قال ابن الأثیر(1): لمّا عاد رسول الله (ص) من الحدیبیة أقام بالمدینة ذا الحجة و بعض المحرّم، و سار الى خیبر فی ألف و أربعمائة رجل معهم مائتا فرس، و کان مسیره الى خیبر فی المحرّم سنة سبع، و استخلف على المدینة سباع بن عرفطة الغفاری … الخ.
و قال الطبری(2): و لمّا رجع رسول الله (ص) من غزوة الحدیبیة الى المدینة أقام بها ذا الحجة و بعض المحرّم، فیما حدّثنا ابن حمید قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: و ولى الحج فی تلک السنة المشرکون … الخ.
و قال محمد بن سعد(3): ثم غزوة رسول الله (ص) خیبر فی جمادى الأولى سنة سبع من مهاجره (ص)، و هی على ثمانیة برد من المدینة. قالوا: أمر رسول الله (ص) أصحابه بالتهیّؤ لغزوة خیبر و یجلّب من حوله یغزون معه، فقال لا یخرجنّ معنا إلّا راغب فی الجهاد، و شقّ ذلک على من بقی بالمدینة من الیهود، فخرج و استخلف على المدینة سباع بن عرفطة الغفار
و أخرج معه ام سلمة زوجته، فلمّا نزل بساحتهم لم یتحرّکوا تلک اللیلة و لم یصح لهم دیک حتّى طلعت الشمس و أصبحوا و أفئدتهم تخفق، و فتحوا حصونهم و غدوا الى أعمالهم معهم المساحی (جمع مسحاة) و الکرازین (جمع کرزن و هی الفاس) و المکاتل (جمع مکتل و هو الزنبیل)، فلمّا نظروا الى رسول الله (ص) قالوا: محمد و الخمیس، یعنون بالخمیس الجیش، فولّوا هاربین الى حصونهم، و جعل رسول الله (ص) یقول: الله أکبر خربت خیبر، انّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرین. و وعظ رسول الله الناس و فرق بینهم الرایات، و لم تکن الرایات إلّا یوم خیبر انّما کانت الألویة، فکانت رایة النبی (ص) السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب، و لواؤه أبیض و دفعه الى علی بن أبی طالب، و رایة الى الحباب بن المنذر و رایة الى سعد بن عبادة و کان شعارهم یا منصور أمت … الخ.
و قال ابن هشام(4): و استعمل على المدینة نمیلة بن عبد الله اللیثی و دفع الرایة الى علی بن أبی طالب (ع). و کانت بیضاء … الخ.
و قال الحلبی(5): و جاء انّه (ص) لمّا توجه الى خیبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتکبیر «الله أکبر لا إله إلّا الله»، فقال رسول الله: أربعوا على أنفسکم- أی ارفقوا بأنفسکم- لا تبالغوا فی رفع أصواتکم، فانّکم لا تدعون أصمّ و لا غائبا، انّکم تدعون سمیعا قریبا و هو معکم.
قال عبد الله بن قیس: کنت خلف دابته (ص) فسمعنی أقول «لا حول و لا قوّة إلّا بالله العلیّ العظیم»، فقال: یا عبد الله بن قیس. قلت: لبّیک یا رسول الله. قال: ألا أدلّک على کلمة من کنز الجنة. قلت: بلى یا رسول الله فداک أبی و امّی. قال «لا حول و لا قوّة إلّا بالله» … الخ.
و قال الواقدی: ثم قدم رسول الله (ص) المدینة، فأقام بها خمسة عشر لیلة فأمر الناس بالتجهیز الى خیبر و لا یغزوا معه إلّا من شهد الحدیبیة إلّا أن یغزو غازیا متطوّعا لیس له فی الغنیمة شیء، فتجهز الناس واثقین بالله أن یفتح لهم خیبر، و علموا انّ موعد الله لا خلف له،
و بلغ أهل خیبر انّ رسول الله (ص) و المؤمنون تجهّزوا قبلهم، فبعثوا الى حلفائهم أسد و غطفان فأتوهم، ففیهم عیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر الفزاری و هو على غطفان و طلیحة ابن خویلد الأسدی على بنی أسد، فدخلوا أحد حصنیهم، فقدم رسول الله (ص) خیبر، فأرسل الى أسد و غطفان أن خلّوا بینی و بین القوم فانّ الله قد وعدنی أن یفتحها لی، فإن فعلتم و أسلمتم فهی لکم. فأبوا علیه و جاهدوا نبی الله، ثم قذف الله فی قلوبهم الرعب فتسلّلوا عنهم و خلا القتال على أهل خیبر شهرا آخر، فکان حصار رسول الله (ص) أهل خیبر شهرین، و نفد الذی کان مع أصحاب رسول الله من الزاد، فأصابوا أحمرة لأهل خیبر خارجة من الحصن، فانتحروها و لم یکن لهم طعام إلّا التمر، فاستفتوا نبی الله فقالوا: یا رسول الله أصبنا أحمرة لأهل خیبر فانتحرناها و لیس لنا طعام إلّا التمر، فما ترى فی أکلها یا رسول الله؟ فنهاهم فکفّوا قدورهم و الیهود یقاتلونهم کل یوم … الخ.
قال ابن کثیر(6): و قال ابن إسحاق: و کان رسول الله (ص) حین خرج من المدینة الى خیبر سلک على عصر و بنى له مسجدا ثم على الصهباء، ثم أقبل بجیشه حتّى نزل به بواد یقال له الرجیع، فنزل بینهم و بین غطفان لیحول بینهم و بین أن یمدّوا أهل خیبر، و کانوا لهم مظاهرین على رسول الله (ص) فبلغنی انّ غطفان لمّا سمعوا بذلک جمعوا ثم خرجوا لیظاهروا الیهود علیه، حتّى إذا صاروا منقلة سمعوا خلفهم فی أموالهم و أهلیهم حسّا ظنّوا انّ القوم قد خالفوا إلیهم، فرجعوا على أعقابهم فأقاموا فی أموالهم و أهلیهم و خلّوا بین رسول الله و بین خیبر.
الى أن قال: قال ابن إسحاق: و حدّثنی من لا أتّهم من عطاء بن أبی مروان الأسلمی عن أبیه عن أبی معتب بن عمرو انّ رسول الله (ص) لمّا أشرف على خیبر قال لأصحابه و أنا فیهم: قفوا، ثم قال: اللهم ربّ السموات و ما أظللن و ربّ الأرضین و ما أقللن و ربّ الشیاطین و ما أضللن و ربّ الریاح و ما أذرین، فانّا نسألک خیر هذه القریة و خیر أهلها و خیر ما فیها،
و نعوذ بک من شرّها و شر أهلها و شرّ ما فیها، أقدموا بسم الله، و قال الحلبی و کان (ص) یقولها لکل قریة دخلها.
ثم قال: قال ابن إسحاق: و حدّثنی من لا أتّهم عن أنس بن مالک قال: کان رسول الله (ص) إذا غزا قوما لم یغر علیهم حتّى یصبح، فإن سمع أذانا أمسک و إن لم یسمع أذانا أغار، فنزلنا خیبر لیلا فبات رسول الله (ص) حتّى أصبح لم یسمع أذانا، فرکب و رکبنا معه و رکبت خلف أبی طلحة و انّ قدمیّ لتمسّ قدم رسول الله، و استقبلنا عمّال خیبر غادین قد خرجوا بمساحیهم و مکاتلهم، فلمّا رأوا رسول الله (ص) و الجیش قالوا: محمد و الخمیس معه، فأدبروا هرابا … الخ.
و قال ابن هشام(6): قال ابن إسحاق: و حدّثنی عبد الله بن أبی نجیح عن مکحول انّ رسول الله (ص) نهاهم یومئذ عن أربع: عن إتیان الحبالى من السبایا، و عن أکل الحمار الأهلی، و عن أکل کل ذی ناب من السباع، و عن بیع المغانم حتّى تقسم.
و روى أیضا باسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاری: انّ رسول الله (ص) حین نهى الناس عن أکل لحوم الحمر أذن لهم فی أکل لحوم الخیل.
ثم روى أیضا باسناده عن خشن الصنعانی قال: غزونا مع رویفع بن ثابت الأنصاری المغرب، فافتتح قریة من قرى المغرب یقال لها جربة، فقام فینا خطیبا فقال: أیّها الناس انّی لا أقول فیکم إلّا ما سمعت من رسول الله (ص) یقوله فینا یوم خیبر، قال: قام فینا رسول الله فقال: لا یحلّ لإمرىء یؤمن بالله و الیوم الآخر أن یسقی ماء زرع غیره- یعنی إتیان الحبالى من السبایا- حتّى یستبرئها، و لا یحلّ لإمرىء یؤمن بالله و الیوم الآخر أن یصیب امرأة من السبی حتّى یستبرئها، و لا یحلّ لإمرىء یؤمن بالله و الیوم الآخر أن یبیع مغنما حتّى یقسم، و لا یحلّ لإمرىء یؤمن بالله و الیوم الآخر أن یرکب دابّة من فیء المسلمین حتّى إذا أعجفها ردّها فیه، و لا یحلّ لإمرىء یؤمن بالله و الیوم الآخر أن یلبس ثوبا من فیء المسلمین حتّى إذا أخلقه
ردّه فیه.
ثم قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: و حدّثنی یزید بن عبد الله بن قسیط انّه حدّث عن عبادة بن الصامت قال: نهانا رسول الله (ص) یوم خیبر أن نبیع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العین و تبر الفضّة بالورق العین، و قال (ص): ابتاعوا تبر الذهب بالورق العین و تبر الفضّة بالذهب العین.
ثم قال: قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله (ص) یتدّنى الحصون و الأموال، فحدّثنی عبد الله بن أبی بکر انّه حدّثه بعض أسلم: انّ بنی سهم من أسلم أتوا رسول الله (ص) فقالوا: و الله یا رسول الله لقد جهدنا و ما بأیدینا من شیء، فلم یجدوا عند رسول الله شیئا یعطیهم إیّاه، فقال: اللهم انّک قد عرفت حالهم و ان لیست بهم قوّة و ان لیس بیدی شیء أعطیهم إیّاه، فافتح علیهم أعظم حصونها عنهم غناء و أکثرها طعاما و ودکا، فغدا الناس ففتح الله عزّ و جلّ علیهم حصن الصعب بن معاذ و ما بخیبر حصن کان أکثر طعاما و ودکا منه … الخ.
و قال العلّامة محمد رضا: و هی یعنی خیبر ذات حصون و مزارع و نخل کثیر، و کان سکّانها غیر مجتمعین فی صعید واحد، بل کانوا متفرقین فی الودیان المجاورة و یقطنون بیوتا حصینة وسط النخیل و حقول القمح، و کانت خیبر مرکزا لدسائس الیهود الذین هاجروا إلیها، و تشتمل على سبعة حصون مبنیة بالحجارة، و هی: حصن ناعم القموص، حصن أبی الحقیق، حصن الشق، حصن النطاة، حصن السلالم، حصن الوطیح، حصن الکتیبة.
ثم قال: قال القزوینی: و خیبر موصوفة بکثرة الحمى، لا تفارق الحمى أهلها، و کان أهلها یهود موصوفین بالمکر و الخبث، و منها کان السموأل بن عادیاء المشهور بالوفاء. الى أن قال: و کان یهود خیبر أدخلوا أموالهم و عیالهم فی حصن الکتیبة و جمعوا المقاتلة فی حصن النطاة، و کان النبی (ص) نزل قریبا من حصن النطاة، فأشار علیه الحباب بن المنذر بالتحول قائلا انّ أهل النطاة لی بهم معرفة لیس قوم ابعد مدى منهم و لا أعدل رمیة منه، و هم مرتفعون علینا، و هو أسرع لانحطاط نبلهم، و لا نأمن من بیاتهم یدخلون فی خمر النخل فتحوّل رسول الله (ص) و تحوّل الناس الى موضع حائل بین أهل خیبر و غطفان، و ابتنى هنالک مسجدا صلّى
به طول مقامه بخیبر، و أمر بقطع نخیل أهل حصون النطاة، فوقع المسلمون فی قطعها حتّى قطعوا أربعمائة نخلة، ثم نهاهم عن القطع، و قاتل یومه ذلک أشدّ القتال و علیه درعان و بیضة و مغفر، و هو على فرس یقال له الظرب، فی یده قناة و ترس. و فی ذلک الیوم قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة برحى ألقیت علیه من حصن ناعم، ألقاها علیه مرحب الیهودی، و کان الحرّ فی ذلک الیوم شدیدا، و مکث سبعة أیام یقاتل أهل حصن النطاة … الخ.
و قال الحلبی(7): و رسول الله (ص) على فرس یقال له الظرب، و علیه درعان. الى أن قال: و قد دفع (ص) لواءه لرجل من المهاجرین فرجع و لم یصنع شیئا، فدفعه الى آخر من المهاجرین فرجع و لم یصنع شیئا، و خرجت کتائب الیهود یقدمهم یاسر فکشف الأنصار حتّى انتهى الى رسول الله (ص) فی موقفه، فاشتدّ ذلک على رسول الله و أمسى مهموما … الخ.
و قال ابن الأثیر(1): و قال (ص) فی مسیره لعامر بن الأکوع عمّ سلمة بن عمرو بن الأکوع: احد لنا، فنزل وحداهم یقول:
و الله لو لا الله ما اهتدینا
و لا تصدّقنا و لا صلّینا
فأنزلن سکینة علینا
و ثبّت الأقدام إن لاقینا
فقال له رسول الله (ص): رحمک الله. فقال عمر: هلّا أمتعتنا به یا رسول الله (ص)، و کان إذا قالها لرجل قتل، فلمّا نازلوا خیبر بارز عامر فعاد علیه سیفه فجرحه جرحا شدیدا فمات منه، فقال الناس، انّه قتل نفسه. فقال سلمة ابن أخیه للنبی (ص) ما قالوا، فقال: کذبوا بل له أجره مرتین … الخ.
و قال الزینی دحلان(8): و عند إنشاده الأبیات المذکورة قال له رسول الله (ص) یرحمک ربّک، و فی روایة غفر لک ربّک، و ما قال (ص) ذلک لأحد فی مثل هذا الموطن إلّا استشهد. فقال عمر: هلّا أمتعتنا به، أی هلّا أخّرت الدعاء الى وقت آخر، فاستشهد رضی الله عنه فی
هذه الغزوة رجع إلیه سیفه فقتله، فانّه أراد أن یضرب به ساق یهودی فجاءت ذبابته فی رکبته فمات من ذلک: فقال الناس، قتله سلاحه، و فی روایة قتل نفسه أی فلیس بشهید، فقال رسول الله (ص) انّه لشهید … الخ.
و قال الطبری(9): فکان أول حصونهم أفتتح حصن ناعم، و عنده قتل محمود بن مسلمة، ألقیت علیه رحا منه فقتله، ثم القموص حصن أبی الحقیق، و أصاب رسول الله منهم سبایا، منها صفیّة بنت حییّ بن أخطب، و کانت عند کنانة بن الربیع، و ابنتی عمّ لها، فاصطفى رسول الله صفیّة لنفسه. و کان دحیة الکلبی سأل رسول الله (ص)، فلمّا اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتیّ عمّها، و فشت السبایا من خیبر فی المسلمین … الخ.
و قال ابن کثیر(10): حدّثنا عبد الله بن مسلمة، حدّثنا حاتم، عن یزید بن أبی عبید، عن سلمة بن الأکوع قال: کان علی بن أبی طالب تخلّف عن رسول الله (ص) فی خیبر و کان رمدا، فقال: أنا أتخلّف عن النبی (ص)؟ فلحق به، فلمّا بتنا اللیلة التی فتحت خیبر قال: لأعطینّ غدا الرایة أو لیأخذنّ الرایة غدا رجلا یحبّه الله و رسوله یفتح علیه، فنحن نرجوها، فقیل: هذا علی، فأعطاه ففتح علیه.
و روى البخاری أیضا و مسلم عن قتیبة عن حاتم به، ثم قال البخاری: حدّثنا قتیبة، حدّثنا یعقوب بن عبد الرحمن، عن أبی حازم قال: أخبرنی سهل بن سعد: انّ رسول الله (ص) قال یوم خیبر: لأعطینّ هذه الرایة غدا رجلا یفتح الله على یدیه، یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله. قال: فبات الناس یدوکون لیلتهم أیّهم یعطاها، فلمّا أصبح الناس غدوا على النبی (ص) کلهم یرجو أن یعطاها، فقال أین علی بن أبی طالب؟ فقالوا: هو یا رسول الله یشتکی عینیه. قال: فأرسل إلیه فأتی فبصق رسول الله (ص) فی عینیه و دعا له فبرأ حتّى کأن لم یکن به وجع، فأعطاه الرایة، فقال علی: یا رسول الله أقاتلهم حتّى یکونوا مثلنا. فقال (ص): انفذ على رسلک حتّى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم الى الإسلام و أخبرهم بما یجب
علیهم من حق الله تعالى فیه، فو الله لأن یهدی الله بک رجلا واحدا خیر لک من أن یکون لک حمر النعم. و قد رواه مسلم و النسائی جمیعا عن قتیبة به.
و هکذا رواه صاحب المشکاة الشیخ عبد الحق الدهلوی فی کتاب مشکاة المصابیح فی ص 562 ثم انّه بعد نقل الحدیث قال: انّه متّفق علیه.
و فی صحیح مسلم و البیهقی من حدیث سهیل بن أبی صالح عن أبیه عن أبی هریرة قال: قال رسول الله (ص) لأعطینّ الرایة غدا رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله یفتح الله علیه. قال عمر: فما أحببت الإمارة إلّا یومئذ، فدعا علیّا فبعثه ثم قال: اذهب فقاتل حتّى یفتح الله علیک و لا تلتفت. قال علی على ما أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتّى یشهدوا أن لا إله إلّا الله و انّ محمدا عبده و رسوله، فإذا فعلوا ذلک فقد منعوا منّا دمائهم و أموالهم إلّا بحقّها و حسابهم على الله.
ثم قال ابن کثیر: و قال الإمام أحمد: حدّثنا مصعب بن المقدام و جحش بن المثنى، قالا حدّثنا اسرائیل، حدّثنا عبد الله بن عصمة العجلی، سمعت أبا سعید الخدری یقول: انّ رسول الله أخذ الرایة فهزّها، ثم قال: من یأخذها بحقها، فجاء فلان فقال أنا، قال امض، ثم جاء رجل آخر فقال امض، ثم قال النبی (ص): و الذی کرّم وجه محمد لأعطینّها رجلا لا یفرّ. فقال: هاک یا علی، فانطلق حتّى فتح الله علیه خیبر و فدک و جاء بعجوتها و قدیدها … الخ.
ثم قال ابن کثیر: و قال یونس بن بکیر، عن محمد بن إسحاق، حدّثنی بریدة بن سفیان بن فروة الأسلمی، عن أبیه، عن سلمة بن عمرو بن الأکوع قال: بعث النبی (ص) أبا بکر الى بعض حصون خیبر فقاتل ثم رجع و لم یکن فتح و قد جهد، ثم بعث عمر فقاتل ثم رجع و لم یکن فتح، فقال رسول الله (ص): لأعطینّ الرایة غدا رجلا یحبّه الله و رسوله و یحبّ الله و رسوله یفتح الله على یدیه و لیس بفرّار. قال سلمة: فدعا رسول الله علی بن أبی طالب و هو یومئذ أرمد، فتفل فی عینیه ثم قال: خذ الرایة و امض بها حتّى یفتح الله علیک. فخرج بها و الله یصول یهرول هرولة و أنا لخلفه نتبع أثره حتّى رکز رایته فی رضم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع یهودیّ من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال علی: أنا علی بن أبی طالب. فقال
الیهودی: غلبتم و ما أنزل على موسى، فما رجع حتّى فتح الله على یدیه.
و قال البیهقی: أنبأنا الحاکم، أنبأنا الأصم، أنبأنا العطاردی، عن یونس بن بکیر، عن الحسین بن واقد، عن عبد الله بن بریدة، أخبرنی أبی قال: لمّا کان یوم خیبر أخذ اللواء أبو بکر فرجع و لم یفتح له، و قتل محمود بن مسلمة و رجع الناس، فقال رسول الله (ص): لأدفعنّ لوائی غدا الى رجل یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله لن یرجع حتّى یفتح الله له. فبتنا طیبة نفوسنا انّ الفتح غدا، فصلّى رسول الله (ص) صلاة الغداة ثم دعا باللواء و قام قائما، فما منّا من رجل له منزلة من رسول الله إلّا و هو یرجو أن یکون ذلک الرجل، حتّى تطاولت أنا لها و رفعت رأسی لمنزلة کانت لی منه، فدعا علی بن أبی طالب و هو یشتکی عینیه، قال: فمسحها ثم دفع إلیه اللواء ففتح له … الخ.
ثم قال ابن کثیر: ثم روى البیهقی عن یونس بن بکیر عن المسیّب بن مسلمة الأزدی حدّثنا عبد الله بن بریدة عن أبیه قال: کان رسول الله (ص) ربما أخذته الشقیقة فلبث الیوم و الیومین لا یخرج، فلما نزل خیبر أخذته الشقیقة فلم یخرج الى الناس، و انّ أبا بکر أخذ رایة رسول الله ثم نهض فقاتل قتالا شدیدا ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل قتالا شدیدا و هو أشدّ من القتال الأول ثم رجع، فأخبر بذلک رسول الله (ص) فقال: لأعطینّها غدا رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله یأخذها عنوة، و لیس ثمّ علی، فتطاولت لها قریش و رجا کل رجل منهم أن یکون صاحب ذلک، فأصبح و جاء علی بن أبی طالب على بعیر له حتّى إذا أناخ قریبا و هو أرمد و قد عصب عینیه بشقّة برد قطری، فقال رسول الله: ما لک؟ قال: قال رمدت بعدک. قال (ص): ادن منّی، فتفل فی عینیه فما وجعها حتّى مضى لسبیله، ثم أعطاه الرایة فنهض بها و علیه جبّة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، فأتى مدینة خیبر و خرج مرحب صاحب الحصن و علیه مغفر یمانی و حجر قد ثقبه مثل البیضة على رأسه، و هو یرتجز و یقول:
قد علمت خبیر انّی مرحب
شاک سلاحی بطل مجرّب
إذا اللیوث أقبلت تلهّب
و أحجمت عن صولة المغلّب
فقال علی:
أنا الذی سمّتنی امّی حیدرة
کلیث غابات شدید القسورة
أکیلکم بالصاع کیل السّندرة
قال: فاختلفا ضربتین، فبدره علی بضربة فقدّ الحجر و المغفر و رأسه و وقع فی الأضراس و أخذ المدیة.
و قد روى الحافظ البزّار عن عباد بن یعقوب، عن عبد الله بن بکر، عن حکیم بن جبیر، عن ابن عباس قصّة بعث أبی بکر ثم عمر یوم خیبر ثم بعث علی فکان الفتح على یدیه، ثم قال: و قد روى مسلم و البیهقی و اللفظ له من طریق عکرمة بن عمّار عن ایاس بن سلمة بن الأکوع عن أبیه.
أقول: ثم ذکر قصة عامر و شهادته التی قد سبقت قبل ذلک، الى أن قال: قال أرسل رسول الله (ص) الى علی یدعوه و هو أرمد، و قال لأعطینّ الرایة الیوم رجلا یحبّ الله و رسوله. قال: فجئت به أقوده. قال: فبصق فی عینیه فبرأ، فأعطاه الرایة فبرز مرحب و هو یقول الى أن قال: فبرز له علی و هو یقول، ثم قال: فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله و کان الفتح.
ثم قال ابن کثیر: و قال أحمد: حدّثنا حسین بن حسن الأشقر، حدّثنی قابوس بن أبی ظبیان، عن أبیه، عن جده، عن علی قال: لمّا قتلت مرحبا جئت برأسه الى رسول الله. ثم نقل ابن کثیر القول الآخر فی قاتل مرحب الیهودی، انتهى.
و قال ابن الأثیر(11): قال بریدة الأسلمی: کان رسول الله (ص) ربما أخذته الشقیقة فیلبث الیوم و الیومین لا یخرج، فلمّا نزلت خیبر أخذته. الى أن قال: فقال (ص): أما و الله لأعطینّها غدا رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله یأخذها عنوة، و لیس ثم علی کان قد تخلّف بالمدینة لرمد لحقه، فلمّا قال رسول الله (ص) مقالته هذه تطاولت لها قریش و رجا کل واحد منهم أن یکون صاحب ذلک، فأصبح فجاء علی على بعیر … الخ.
و فی منتخب کنز العمال بهامش المسند (ج 5 ص 44) عن أبی لیلى قال انّ رسول الله (ص) بعث أبا بکر فسار بالناس فانهزم حتّى رجع علیه و بعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إلیه فقال رسول الله (ص) لأعطینّ الرایة رجلا یحب الله و رسوله یفتح الله له لیس بفرّار و رواه باسناده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص) لأعطینّ الرایة رجلا یحب الله و رسوله کرّار غیر فرّار یفتح الله على یدیه جبریل عن یمینه و میکائیل عن یساره … الخ.
و فی تاریخ البخاری (ج 1 قسم 2 ص 115) باسناده عن عامر بن سعد سمعت النبی (ص) یوم خیبر یقول (ص) لأعطینّ الرایة رجلا یحب الله و رسوله و یحبه الله و رسوله فتطاولنا فقال (ص) ادعوا علیا. و فی تاریخ بغداد (ج 8 ص 5) ذکر حدیث الرایة.
و روى الطبری(12) باسناده عن بریدة الأسلمی قال: لمّا کان حین نزل رسول الله (ص) بحصن أهل خیبر أعطى رسول الله (ص) اللواء عمر بن الخطاب و نهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خیبر فانکشف عمر و أصحابه فرجعوا الى رسول الله یجبّنه أصحابه و یجبّنهم. هکذا رواه ابن حجر فی مجمع الزوائد فی الجزء التاسع ص 123.
فقال رسول الله: لأعطینّ اللواء غدا رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله، فلمّا کان من الغد تطاول لها أبو بکر و عمر، فدعا علیّا و هو أرمد، فتفل فی عینیه و أعطاه اللواء و نهض معه من الناس من نهض. قال: فلقی أهل خیبر فاذا مرحب یرتجز و یقول:
قد علمت خیبر انّی مرحب
شاکی السلاح بطل مجرب
أطعن أحیانا و حینا أضرب
إذا اللیوث أقبلت تلهّب
فاختلف هو و علی ضربتین، فضربه علی على هامته حتّى عضّ السیف منها بأضراسه، و سمع أهل العسکر صوت ضربته، فما تتامّ آخر الناس مع علی علیه السّلام حتّى فتح الله له و لهم. ثم روى الطبری ما رواه ابن کثیر و ابن الأثیر عن بریدة الأسلمی، انتهى.
قال محمد بن سعد(13): أخبرنا عفان بن مسلم، قال حدّثنا وهیب، قال حدّثنا سهیل، عن
أبیه، عن أبی هریرة قال: قال رسول الله یوم خیبر: لأدفعنّ الرایة الى رجل یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله و یفتح علیه. قال عمر: فما أحببت الامارة قبل یومئذ، فتطاولت لها و استشرفت رجاء أن یدفعها إلیّ، فلمّا کان الغد دعا علیّا فدفعها إلیه فقال: قاتل و لا تلتفت حتّى یفتح الله علیک. فسار قریبا ثم نادى: یا رسول الله علام أقاتل؟ قال (ص): حتّى یشهدوا أن لا إله إلّا الله و انّ محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلک فقد منعوا منّی دماءهم إلّا بحقها و حسابهم على الله.
ثم روى قصة عامر و شهادته الى أن قال: قال سلمة: انّ نبی الله (ص) أرسلنی الى علی بن أبی طالب فقال: لأعطینّ الرایة الیوم رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله. قال: فجئت به أقوده أرمد، فبصق رسول الله (ص) فی عینیه ثم أعطاه الرایة، فخرج مرحبا یخطر بسیفه فقال: قد علمت خیبر … الخ. فقال علی بن أبی طالب صلوات الله علیه و برکاته: أنا الذی سمّتنی امّی حیدرة … الخ، ففلق رأس مرحب بالسیف و کان الفتح على یدیه، انتهى.
و روى الإمام أحمد(14): باسناده عن عبد الرحمن بن أبی لیلى عن علی انّه قال قال (ص): لأعطینّ الرایة رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله لیس بفرّار فتشرف لها أصحاب النبی (ص) فأعطانیها رواه فی المسند فی الجزء الأول ص 99. و رواه أیضا باسناده عن ابن عباس فی ص 331 قال قال النبی (ص): لأبعثنّ رجلا لا یخزیه الله أبدا یحبّ الله و رسوله … الخ.
و رواه فی ص 185 باسناده عن سعد بن أبی وقّاص قال سمعته یقول لأعطینّ الرایة الحدیث.
و قال ابن هشام(15): قال ابن إسحاق: و حدّثنی بریدة بن سفیان بن فروة الأسلمی، عن أبیه سفیان بن فروة، عن سلمة بن عمرو ابن الأکوع قال: بعث رسول الله (ص) أبا بکر برایته و کانت بیضاء الى بعض حصون خیبر، فقاتل فرجع و لم یکن فتح و قد جهد، ثم بعث الغد عمر
ابن الخطاب فقاتل ثم رجع و لم یک فتح و قد جهد، فقال رسول الله (ص): لأعطینّ الرایة غدا رجلا یحبّ الله و رسوله یفتح الله على یدیه لیس بفرّار. قال: یقول سلمة: فدعا رسول الله (ص) علیّا و هو أرمد، فتفل فی عینیه ثم قال: خذ هذه الرایة فامض بها حتّى یفتح الله علیک. قال: یقول سلمة: فخرج و الله بها یأنح و یهرول هرولة و أنا لخلفه نتّبع أثره، حتّى رکز رایته فی رضم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع إلیه یهودی من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: أنا علی بن أبی طالب. قال: یقول الیهودی: علوتم و ما أنزل على موسى أو کما قال، فما رجع حتّى فتح الله على یدیه، انتهى.
و قال الواقدی: فقال رسول الله (ص) بعد ما صلّى المغرب من یوم لقی أصحابه ما لقوا من الیهود: انّی معطی رایتی رجلا لا یرجع حتّى یفتح الله علیه خیبر، فرجع أصحاب رسول الله (ص) الى رحالهم مستبشرین ببشارة رسول الله، فباتوا طیّبة أنفسهم مستیقنین انّ الله فاتح علیهم غدا، ثم جلسوا على مصافهم و أخذوا رایاتهم، و لیس من أصحاب رسول الله رجل ذو شرف أو منزلة من النبی (ص) إلّا و هو یرجو أن یکون هو صاحب الفتح الذی ذکر رسول الله، فلمّا أخذ القوم رایاتهم أخذ رسول الله (ص) رایته فهزّها و دعا ربّه ثم أعطاها علی بن أبی طالب، فمضى و مضى الناس … الخ.
و قال الکازرونی الیمانی: قالت الرواة: ثم انّ الله قد فتحها علینا- یعنی خیبر- و ذلک انّ النبی (ص) أعطى الرایة عمر بن الخطاب فنهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خیبر فانکشف عمر و أصحابه فرجعوا الى رسول الله و کان (ص) قد أخذته الشقیقة. ثم نقل الحدیث کما مر سابقا الى أن قال: فقال (ص): أنا و الله لأعطینّ الرایة غدا رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله یأخذها عنوة. قال الراوی: و لیس ثمّ علی، فلمّا کان من الغد تطاول لها أبو بکر و عمر و قریش یرجو کل واحد أن یکون هو صاحب ذلک، فأرسل رسول الله (ص) سلمة بن الأکوع الى علی، فجاءه و هو أرمد قد عصب عینیه بشقة برد قطری، فتفل فی عینیه فما وجعهما بعد حتّى مضى لسبیله، ثم أعطاه الرایة فقاتل حتّى فتح مدینة خیبر، انتهى.
و فی کتاب الأنس الجلیل ص 179 للشیخ القاضی عبد الرحمن مجیر الدین الحنبلی
المقدسی قال و کان علی (ع) قد تخلف فی المدینة لرمد لحقه فلمّا أصبحوا جاء علی (ع) فتفل النبی (ص) فی عینیه فما اشتکى رمدا بعدها و أعطاه الرایة فنهض بها و أتى خیبر فأشرف علیه رجل من یهود خیبر و قال: من أنت؟ قال: أنا علی بن أبی طالب، فقال الیهودی: غلبتم یا معشر یهود فخرج مرحب من الحصن و علیه مغفر یمانی و على رأسه بیضة عادیة و هو یقول الأبیات فخرج إلیه علی (ع) و هو یقول الأبیات فاختلف بینهما ضربتان فسبقه علی (ع) فقدّ البیضة و المغفر و رأسه فسقط عدو الله میتا و کان فتح خیبر فی صفر على ید علی (ع).
و قال الزینی دحلان(16): و کان (ص) تأخذه الشقیقة فی بعض تلک الأیام، فیبعث أناسا من أصحابه فلم یکن فتح، ثم قال (ص) لمحمد بن مسلمة: لأعطینّ الرایة غدا لرجل یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله لا یولّى الدبر یفتح الله عزّ و جلّ على یدیه فیمکّنه الله من قاتل أخیک، و عند ذلک لم یکن أحد من الصحابة له منزلة عند النبی (ص) إلّا و رجا أن یعطاها، و فی روایة فبات الناس یخوضون لیلتهم أیّهم یعطاها، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله کلّهم یرجو أن یعطاها، و عن عمر بن الخطاب انّه قال: ما أحببت الامارة إلّا ذلک الیوم، و یروى انّ علیّا لمّا بلغه مقالته (ص) قال: اللهم لا معطی لما منعت و لا مانع لما أعطیت، فبعث رسول الله (ص) الى علی و کان أرمد شدید الرمد، و کان قد تخلف بالمدینة ثم لحق بالقوم، فقیل للنبی (ص) انّه یشتکی عینیه. فقال: من یأتینی به، فذهب إلیه سلمة ابن الأکوع و أخذ بیده یقوده حتّى أتى به النبی و قد عصب عینیه، فعقد له لواءه الأبیض.
و فی شرح مواقف العضدی فی الجزء الثانی ص 475 ذکر حدیث الرایة و انهزام أبو بکر و عمر فی تلک الغزوة.
الى أن قال: قال علی: یا رسول الله انّی أرمد کما ترى لا أبصر موضع قدمی، فوضع رأسه فی حجره ثم بصق فی عینیه، و فی روایة فتفل فی کفّه و فتح له عینیه فدلکهما فبرأ حتّى کأن لم یکن بهما وجع، و قال علی: فما رمدت بعد یومئذ، و فی روایة فما رمدت و لا صدعت، و فی لفظ
فما اشتکیتهما حتّى الساعة. و فی هذه السیاق لطیفة، و هو انّ من طلب شیئا أو تعرّض لطلبه یحرمه غالبا، و انّ من لم یطلب الشیء و لا یتعرّض لطلبه ربما وصل إلیه.
الى أن قال: ثم دعا النبی (ص) لعلی: اللهم اکفه الحر و البرد. قال علی: فما وجدت بعد ذلک لا حرّا و لا بردا، فکان یلبس فی الحرّ الشدید القباء المحشو الثخین، و یلبس فی البرد الشدید الثوبین الخفیفین، و فی لفظ الثوب الخفیف فلا یبالی البرد، و کان یفعل ذلک اظهارا لهذه المعجزة و تحقیقا لها.
و قد یخالف ذلک ما حکاه بعضهم قال: دخل رجل على علی و هو یرعد تحت سمل قطیفة أی قطیفة خلقة، فقال: یا أمیر المؤمنین انّ الله جعل لک فی هذا المال نصیبا و أنت تصنع بنفسک هکذا. فقال: و الله لا أزرؤکم من مالکم، فانّها لقطیفتی التی خرجت بها من المدینة.
و قد یقال: لا مخالفة، لجواز أن تکون رعدته تلک الحمى أصابته فی ذلک الوقت لا لشدّة البرد کما ظنّه السائل.
ثم قال: ثم انّ النبی (ص) أعطى علیّا الرایة لیذهب للقتال، فقال علی: و اقاتلهم حتّى یکونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلک حتّى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الإسلام، أی أخبرهم بما یجب علیهم من حقّ الله فی الإسلام، فإن لم یطیعوا لک بذلک فقاتلهم، فو الله لأن یهدی الله بک رجلا واحدا خیر لک من حمر النعم. و فی روایة قال علی: علام اقاتلهم؟ قال: على أن یشهدوا أن لا إله إلّا الله و انّی رسول الله، فاذا فعلوا ذلک فقد حقنوا دماءهم و أموالهم.
و فی روایة: لمّا اعطاه الرایة قال (ص): امش فلا تلتفت، فسار شیئا ثم وقف و لم یلتفت، فصرخ: یا رسول الله علام اقاتلهم؟ قال (ص): قاتلهم حتّى یشهدوا أن لا إله إلّا الله و انّ محمدا رسول الله، فاذا فعلوا ذلک فقد منعوا منک دماءهم و أموالهم إلّا بحقّها و حسابهم على الله.
و عن حذیفة قال: لمّا تهیأ علی یوم خیبر للحملة قال رسول الله: یا علی و الذی نفسی بیده انّ معک من لا یخذلک، هذا جبریل عن یمینک بیده سیف لو ضرب به الجبال لقطعها، فابشر بالرضوان و الجنة یا علی، انّک سیّد العرب و أنا سیّد ولد آدم.
و فی روایة انّه (ص) کان یعطی الرایة کل یوم واحدا من أصحابه و یبعثه، فبعث أبا بکر
فقاتل و رجع. الى أن قال: فقال (ص): لأعطینّ الرایة غدا رجلا یحبّ الله و رسوله یفتح الله على یدیه کرّار غیر فرّار، فدعا علیّا.
الى أن قال: و فی روایة ألبسه درعه الحدید، و شدّ ذا الفقار الذی هو سیفه فی وسطه، و أعطاه الرایة، و وجّهه الى الحصن. فخرج علی یهرول حتّى رکزها تحت الحصن، ثم قال: ثم خرج إلیه أهل الحصن، و کان أول من خرج إلیه الحرث أخو مرحب، و کان معروفا بالشجاعة، فانکشف المسلمون، و وثب علی فتضاربا و تقاتلا، فقتله علی و انهزم الیهود الى الحصن، ثم خرج إلیه مرحب.
و فی روایة: انّ مرحبا لمّا علم انّ أخاه قد قتل خرج سریعا من الحصن، و قد لبس درعین و تقلّد بسیفین و اعتم بعمامتین و لبس فوقهما مغفرا و حجرا قد ثقبه قدر البیضة و معه رمح لسانه ثلاثة أسنان، و هو یرتجز. ثم قال: ثم حمل مرحب على علی و ضربه فطرح ترسه من یده، فتناول علی بابا کان عند الحصن فتترّس به عن نفسه، فلم یزل فی یده و هو یقاتل حتّى فتح الله علیه الحصن، ثم ألقاه من یده وراء ظهره، و کان طول الباب ثمانین شبرا، و لم یحرکه بعد ذلک سبعون رجلا إلّا بعد جهد. ففیه دلالة على فرط قوّة علی و کمال شجاعته.
و عن أبی رافع قال: لقد رأیتنی فی سبعة نجهد على أن نقلّب ذلک الباب فلم نقدر. رواه ابن إسحاق و البیهقی و الحاکم.
و عن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین عن جابر: انّ علیّا حمل الباب یوم خیبر، و انّه جرّب بعد ذلک فلم یحمله أربعون رجلا. رواه البیهقی.
و فی روایة للبیهقی: انّ علیّا لمّا انتهى الى الحصن المسمّى بالقموص اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض، فاجتمع علیه بعده منّا سبعون رجلا، فکان جهدهم أن أعادوا الباب مکانه.
و هذا لا یعارض روایة الأربعین، لأنهم عالجوا فما قدروا فتکاملوا سبعین. و أمّا الروایة السابقة التی فیها لقد رأیتنی فی سبعة فقد قال الحافظ ابن حجر: الجمع بینها و بین روایة الأربعین انّ السبعة عالجوا قلبه و الأربعین عالجوا حمله، و الفرق بین الأمرین ظاهر.
ثم قال: ثم انّ علیا ضرب مرحبا فتترّس، فوقع السیف على الترس، فقدّه و شقّ المغفر
و الحجر الذی تحته و العمامتین، و فلق هامته حتّى أخذ السیف فی الأضراس. و الى ذلک أشار بعضهم و قد أجاد بقوله:
و شاذن أبصرته مقبلا
فقلت من وجدی به مرحبا
قد فؤادی فی الهوى قدة
قدّ علی فی الوغى مرحبا
ثم قال: و ما ذکر من قتل علی لمرحب هو الصحیح المروی فی صحیح مسلم و غیره، و قد ذکر بعض أهل السیر انّ الذی قتل مرحبا محمد بن مسلمة، فقال: انّ مرحبا طلب المبارزة، فقال رسول الله (ص): من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا یا رسول الله، فانّ أخی قتل بالأمس و لم یأخذ أحد بثاره، و کان الذی قتله مرحب، فقال: قم إلیه، اللهم أعنه علیه. فقام إلیه و بارزه، فضربه مرحب فاتّقى محمد بن مسلمة ضربته بدرقته، فوقع سیف مرحب فیها فعضّت علیه و أمسکته، فضربه محمد بن مسلمة فقتله. و فی روایة: فضربه فی ساقه.
ثم قال: فیحتمل انّه بارزه و ضربه فی ساقه و علی هو الذی قتله، و قیل: انّ الذی قتله محمد ابن مسلمة انّما هو الحرث أخو مرحب فاشتبه على بعض الرواة. و کان مکتوبا على سیف مرحب: هذا سیف مرحب من یصبه یعطب.
و قول علی: أنا الذی سمّتنی امّی حیدرة، أراد بذلک اعلام مرحب برؤیة رآها علمها علی مکاشفة، و ذلک انّ مرحبا رأى تلک اللیلة مناما انّ أسدا افترسه، فأشار بقوله «حیدرة» و هو من أسماء الأسد الى انّه الأسد الذی یفترسه، فلمّا سمع ذلک مرحب ارتعد و ضعفت نفسه. و هذا الاسم سمّت علیّا به امّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، أرادت أن یکون اسم ابنها کاسم أبیها، و کان أبو طالب غائبا، فلمّا قدم کره ذلک و سمّاه علیّا. انتهى ما نقله الزینی دحلان ملخّصا.
و قال الملّا معین فی المعارج فی الرکن الرابع ص 226 و عبد الحق الدهلوی فی المدارج ص 326 و لمّا بلغ النبی (ص) خبر فتح خیبر سرّ بذلک غایة السرور فاستقبل علیّا (ع) و اعتنقه و قبّل عینیه و قال (ص): قد بلغنی نبأک المشکور و صنعک رضی الله عنک و رضیت أنا عنک. و فیهما قبل ذلک: انّ علیّا لمّا قلع باب الحصن تزلزت الحیطان و سقطت صفیة عن سریرها على الأرض و شجّت وجهها.
و فی المناقب المرتضویة ص 400 انّ أبا بکر و عمر قبّلا رأسه و انّ عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآیة و کفى الله المؤمنین القتال بعلی. و ص 407 قال فلمّا بلغ النبی (ص) خبر فتح خیبر سرّه ذلک غایة السرور … الخ.
و قال ابن الأثیر(11): و قیل انّ الذی قتل مرحبا و أخذ الحصن علی بن أبی طالب، و هو الأشهر و الأصح … الخ.
و قال العلّامة محمد رضا: و قیل انّ محمد بن مسلمة هو الذی قتل مرحبا انتقاما لأخیه محمود، و الصحیح الذی علیه أکثر أهل السیر و الحدیث انّ علی بن أبی طالب هو الذی قتل مرحبا … الخ.
و قال الحلبی(17): و قیل القاتل له علی، و به جزم مسلم فی صحیحه، قال بعضهم: و الأخبار متواترة به.
ثم قال: و قال ابن الأثیر: الصحیح الذی علیه أهل السیر و الحدیث انّ علیّا قاتله، و فی الاستیعاب: و الصحیح الذی علیه أهل السیر و الحدیث انّ علیّا قاتله، انتهى.
و رواه فی مجمع الزوائد(18): عن ابن عمر قال جاء رجل من الأنصار الى رسول الله (ص) فقال یا رسول الله انّ الیهود قتلوا أخی قال (ص) لأدفعنّ الرایة الى رجل یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله یفتح الله على یدیه فیمکنک من قاتل أخیک فاستشرف لذلک أصحاب رسول الله (ص) فبعث الى علی (ع) فعقد له اللواء فقال یا رسول الله (ص) انّی أرمد کما ترى و هو یومئذ أرمد فتفل فی عینیه فما رمدت بعد یومه فمضى … الخ.
و قال سبط ابن الجوزی(19): و ذکر أحمد فی الفضائل أیضا انّهم سمعوا تکبیرا من السماء فی ذلک الیوم، و قائل یقول: لا سیف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا علی.
ثم قال: فإن قیل: قد ضعّفوا لفظة لا سیف إلّا ذو الفقار. قلنا انّ الذی ذکروه انّ الواقعة کانت فی یوم أحد، و نحن نقول انّها کانت فی یوم خیبر، و کذا ذکره أحمد بن حنبل فی الفضائل، و لا کلام فی یوم أحد، فانّ ابن عباس قال: لمّا قتل علی طلحة بن أبی طلحة حامل لواء المشرکین صاح صائح من السماء: لا سیف إلّا ذو الفقار. قالوا: فی اسناد هذه الروایة عیسى ابن مهران، تکلّم فیه و قالوا کان شیعیّا. أمّا یوم خیبر فلم یطعن فیه أحد من العلماء. و قیل: انّ ذلک کان یوم بدر، و الأول أصح. و قال جابر بن عبد الله: حمل علی باب خیبر وحده فدحاه ناحیة، ثم جاء بعده الناس یحملونه فلم یحمله إلّا أربعون رجلا … الخ.
و قال ابن کثیر(20): روى البیهقی و الحاکم من طریق مطّلب بن زیاد عن لیث بن أبی سلیم عن أبی جعفر الباقر عن جابر: انّ علیّا حمل الباب یوم خیبر حتّى صعد المسلمون علیه فافتتحوها، و انّه جرّب بعد ذلک فلم یحمله أربعون رجلا … الخ.
و قال ابن صباغ المالکی(21): و فی صحیح البخاری و مسلم و غیرهما من الصحاح انّ النبی (ص) قال: لأعطینّ الرایة … الخ.
ثم قال: و فی ذلک یقول حسّان بن ثابت فی مدحه (ع):
و کان علی أرمد العین یبتغی
دواء فلمّا لم یحسّ مداویا
شفاه رسول الله منه بتفلة
فبورک مرقیّا و بورک راقیا
و قال سأعطى رایة القوم فارسا
کمینا شجاعا فی الحروب محاربا
یحب إلها و الإله محبّه
به یفتح الله الحصون الأوابیا
فخصّ لها دون البریة کلهم
علیّا و سمّاه الولیّ مواخیا
ثم قال: و فی صحیح مسلم: قال عمر بن الخطاب فما أحببت الامارة إلّا یومئذ فتساورت لها … الخ.
و قال الحلبی(22): ثم قال (ص) لمحمد بن مسلمة: لأعطینّ الرایة الى رجل یحبّ الله و رسوله و یحبّانه، و فی لفظ: لأدفعنّ الرایة الى رجل یحبّ الله و رسوله لا یولّى الدبر یفتح الله عزّ و جلّ على یده فیمکّنه الله من قاتل أخیک، و عند ذلک لم یکن من الصحابة أحد له منزلة عند النبی (ص) إلّا یرجو أن یعطاها، و عن عمر بن الخطاب انّه قال: ما أحببت الامارة إلّا ذلک الیوم، و لعل ذلک لا ینافی ما جاء انّ وفد ثقیف جاؤه (ص) قال لهم: لتسلمنّ أو لأبعثنّ إلیکم رجلا منّی- و فی روایة مثل نفسی- فلیضربنّ أعناقکم و لیسبینّ ذراریکم و لیأخذنّ أموالکم، قال عمر: فو الله ما تمنّیت الامارة إلّا یومئذ و جعلت أنصب صدری له (ص) رجاء أن یقول هو هذا، فالتفت (ص) الى علی فأخذ بیده و قال: هو هذا هو هذا.
و قد یقال: لا یلزم من محبّة الشیء تمنّیه بخلاف العکس، ففی هذه الغزوة أحبّ الامارة و ما تمنّاها، و فی وفد ثقیف المتأخّر عن هذه الغزوة تمنّاها، لأنّ الوصف فی ذلک أبلغ من الوصف هنا. ثم قال: فلیتأمّل.
الى أن قال: و عن حذیفة لمّا تهیّأ علی یوم خیبر للحملة قال له رسول الله (ص): یا علی و الذی نفسی بیده انّ معک من لا یخذلک، هذا جبریل عن یمینک بیده سیف لو ضرب الجبال لقطعها، فاستبشر بالرضوان و الجنة یا علی، انّک سیّد العرب و أنا سیّد ولد آدم … الخ.
و قال ابن ماجة(23): حدّثنا عثمان بن أبی شیبة، ثنا وکیع، ثنا ابن أبی لیلى، ثنا الحکم، عن عبد الرحمن بن أبی لیلى قال: کان أبو لیلى یسمر مع علی، فکان یلبس ثیاب الصیف فی الشتاء و ثیاب الشتاء فی الصیف، فقلنا: لو سألته، فقال: انّ رسول الله (ص) بعث إلیّ و أنا أرمد العین، یوم خیبر، قلت: یا رسول الله انّی أرمد العین فتفل فی عینی ثم قال: اللهم أذهب عنه الحرّ و البرد. قال: فما وجدت حرّا و لا بردا بعد یومئذ. و قال (ص) لأبعثنّ رجلا یحب الله و رسوله و یحبه الله و رسوله لیس بفرّار، فتشرف له الناس، فبعث الى علی فأعطاه إیّاه.
و روى مسلم(24): باسناده عن عامر بن سعد بن أبی وقّاص عن أبیه قال: أمر معاویة بن أبی سفیان سعدا فقال: ما منعک أن تسبّ أبا التراب؟ قال: أمّا ما ذکرت ثلاثا قالهنّ له رسول الله (ص) فلن أسبّه، لأن تکون لی واحدة منهنّ أحبّ إلیّ من حمر النعم، سمعت رسول الله (ص) یقول له خلّفه فی بعض مغازیه فقال له علی: یا رسول الله خلّفتنی مع النساء و الصبیان، فقال له رسول الله: أما ترضى أن تکون منی بمنزلة هارون من موسى إلّا انّه لا نبوة بعدی، و سمعته یقول یوم خیبر: لأعطینّ الرایة رجلا یحبّ الله و رسوله و یحبّه الله و رسوله.
قال: فتطاولنا لها. فقال (ص): ادعوا لی علیّا، فأتى به أرمد، فبصق فی عینه و دفع الرایة إلیه ففتح الله علیه، و لمّا نزلت هذه الآیة «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» دعا رسول الله (ص) علیّا و فاطمة و حسنا و حسینا فقال: اللهم هؤلاء أهلی.
ثم روى مسلم حدیث الرایة باسناده عن أبی هریرة و سهل بن سعد و سلمة الأکوع، و قد نقلناه عنه قبلا عن بعض أهل السیر و التواریخ.
أقول: فقد ظهر من مجموع ما تلوناه على القارىء أمور:
1) الکامل 2/ 216.
2) تاریخ الطبری 2/ 657.
3) الطبقات الکبرى 2/ 106.
4) السیرة النبویة 3/ 342.
5) السیرة الحلبیة 3/ 33.
6) السیرة النبویة 3/ 345.
7) السیرة الحلبیة 3/ 34.
8) السیرة لدحلان 2/ 52.
9) تاریخ الطبری 3/ 9.
10) السیرة النبویة 3/ 351- 357.
11) الکامل 2/ 219.
12) تاریخ الطبری 3/ 11.
13) الطبقات الکبرى 2/ 110.
14) مسند الإمام أحمد 1/ 99.
15) السیرة النبویة 3/ 349.
16) السیرة لدحلان 2/ 54.
17) السیرة الحلبیة 3/ 38.
18) مجمع الزائد 9/ 123.
19) تذکرة الخواص ص 33.
20) السیرة النبویة 3/ 359.
21) الفصول المهمة 37.
22) السیرة الحلبیة 3/ 35.
23) سنن ابن ماجة 1/ 43.
24) صحیح مسلم 4/ 1871 ج 32.