جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

غزوة مؤتة (4)

زمان مطالعه: 10 دقیقه

ثم قال: ثم سریّة مؤتة، و هی بأدنى البلقاء، و البلقاء دون دمشق فی جمادى الأولى سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص).

قالوا: بعث رسول الله (ص) الحارث بن عمیر الأزدی أحد بنی لهب الى ملک بصرى بکتاب، فلمّا نزل مؤتة عرض له شرحبیل بن عمرو الغسّانی فقتله و لم یقتل لرسول الله رسول غیره، فاشتدّ ذلک علیه (ص) و ندب الناس فأسرعوا و عسکروا بالجرف و هم ثلاثة آلاف، فقال رسول الله (ص): أمیر الناس زید بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبی طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فلیرتضی المسلمون منهم رجلا فلیجعلوه علیهم و عقد لهم رسول الله (ص) لواء أبیض و دفعه الى زید بن حارثة، و أوصاهم رسول الله أن یأتوا مقتل الحارث بن عمیر و أن یدعوا من هناک الى الإسلام، فإن أجابوا و إلّا استعانوا علیهم بالله و قاتلوهم. و خرج مشیّعا لهم حتّى بلغ ثنیّة الوداع، فوقف و ودّعهم، فلمّا ساروا من معسکرهم نادى المسلمون: دفع الله عنکم و ردّکم صالحین غانمین … الخ.

و قال ابن الأثیر(1): فلمّا ودّع عبد الله بن رواحة بکى عبد الله، فقال له الناس: ما یبکیک؟ فقال: ما بی حبّ الدنیا و لا صبابة بکم، و لکن سمعت رسول الله یقرأ آیة و هی «وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها کانَ عَلى‏ رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیًّا» فلست أدری کیف لی بالصدر بعد الورود. فقال المسلمون: صحبکم الله وردّکم إلینا سالمین. فقال عبد الله بن رواحة:

لکنّنی أسأل الرحمن مغفرة

و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بیدی حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء و الکبدا

حتّى یقولوا إذا مرّوا على جدثی

یا أرشد الله من غاز و قد رشدا

الى أن قال: ثم ساروا حتّى نزلوا معان من أرض الشام، فبلغهم انّ هرقل سار إلیهم فی مائة ألف من الروم و مائة ألف من المستعربة من لخم و جذام و بلقین و بلیّ، علیهم رجل من بلیّ یقال له مالک بن رافلة، و نزلوا مشارف من أرض البلقاء، فأقام المسلمون بمعان لیلتین ینظرون فی أمرهم و قالوا: نکتب الى رسول الله نخبره الخبر و ننتظر أمره، فشجّعهم عبد الله بن رواحة على المضیّ و قال: یا قوم و الله انّ التی تکرهون للّتی خرجتم إیّاها تطلبون الشهادة، و ما نقاتل‏

الناس بعدد و لا قوّة و لا کثرة، ما نقاتلهم إلّا بهذا الدین الذی أکرمنا الله به، فانطلقوا فما هی إلّا إحدى الحسنیین، إمّا ظهور و إمّا شهادة. فقال الناس: صدق و الله، و ساروا و سمعه زید بن أرقم و کان یتیما فی حجره و قد أردفه فی مسیره ذلک على حقیبة و هو یقول:

إذا أدیتنی و حملت رحلی

مسیرة أربع بعد الحساء

فشأنک فانعمی و خلاک ذمّ

و لا أرجع الى أهلی وراء

و جاء المسلمون و غادرونی

بأرض الشام مشهور الثواء

و ردّک کل ذی نسب قریب

من الرحمن منقطع الاخاء

هنالک لا أبالی طلع بعل

و لا نخل أسافلها رواء

فلمّا سمعها بکى، فخفقه بالدرّة و قال: ما علیک یا لکع، یرزقنی الله الشهادة و ترجع بین شعبتی الرحل. ثم ساروا، فالتقتهم جموع الروم و العرب بقریة من البلقاء یقال لها مشارف، ثم دنى العدوّ و انحاز المسلمون الى قریة یقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها و تعبؤا، و کان على میمنة المسلمین قطبة بن قتادة الغدری و على میسرتهم عبایة بن مالک الأنصاری، فاقتتلوا قتالا شدیدا، فقاتل زید بن حارثة برایة رسول الله (ص) حتّى شاط فی رماح القوم.

ثم أخذها جعفر بن أبی طالب فقاتل بها و هو یقول:

یا حبّذا الجنة و اقترابها

طیّبة و بارد شرابها

و الروم روم قد دنى عذابها

کافرة بعیدة أنسابها

علیّ إذ لاقیتها ضرابها

فلمّا اشتدّ القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتّى قتل، و کان جعفر أول من عقر فرسه فی الإسلام، فوجدوا به بضعا و ثمانین بین رمیة و ضربة و طعنة.

فلمّا قتل أخذ الرایة عبد الله بن رواحة، ثم تقدم فتردّد بعض التردّد، ثم قال یخاطب نفسه:

أقسمت یا نفس لتنزلنّه

طائعة أو لا لتکرهنّه‏

إن أجلب الناس و شدّوا الرنة

ما لی أراک تکرهین الجنة

قد طالما قد کنت مطمئنّة

هل أنت إلّا نطفة فی شنّة

و قال أیضا:

یا نفس إن لم تقتلی تموتی

هذا حمام الموت قد صلیتی‏

و ما تمنّیت فقد أعطیتی

إن تفعلی فعلهما هدیتی‏

ثم نزل عن فرسه، و أتاه ابن عمّ له بعرق من لحم فقال: شدّ بهذا صلبک، فقد لقیت أیامک هذه ما لقیت، فأخذه فانتهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة فی ناحیة العسکر، فقال لنفسه: و أنت فی الدنیا، ثم ألقاه و أخذ سیفه و تقدّم فقاتل حتّى قتل.

و اشتدّ الأمر على المسلمین، و کلب علیهم العدوّ، و قد کان قطبة بن قتادة قتل قبل ذلک مالک بن رافلة قائد المستعربة.

ثم انّ الخبر جاء من السماء فی ساعته الى النبی (ص)، فصعد المنبر و أمر فنودی الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال: ثار خبر ثلاثا عن جیشکم هذا الغازی انّهم لقوا العدوّ، فقتل زید شهیدا فاستغفر له، ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتّى قتل شهیدا فاستغفر له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، و صمت حتّى تغیّرت وجوه الأنصار و ظنّوا انّه قد کان من عبد الله ما یکرهون، ثم قال رسول الله (ص) فقاتل القوم حتّى قتل شهیدا. ثم قال لقد رفعوا الى الجنة على سرر من ذهب، فرأیت فی سریر ابن رواحة ازورارا عن سریر صاحبیه، فقلت: عمّ هذا؟ فقیل: مضیا و تردّد بعض التردّد ثم مضى … الخ.

و قال الطبری(2): فأخذ الرایة ثابت بن أرقم أخو بلعجلان- یعنی بعد أن استشهد ابن رواحة- أخذها ثابت بن أرقم فقال: یا معشر المسلمین اصطلحوا على رجل منکم. فقالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الولید، فلمّا أخذ الرایة دافع القوم و خاس بهم، ثم انحاز و تحیّز عنه حتّى انصرف بالناس … الخ.

و قال محمد بن سعد(3): فاصطلح الناس على خالد بن الولید، فأخذ اللواء و انکشف الناس، فکانت الهزیمة فتبعهم المشرکون، فقتل من قتل من المسلمین، و رفعت الأرض‏

لرسول الله (ص) حتّى نظر الى معترک القوم، فلمّا أخذ خالد بن الولید اللواء قال رسول الله (ص): الآن حمی الوطیس، فلمّا سمع أهل المدینة بجیش مؤتة قادمین تلقّوهم بالجرف، فجعل الناس یحثون فی وجوههم التراب و یقولون: یا فرّار أفررتم فی سبیل الله، فیقول رسول الله: لیسوا بفرّار و لکنّهم کرّار إن شاء الله.

قال ابن هشام(4): و حدّثنی من أثق به من أهل العلم: انّ جعفر بن أبی طالب أخذ اللواء بیمینه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضدیه حتّى قتل و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة، فأثابه الله بذلک جناحین فی الجنة یطیر بهما حیث شاء. و یقال: انّ رجلا من الروم ضربه یومئذ ضربة فقطعه بنصفین … الخ.

و قال محمد بن سعد(5): فوجد فی أحد نصفیه بضعة و ثلاثون جرحا، و قالوا و وجدوا فیما قیل من بدن جعفر اثنتان و سبعون ضربة بسیف و طعنة برمح.

ثم روى باسناده عن عامر انّه قال: بعثنی رسول الله الى الشام، فلمّا رجعت مررت على أصحابی و هم یقاتلون المشرکین بمؤتة، قلت: و الله لا أبرح الیوم حتّى أنظر الى ما یصیر إلیه أمرهم، فأخذ اللواء جعفر بن أبی طالب و لبس السلاح. و قال غیره: أخذ زید اللواء و کان رأس القوم، ثم حمل جعفر حتّى إذا همّ أن یخالط العدوّ رجع فوحّش بالسلاح- أی رمى به- ثم حمل على العدوّ و طاعن حتّى قتل، ثم أخذ اللواء زید بن حارثة فطاعن حتّى قتل، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فطاعن حتّى قتل، ثمّ انهزم المسلمون أسوأ هزیمة رأیتها قط حتّى لم أر إثنین جمیعا، ثم أخذ اللواء رجل من الأنصار، ثم سعى به حتّى إذا کان أمام الناس رکزه ثم قال: إلیّ أیّها الناس، فاجمع الله الناس حتّى إذا کثروا مشى باللواء الى خالد بن الولید، فقال له خالد: لا آخذه منک أنت أحقّ به. فقال الأنصاری: و الله ما أخذته إلّا لک. فأخذ خالد اللواء ثم حمل على القوم فهزمهم الله أسوء هزیمة رأیتها قط، حتّى وضع المسلمون أسیافهم حیث شاؤا. و قال: فأتیت رسول الله (ص) فأخبرته، فشقّ ذلک علیه. الى أن قال: قال رسول‏

الله (ص): کان الذی رأیتم منّی انّه أحزننی قتل أصحابی حتّى رأیتهم فی الجنة إخوانا على سرر متقابلین، و رأیت فی بعضهم إعراضا کانّه کره السیف، و رأیت جعفرا ملکا ذا جناحین مضرّجا بالدماء مصبوغ القوادم … الخ.

و قال ابن الأثیر(6): و قال رسول الله (ص): مرّبی جعفر البارحة فی نفر من الملائکة له جناحان مخضّب القوادم بالدم.

قالت أسماء: أتانی النبی (ص) و قد فرغت من اشتغالی و غسلت أولاد جعفر و دهنتهم، فأخذهم و شمّهم و دمعت عیناه، فقلت: یا رسول الله أبلغک عن جعفر شی‏ء. قال: نعم أصیب هذا الیوم. ثم عاد الى أهله فأمرهم أن یصنعوا لآل جعفر طعاما، فهو أول ما عمل فی دین الإسلام. قالت أسماء بنت عمیس: فقمت أصنع و اجتمع إلیّ النساء، فلمّا رجع الجیش و دنا من المدینة لقیهم رسول الله (ص) و المسلمون، فأخذ عبد الله بن جعفر فحمله بین یدیه، فجعل الناس یحثون التراب على الجیش و یقولون: یا فرّار فی سبیل الله … الخ.

و قال ابن هشام(7): و خرج رسول الله (ص) الى أهله فقال: لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فانّهم قد شغلوا بأمر صاحبهم. الى أن قال: قال ابن إسحاق: فحدّثنی محمد ابن جعفر بن الزبیر، عن عروة بن الزبیر قال: لمّا دنوا من حول المدینة تلقّاهم رسول الله (ص) و المسلمون، قال: و لقیهم الصبیان یشتدّون و رسول الله (ص) مقبل مع القوم على دابّة، فقال: خذوا الصبیان فاحملوهم و اعطونی ابن جعفر، فأتی بعبد الله فأخذه فحمله بین یدیه … الخ.

و قال الزینی دحلان(8): قال بعضهم: کون ما وقع یوم مؤتة فتحا و نصرا واضح، لإحاطة العدوّ بهم و تکاثرهم علیهم، لانّهم کانوا أکثر من مائتی ألف و الصحابة رضی الله عنهم ثلاثة آلاف، و کان مقتضى العادة انّهم یقتلون بالکلیّة. و جاء فی روایة أصاب خالد منهم مقتلة

عظیمة، و أصاب غنیمة، و هذا لا یخالف ما جاء انّ طائفة من الصحابة فرّوا الى المدینة لمّا عاینوا کثرة جموع الروم، فصار أهل المدینة یقولون لها: أنتم الفرّارون، و رسول الله یقول: بل هم الکرّارون. الى أن قال: و الحاصل انّ المسلمین لمّا قتل عبد الله بن رواحة انهزموا و تفرّقوا و ذهب جماعة منهم الى المدینة، ثم اجتمع الناس لمّا انحاز خالد بن الولید و رتّب الناس.

الى أن قال: فقال رسول الله (ص): انّ الله رفع الأرض حتّى رأیت معترکهم، و حین رأى ذلک قال: حمی الوطیس- أی حمى الحرب و اشتدّت.

ثم قال: و عن أسماء بنت عمیس زوج جعفر بن أبی طالب قالت: دخل علیّ رسول الله (ص) یوم أصیب جعفر و أصحابه، فقال: ائتنی ببنی جعفر، فأتیته بهم فشمّهم و ذرفت عیناه. و فی روایة: و بکى حتّى نقطت لحیته الشریفة، فقلت: یا رسول الله بأبی أنت و أمّی ما یبکیک، أبلغک من جعفر و أصحابه شی‏ء. قال: نعم أصیبوا هذا الیوم. قالت: فقمت أصیح، و اجتمع علیّ النساء و جعل رسول الله (ص) یقول لی: یا أسماء لا تقولی هجرا و لا تضربی خدّا، و قال: اللهم قدّمه- یعنی جعفرا- الى أحسن الثواب، و اخلفه فی ذریّته بأحسن ما خلّفت أحدا من عبادک فی ذریّته. و خرج رسول الله (ص) الى أهله فقال: لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانّهم قد شغلوا بأمر صاحبهم.

و فی لفظ: انّه دخل على فاطمة و هی تقول: و اعمّاه. فقال (ص): على مثل جعفر فلتبک البواکی. ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم الیوم. و فی روایة قد شغلهم ما هم فیه.

و عن عبد الله بن جعفر: انّ سلمى مولاة النبی (ص) عمدت الى شعیر فطحنته و نسفته ثم عجنته و أدمته بزیت و جعلت علیه فلفلا. قال عبد الله: فأکلت من ذلک الطعام و حبسنی رسول الله (ص) مع اخوتی ثلاثة أیام ندور معه کلّما صار فی بیت إحدى نسائه، ثم رجعنا الى بیتنا. و هذا الطعام الذی جعل لآل جعفر هو أصل طعام التعزیة، و تسمّیه العرب الوضیمة کما تسمّی طعام العرس الولیمة و طعام القادم من السفر النقیعة و طعام البناء الوکیرة.

ثم قال: و روى الإمام أحمد بسند صحیح: ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال: لا تبکوا

على أخی بعد الیوم، ثم قال: ائتونی بابن أخی، فجی‏ء بنا کانّا أفراخ، فدعا الحلّاق فحلق رؤوسنا ثم قال: أمّا محمد فشبیه عمّنا أبی طالب، و أمّا عبد الله فشبیه خلقی و خلقی، ثم دعا لهم. قال عبد الله بن جعفر: دعا لی و قال: اللهم بارک له فی صفقة یمینه، فما بعت شیئا و لا اشتریته إلّا بورک لی فیه. الى أن قال: و قال (ص): انّ الله أبدل جعفرا بیدیه جناحین یطیر بهما فی الجنة حیث شاء.

و عن عبد الله بن عمر قال: أتیته و هو مستلق آخر النهار، فعرضت علیه الماء فقال: انّی صائم فضعه فی ترسی عند رأسی، فإن عشت حتّى تغرب الشمس أفطرت. قال: فمات صائما قبل الغروب، و وجدنا فیما بین صدره و منکبیه و ما أقبل منه تسعین جراحة ما بین ضربة بسیف و طعنة برمح.

و قال ابن کثیر(9): و أمّا جعفر بن أبی طالب فهو ابن عمّ رسول الله (ص)، و کان أکبر من أخیه علی بعشر سنین. ثم قال: أسلم جعفر قدیما و هاجر الى الحبشة، و کانت له هناک مواقف مشهورة و مقامات محمودة و أجوبة سدیدة و أحوال رشیدة. الى أن قال: و لمّا قتل وجدوا فیه بضعا و تسعین ما بین ضربة سیف و طعنة برمح و رمیة، و هو فی ذلک کله مقبل غیر مدبر، و جاء بالأحادیث تسمیته بذی الجناحین، و تقدّم فی حدیث انّه قتل و عمره ثلاث و ثلاثین سنة.

و قال ابن الأثیر فی أسد الغابة: کان عمره یوم قتل إحدى و أربعین. قال: و قیل غیر ذلک.

ثم قال ابن کثیر: قلت و على ما قیل من انّه کان أسنّ من علی بعشر سنین، یقتضی أن یکون عمره یوم قتل تسع و ثلاثون سنة، لانّ علیّا أسلم و هو ابن ثمان سنین على المشهور، فأقام بمکة ثلاث عشرة سنة و هاجر و عمره إحدى و عشرین سنة، و یوم مؤتة کان فی سنة ثمان من الهجرة. و الله أعلم.

و قد کان یقال لجعفر بعد قتله الطیّار لما ذکرنا، و کان کریما جوادا ممدحا، و کان لکرمه یقال له أبا المساکین لإحسانه إلیهم. قال الإمام أحمد: و حدّثنا عفان بن وهیب، ثنا خالد، عن‏

عکرمة، عن أبی هریرة قال: ما احتذى النعال و لا انتعل و لا رکب المطایا و لا لبس الثیاب من رجل بعد رسول الله (ص) أفضل من جعفر بن أبی طالب. ثم قال: فصل فیما قیل من الأشعار فی غزوة مؤتة، قال ابن إسحاق: و کان مما بکى به على أصحاب مؤتة قول حسّان:

تأوّبنی لیل بیثرب أعسر

و همّ إذا ما نوّم الناس مسهر

لذکرى حبیب هیّجت لی عبرة

سفوحا و أسباب البکاء التذکر

بلى انّ فقدان الحبیب بلیّة

و کم من کریم یبتلى ثم یصبر

رأیت خیار المسلمین تواردوا

شعوبا و خلفا بعدهم یتأخّر

و لا یبعدنّ الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحین جعفر

و زید و عبد الله حین تتابعوا

جمیعا و أسباب المنیّة تخطر

غداة مضوا بالمؤمنین یقودهم

الى الموت میمون النقیبة أزهر

أغرّ کضوء البدر من آل هاشم

أبیّ إذا سیم الظلامة مجسر

فطاعن حتّى مال غیر مؤسّد

بمعترک فیه القنا متکسّر

فصار مع المستشهدین ثوابه

جنان و ملتفّ الحدائق أخضر

و کنّا نرى فی جعفر من محمد

وفاء و أمرا حازما حین یأمر

و ما زال فی الإسلام من آل هاشم

دعائم عزّ لا یزلن و مفخر

هم جبل الإسلام و الناس حولهم

رضام الى طود یروق و یبهر

بها لیل منهم جعفر و ابن امّه

علیّ و منهم أحمد المتخیّر

و حمزة و العباس منهم و منهم

عقیل و ماء العود من حیث یعصر

بهم تفرج اللأواء فی کل مأزق

عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أولیاء الله أنزل حکمه

علیهم و فیهم ذا الکتاب المطهّر

قال کعب بن مالک:

نام العیون و دمع عینک یهمل. هذا مطلعه الى أن قال:

و اعتادنی حزن فبتّ کانّنی

ببنات نعش و السماک موکّل‏

و کانّما بین الجوانح و الحشا

ممّا تأوّبنی شهاب مدخل‏

وجدا على النفر الذین تتابعوا

یوما بمؤتة اسندوا لم ینقلوا

صلّى الإله علیهم من فتیة

و سقا عظامهم الغمام المسبل‏

صبروا بمؤتة للإله نفوسهم

حذر الردى و مخافة أن ینکلوا

فمضوا أمام المسلمین کانّهم

فنق علیهنّ الحدید المرفل‏

إذ یهتدون بجعفر و لواؤه

قدّام أوّلهم فنعم الأول‏

حتّى تفرّجت الصفوف و جعفر

حیث التقى و عث الصفوف مجدّل‏

فتغیّر القمر المنیر لفقده

و الشمس قد کسفت و کادت تأفل‏

قوم على بنیانه من هاشم

فرعا أشم و سؤددا ما ینقل‏

قوم بهم عصم الإله عباده

و علیهم نزل الکتاب المنزل‏

فضلوا المعاشر عزّه و تکرّما

و تغمدت أحلامهم من یجهل‏

لا یطلقون الى السفاه حباهم

و یرى خطیبهم بحقّ یفصل‏


1) الکامل 2/ 234 و 238.

2) تاریخ الطبری 3/ 40.

3) الطبقات الکبرى 2/ 129.

4) السیرة النبویة 4/ 20.

5) الطبقات الکبرى 2/ 129 و 130.

6) الکامل 2/ 238.

7) السیرة النبویة 4/ 22 و 24.

8) السیرة النبویة 4/ 70 و 71.

9) السیرة النبویة 4/ 483 و 493.