من الخطابات القرآنیة الموجهة الی النبی صلی الله علیه و سلم بلفظ الاستفتاء و یکون تارة باستفتائه صلی الله علیه و سلم القوم و تارة اخری باستفتائهم ایاه و ذاک مما لم یکثر فی القرآن و انما ورد فیه بقلة و ها نحن اولاء شارحون ذلک و عارضوه…
«فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا انا خلقناهم من طین لازب»… الصافات/11
امر النبی بالاستفسار منهم عما اذا کانوا أشد خلقا من السماوات و الارض و غیرهما. و ما من شک فی أن احدا منهم لن یقول ذلک. لانه ان قاله فقد ثبت کذبه و ظهر بهتانه وبان من غروره ما یسقط من حیثیته… و استعملت کلمة الاستفتاء هنا لان الاجابة علی الاستفتاء تتطلب الصدق و الاعتماد علی العلم – خلافا کلمة السؤال – فان من یرد علیه رد من یجد فی الرد اذ انه جعل محل ثقة و اعطی مکانة استأهل بها ان یستفتی. و التعبیر بالاستفتاء کما قلنا قلیل الورود فی التنزیل…
«فاستفتهم ألربک البنات و لهم البنون، أم خلقنا الملائکة إناثا و هم شاهدون»… الصافات 50/49
الاستفتاء هو نوع من السؤال و الاستفهام یکاد یکون مصحوبا بالاستحلاف. و بهذا یکون الاستفتاء اقوی انواع الاسئلة لأن السائل المستفتی یمنح المسؤول المستفتی شیئا من الثقة بصدق جوابه «فاستفتهم ألربک البنات و لهم البنون، أم خلقنا الملائکة اناثا و هم شاهدون»… و طبیعة السؤال لا یقع لها من الجواب الا امر واحد هو نفی ما اعتقدوه فی الملائکة من أنها اناث فان لم یجیبوا علی ذلک بنعم ام لا فانهم سیجیبون علیه بالصمت المطبق. یفهم من مثل هذه الصیغ الاستفهامیة التی امر الله النبی باستعمالها فی مخاطبة القوم ان الله کان یعهد الیه مواجهة المشرکین بتکذیب معتقداتهم و تسفیه ارائهم ولکن باسلوب یتمیز بالحکمة و التعقل و الاستدراج الی جواب یفحم المجاوبین انفسهم.
و قد یکون استعمال کلمة الاستفتاء هنا قد أرید به التهکم بالقوم لانه نسب الیهم فهم الحقائق و الدقائق حین استفتاهم فیما استفتاهم فیه. اذ اوهمهم أنهم یعلمون و هم لا یعلمون…