عزم النبیّ (صلّى الله علیه و اله) على بسط الأمن فی شمال الجزیرة العربیة، و دعوة أهلها إلى الإسلام و الانطلاق نحو الشام. من هنا بعث الحارث بن عمیر الأزدی إلى الحارث ابن أبی شمر الغسانی فاعترضه شرحبیل بن عمرو الغسّانی فقتله.
و فی الفترة نفسها بعث الرسول (صلّى الله علیه و اله) مجموعة من المسلمین یدعون الى الإسلام فعدا علیهم أهل منطقة «ذات أطلاح» من الشام و قتلوهم و بلغ خبر مقتلهم الرسول فتألم لذلک کثیرا و انتدب (صلّى الله علیه و اله) المسلمین للخروج، فأعد جیشا من ثلاثة ألاف مقاتل و أمّر علیه زید بن حارثة ثمّ جعفر بن أبی طالب، ثمّ عبد الله بن رواحة. و خطب فیهم قائلا: «اغزوا بسم الله … أدعوهم إلى الدخول فی الإسلام … فإن فعلوا فاقبل منهم و اکفف عنهم … و إلّا فقاتلوا عدوّ الله و عدوّکم بالشام و ستجدون فیها رجالا فی الصوامع معتزلین الناس، فلا تعرضوا لهم، و ستجدون آخرین للشیطان فی رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسیوف، و لا تقتلن امرأة و لا صغیرا مرضعا و لا کبیرا فانیا، لا تغرقنّ نخلا و لا تقطعنّ شجرا و لا تهدموا بیتا»(2)
و خرج رسول الله (صلّى الله علیه و اله) معهم مودّعا حتى بلغ ثنیة الوداع.
و لما بلغ جیش المسلمین منطقة «مشارق» فوجئ بالعدة و العدد الضخم لجیش الروم إذ بلغ عددهم مائتی ألف مقاتل فانحاز المسلمون الى مؤتة و عزموا على مقاومة العدو. و لأسباب عدیدة بان الانکسار فی جیش المسلمین فقتل القادة الثلاثة جمیعا. و کان من عوامل الانکسار أنهم کانوا یقاتلون فی منطقة غریبة علیهم و بعیدة عن مرکز الإمدادات کما أنهم کانوا یقاتلون مهاجمین و الروم بالعدد الضخم یقاتلون مدافعین، هذا مضافا إلى التفاوت فی الخبرة القتالیة فجیش الروم قوة منظمة مارست حروبا سجالا أما جیش المسلمین فکان قلیل العدد و الخبرة، فتیّا فی تکوینه(3)
و لقد تألّم رسول الله (صلّى الله علیه و اله) لمقتل جعفر بن أبی طالب و بکاه بشدة، و ذهب (صلّى الله علیه و اله) الى بیت جعفر یعزّی أهله و یواسی أبناءه، کما حزن کثیرا على زید ابن حارثة(4)
1) وقعت معرکة مؤتة فی جمادى الاولى من السنة الثامنة للهجرة.
2) المغازی: 2/ 758، راجع السیرة النبویة: 2/ 374.
3) السیرة النبویة: 2/ 381.
4) بحار الأنوار: 21/ 54، المغازی: 2/ 766، السیرة الحلبیة: 3/ 68.