ص) فتواثبت الأوس فقالوا: یا رسول الله انّهم موالینا دون الخزرج
و قد فعلت فی موالی الخزرج بالأمس ما قد علمت، و قد کان رسول الله (ص) قبل بنی قریظة حاصر بنی قینقاع و کانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حکمه فسأله إیّاهم عبد الله بن ابیّ بن سلول فوهبهم له، فلمّا کلّمه الأوس قال رسول الله: ألا ترضون یا معشر الأوس أن یحکم فیهم رجل منکم؟ قالوا: بلى. قال: فذاک الى سعد بن معاذ الى أن قال: و کان رسول الله (ص) قد قال لقومه حین أصابه السهم بالخندق: اجعلوه فی خیمة رفیدة حتّى أعوده من قریب، فلمّا کلّمه رسول الله فی بنی قریظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار قد وطؤا له بوسادة من أدم، و کان رجلا جسیما ثم أقبلوا معه الى رسول الله (ص) و هم یقولون: یا أبا عمرو أحسن فی موالیک، فإنّ رسول الله انّما ولّاک لتحسن فیهم. فلمّا أکثروا علیه قال: قد آن لسعد أن لا تأخذه فی الله لومة لائم، فرجع بعض من کان معه من قومه الى دار بنی عبد الأشهل، فنعی لهم رجال بنی قریظة قبل أنى صل إلیهم سعد بن معاذ عن کلمته التی سمع منه … الخ.
و قال ابن کثیر(13): و کان رسول الله (ص) قد جعل سعد بن معاذ فی خیمة لامرأة من أسلم یقال لها رفیدة فی مسجده، و کانت تداوی الجرحى، فلمّا حکّمه فی بنی قریظة أتاه قومه فحملوه على حمار. الى أن قال: و کان رجلا جسیما جمیلا … الخ.
و قال ابن الأثیر(14): فلمّا انتهى سعد الى رسول الله (ص) قال: قوموا الى سیّدکم- أو قال خیرکم- فقاموا إلیه و أنزلوه و قالوا: یا أبا عمرو أحسن الى موالیک فقد ردّ رسول الله الحکم فیهم الیک. فقال سعد: علیکم عهد الله و میثاقه انّ الحکم فیهم إلیّ. قالوا: نعم، فالتفت الى الناحیة الأخرى التی فیها النبی (ص) و غضّ بصره عن رسول الله إجلالا له و قال: و علیّ من هنا العهد أیضا. فقالوا: نعم. و قال رسول الله: نعم. قال: فانّی أحکم أن تقتل المقاتلة و تسبى الذریة و النساء و تقسم الأموال. فقال له رسول الله (ص): لقد حکمت فیهم بحکم الله من فوق سبعة أرقعة.
و قال ابن کثیر(15): و قال أبو سعید: فلمّا طلع- یعنی سعدا- قال رسول الله (ص): قوموا الى سیّدکم فأنزلوه. قال عمر: سیّدنا الله. قال: أنزلوه، فأنزلوه، قال رسول الله: أحکم فیهم. فقال سعد: فانّی أحکم فیهم أن تقتل مقاتلتهم. الى أن قال: قال رسول الله (ص): لقد حکمت فیهم بحکم الله و حکم رسوله … الخ.
و قال ابن هشام(16): حدّثنی بعض من أثق به من أهل العلم: انّ علی بن أبی طالب صاح و هم محاصرو بنی قریظة: یا کتیبة الإیمان، و تقدّم هو و الزبیر بن العوّام و قال: و الله لأذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لأفتحنّ حصنهم فقالوا: یا محمد ننزل على حکم سعد بن معاذ.
قال ابن إسحاق: ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله (ص) بالمدینة فی دار بنت الحرث امرأة من بنی النجّار، ثم خرج رسول الله الى سوق المدینة التی سوقها الیوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إلیهم فضرب أعناقهم فی تلک الخنادق … الخ.
قال محمد بن سعد(17): ثم نزلوا على حکم رسول الله (ص)، فأمر بهم رسول الله محمد بن مسلمة، فکتفوا و نحّوا ناحیة، و أخرج النساء و الذریة فکانوا ناحیة، و استعمل علیهم عبد الله ابن سلّام، و جمع أمتعتهم و ما وجد فی حصونهم من الحلقة و الأثاث و الثیاب، فوجد فیها ألف و خمسمائة سیف و ثلاثمائة درع و ألفا رمح و ألف و خمسمائة ترس و جحفة و خمر و جرار سکر، فأهریق ذلک کلّه و لم یخمّس، و وجدوا جمالا نواضح و ماشیة کثیرة، و کلّمت الأوس رسول الله (ص) أن یهبهم لهم و کانوا حلفاءهم، فجعل رسول الله (ص) الحکم فیهم الى سعد بن معاذ، فحکم فیهم أن یقتل کل من جرت علیه المواسی (جمع موسى و هی آلة الحدید) و تسبى النساء و الذریة و تقسم الأموال، فقال رسول الله (ص): لقد حکمت بحکم الله من فوق سبعة أرقعة. و انصرف رسول الله (ص) یوم الخمیس لسبع لیال خلون من ذی الحجة، ثم أمر بهم فأدخلوا المدینة و حفر لهم أخدودا فی السوق، و جلس رسول الله و معه أصحابه و أخرجوا
رسلا رسلا- أی فردا فردا- فضربت أعناقهم، فکانوا ما بین ستمائة الى سبعمائة. و اصطفى رسول الله (ص) ریحانة بنت عمرو لنفسه، و أمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس من المتاع و السبی، ثم أمر بالباقی فبیع فی من یزید و قسّمه بین المسلمین، فکانت السهمان على ثلاث آلاف و اثنین و سبعین سهما للفرس سهمان و لصاحبه سهم، و صار الخمس الى محمیة بن جزء الزّبیدی، فکان رسول الله یعتق منه و یهب منه و یخدم منه من أراد، و کذلک صنع بما صار إلیه من الرثّة.
و قال الواقدی: فکان سبی بنی قریظة یومئذ سبعمائة رأسا و خمسین، فقال عمر بن الخطّاب: ألا تخمّس یا رسول الله کما خمّست یوم بدر؟ قال (ص): لا هذا شیء جعله الله لی دون المؤمنین، فقال الله عزّ و جلّ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبى قریظة و النضیر و فدک و خیبر و هی قرى عربیّة وعدها قبل أن تفتح، فأخذ رسول الله (ص) من سبی بنی قریظة سبع عشرة خیلا فقسّمهم فی أهله، و قسّم ما بقی نصفین فبعث سعد بن عبادة فی أحد النصفین الى الشام، و بعث أنس بن قیظی فی النصف الباقی الى أرض غطفان، فأمرها أن تتفحّل بالخیل ففعلوا فجلبوا خیلا عظیمة، فجعلها رسول الله (ص) فی المؤمنین قوّة فی سبیل الله، فقال رسول الله (ص): وددت ما کان مما کان لی من الخمس اخمّسه على المؤمنین، و کان الخمس مائة و خمسین … الخ.
قال ابن هشام(18): و بعث رسول الله (ص) سعد بن زید الأنصاری بسبایا من سبایا بنی قریظة الى نجد، فابتاع لهم بها خیلا و سلاحا، یعنی فابتاع للمسلمین- … الخ.
و روى محمد بن سعد(4): باسناده عن عطیّة القرظی قال: کنت فیمن أخذ یوم قریظة، فکانوا یقتلون من أنبت- یعنی من نبتت عانته- و یترکون من لم ینبت، فکنت فیمن لم ینبت. أقول: و الإنبات و عدمه کنایة عن البلوغ و عدمه، کما انّ المقصود ممّن جرت علیه المواسی ذلک، و قد تقدّم.
و کان المتولّی لقتل مقاتلة بنی قریظة علی بن أبی طالب و الزبیر بن العوّام على ما نقله الحلبی فی السیرة.
و روى محمد بن سعد أیضا عن حمید بن هلال: و خرج رسول الله- یعنی حین توجّه الى بنی قریظة- فاستقبله رجل من أصحابه فقال: یا رسول الله اجلس فلنکفک. قال: و ما ذاک؟ قال: سمعتهم ینالون منک. قال (ص): قد أوذی موسى بأکثر من هذا. قال: و انتهى إلیهم فقال: یا اخوة القردة و الخنازیر إیّای إیّای. قال: فقال بعضهم لبعض: هذا أبو القاسم ما عهدناه فحّاشا الى أن قال: فأخذهم من الغمّ فی حصنهم ما أخذهم، فنزلوا على حکم سعد بن معاذ من بین الناس. الى أن قال: فلمّا فرع منهم و حکم فیه بما حکم مرّت علیه عنز و هو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها، فما رقأ حتّى مات.
1) الطبقات الکبرى 2/ 74.
2) تاریخ الطبری 2/ 581.
3) السیرة النبویة 2/ 221.
4) الطبقات الکبرى 2/ 76.
5) السیرة النبویة 2/ 13.
6) السیرة الحلبیة 2/ 332.
7) السیرة النبویة 3/ 246.
8) الکامل 2/ 185.
9) السیرة النبویة 3/ 229.
10) السیرة لابن هشام 3/ 247.
11) السیرة النبویة 3/ 248.
12) تاریخ الطبری 2/ 585.
13) السیرة النبویة 3/ 233.
14) الکامل 2/ 186.
15) السیرة لابن کثیر 3/ 233.
16) السیرة النبویة 3/ 251.
17) الطبقات الکبرى 2/ 75.
18) السیرة النبویة لابن هشام 3/ 256.