لقد کشف یهود قریظة عن الحقد و العداء الذی انطوت علیه نفوسهم یوم الخندق و لو لا أن الله أخزى الأحزاب لتمکن یهود بنی قریظة من الفتک بالمسلمین من خلف ظهورهم فکان لا بد للرسول (صلّى الله علیه و اله) من معالجة موقفهم الخیانی، و لهذا أمر النبی (صلّى الله علیه و اله) أن یتحرک المسلمون لمحاصرة الیهود فی حصونهم من دون أن یعطی فرصة للاستراحة مظهرا بذلک أهمیة الحرکة العسکریة الجدیدة فأذّن المؤذن فی الناس: من کان سامعا مطیعا فلا یصلینّ العصر الّا فی بنی قریظة(1)
و أعطى النبی (صلّى الله علیه و اله) رایته لعلی (علیه السّلام) و تبعه المسلمون مع ما بهم من ألم الجوع و السهر و الجهد من أثر محاصرة الأحزاب … و استولى الهلع و الخوف على الیهود حین رأوا الرسول (صلّى الله علیه و اله) و المسلمین یحیطون بهم و أیقنوا أن النبی غیر منصرف عنهم حتى یناجزهم.
و طلب الیهود أبا لبابة بن عبد المنذر- و کان من حلفائهم الأوس-
یستشیرونه فی أمرهم و لکنه کشف لهم عمّا کان یعلمه من مصیرهم حین قاموا إلیه صغارا و کبارا یبکون(2) و لم یقبل النبی (صلّى الله علیه و اله) عرض بنی قریظة و هو الارتحال عن المدینة من دون عقوبة بسبب موقفهم الخیانی السابق و أبى إلّا النزول على حکم الله و رسوله، و حاول الأوس التوسط- بطلب من الیهود- لدى النبی (صلّى الله علیه و اله) فقال (صلّى الله علیه و اله): الا ترضون أن أجعل بینی و بین حلفائکم رجلا منکم؟ قالوا:
بلى یا رسول الله، قال (صلّى الله علیه و اله): فقولوا لهم أن یختاروا من الأوس من شاؤوا. فاختار الیهود سعد بن معاذ(3) حکما و کان هذا من سوء حظ الیهود؛ لأن سعدا جاءهم یوم تجمعت الأحزاب طالبا منهم الحیاد فی الموقف فأبوا ذلک. و کان سعد جریحا فحملوه إلى رسول الله (صلّى الله علیه و اله) فاستقبله و قال (صلّى الله علیه و اله) لمن حوله: قوموا إلى سیدکم، فقاموا إلیه. ثم حکم سعد بقتل الرجال و سبی النساء و الذراری و تقسیم الأموال على المسلمین، فقال له النبی (صلّى الله علیه و اله): لقد حکمت فیهم بحکم الله فوق سبع أرقعة(4)
ثم إن رسول الله (صلّى الله علیه و اله) قسّم أموال بنی قریظة و نساءهم و أبناءهم على المسلمین بعد ما أخرج الخمس، للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهم، ثم أعطى الخمس الى زید بن حارثة و أمره أن یشتری بها خیلا و سلاحا و غیرها من عدّة الحرب استعدادا للمهام اللاحقة(5)
1) الطبری: 3/ 179.
2) السیرة النبویة: 2/ 237.
3) السیرة النبویة: 2/ 239، الارشاد: 50.
4) راجع السیرة النبویة: 2/ 240، المغازی: 2/ 510.
5) السیرة النبویة: 2/ 241.