جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

مقدمة المجمع‏

زمان مطالعه: 6 دقیقه

بسم الله الرّحمن الرّحیم‏

الحمد لله الذی أعطى کلّ شی‏ء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة و السلام على من اختارهم هداة لعباده، لا سیما خاتم الأنبیاء و سیّد الرسل و الأصفیاء أبو القاسم المصطفى محمد (صلّى الله علیه و اله) و على آله المیامین النجباء.

لقد خلق الله الانسان و زوّده بعنصری العقل و الإرادة، فبالعقل یبصر و یکتشف الحقّ و یمیّزه عن الباطل، و بالإرادة یختار ما یراه صالحا له و محقّقا لأغراضه و أهدافه.

و قد جعل الله العقل الممیّز حجة له على خلقه، و أعانه بما أفاض على العقول من معین هدایته؛ فإنّه هو الذی علّم الإنسان ما لم یعلم، و أرشده إلى طریق کماله اللائق به، و عرّفه الغایة التی خلقه من أجلها، و جاء به إلى هذه الحیاة الدنیا من أجل تحقیقها.

و أوضح القرآن الحکیم بنصوصه الصریحة معالم الهدایة الربّانیة و آفاقها و مستلزماتها و طرقها، کما بیّن لنا عللها و أسبابها من جهة، و أسفر عن ثمارها و نتائجها من جهة اخرى.

قال تعالى:

قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏ [الانعام (6): 71].

وَ اللَّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ [البقرة (2): 213].

وَ اللَّهُ یَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ یَهْدِی السَّبِیلَ [الاحزاب (33): 4].

وَ مَنْ یَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ [آل عمران (3): 101].

قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدى‏ فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ [یونس (10): 35].

وَ یَرَى الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ هُوَ الْحَقَّ وَ یَهْدِی إِلى‏ صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ [سبأ (34): 6].

وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص (28): 50].

فالله تعالى هو مصدر الهدایة. و هدایته هی الهدایة الحقیقیة، و هو الذی یأخذ بید الانسان إلى الصراط المستقیم و إلى الحقّ القویم.

و هذه الحقائق یؤیدها العلم و یدرکها العلماء و یخضعون لها بمل‏ء وجودهم.

و لقد أودع الله فی فطرة الانسان النزوع إلى الکمال و الجمال ثمّ منّ علیه بإرشاده إلى الکمال اللائق به، و أسبغ علیه نعمة التعرّف على طریق الکمال، و من هنا قال تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ [الذاریات (51): 56]. و حیث لا تتحقّق العبادة الحقیقیة من دون المعرفة، کانت المعرفة و العبادة طریقا منحصرا و هدفا و غایة موصلة إلى قمّة الکمال.

و بعد أن زوّد الله الانسان بطاقتی الغضب و الشهوة لیحقّق له وقود الحرکة نحو الکمال؛ لم یؤمن علیه من سیطرة الغضب و الشهوة؛ و الهوى الناشئ منهما، و الملازم لهما فمن هنا احتاج الانسان- بالإضافة إلى عقله و سائر أدوات المعرفة- ما یضمن له سلامة البصیرة و الرؤیة؛ کی تتمّ علیه الحجّة، و تکمل نعمة الهدایة،

و تتوفّر لدیه کلّ الأسباب التی تجعله یختار طریق الخیر و السعادة، أو طریق الشرّ و الشقاء بمل‏ء إرادته.

و من هنا اقتضت سنّة الهدایة الربّانیة أن یسند عقل الانسان عن طریق الوحی الإلهی، و من خلال الهداة الذین اختارهم الله لتولّی مسؤولیة هدایة العباد و ذلک عن طریق توفیر تفاصیل المعرفة و إعطاء الارشادات اللازمة لکلّ مرافق الحیاة.

و قد حمل الأنبیاء و أوصیاؤهم مشعل الهدایة الربّانیة منذ فجر التاریخ و على مدى العصور و القرون، و لم یترک الله عباده مهملین دون حجة هادیة و علم مرشد و نور مضی‏ء، کما أفصحت نصوص الوحی- مؤیّدة لدلائل العقل- بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلّا یکون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق، و لو لم یبق فی الأرض إلّا اثنان لکان أحدهما الحجّة، و صرّح القرآن- بشکل لا یقبل الریب- قائلا: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد (13): 7].

و یتولّى أنبیاء الله و رسله و أوصیاؤهم الهداة المهدیّون مهمّة الهدایة بجمیع مراتبها، و التی تتلخّص فی:

1- تلقّی الوحی بشکل کامل و استیعاب الرسالة الإلهیة بصورة دقیقة. و هذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّی الرسالة، و من هنا یکون الاصطفاء الإلهی لرسله شأنا من شؤونه، کما أفصح بذلک الذکر الحکیم قائلا: اللَّهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الانعام (6): 124] و اللَّهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشاءُ [آل عمران (3): 179].

2- إبلاغ الرسالة الإلهیة الى البشریة و لمن ارسلوا إلیه، و یتوّقف الإبلاغ على الکفاءة التامّة التی تتمثّل فی «الاستیعاب و الإحاطة اللازمة» بتفاصیل‏

الرسالة و أهدافها و متطلّباتها، و «العصمة» عن الخطأ و الانحراف معا، قال تعالى:

کانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ [البقرة (2): 213].

3- تکوین امة مؤمنة بالرسالة الإلهیة، و إعدادها لدعم القیادة الهادیة من أجل تحقیق أهدافها و تطبیق قوانینها فی الحیاة، و قد صرّحت آیات الذکر الحکیم بهذه المهمّة مستخدمة عنوانی التزکیة و التعلیم، قال تعالى: یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ [الجمعة (62): 2] و التزکیة هی التربیة باتجاه الکمال اللائق بالإنسان. و تتطلّب التربیة القدوة الصالحة التی تتمتّع بکلّ عناصر الکمال، کما قال تعالى: لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الاحزاب (33): 21].

4- صیانة الرسالة من الزیغ و التحریف و الضیاع فی الفترة المقرّرة لها، و هذه المهمة أیضا تتطلّب الکفاءة العلمیة و النفسیة، و التی تسمّى بالعصمة.

5- العمل لتحقیق أهداف الرسالة المعنویة و تثبیت القیم الأخلاقیة فی نفوس الأفراد و أرکان المجتمعات البشریة و ذلک بتنفیذ الاطروحة الربّانیة، و تطبیق قوانین الدین الحنیف على المجتمع البشری من خلال تأسیس کیان سیاسیّ یتولّى إدارة شؤون الامة على أساس الرسالة الربّانیة للبشریة، و یتطلّب التنفیذ قیادة حکیمة، و شجاعة فائقة، و صمودا کبیرا، و معرفة تامة بالنفوس و بطبقات المجتمع و التیارات الفکریة و السیاسیة و الاجتماعیة و قوانین الإدارة و التربیة و سنن الحیاة، و نلخّصها فی الکفاءة العلمیة لإدارة دولة عالمیة دینیة، هذا فضلا عن العصمة التی تعبّر عن الکفاءة النفسیة التی تصون القیادة الدینیة من کلّ سلوک منحرف أو عمل خاطئ بإمکانه أن یؤثّر تأثیرا سلبیّا على مسیرة القیادة و انقیاد الامة لها بحیث یتنافى مع أهداف الرسالة و أغراضها.

و قد سلک الأنبیاء السابقون و أوصیاؤهم المصطفون طریق الهدایة الدامی، و اقتحموا سبیل التربیة الشاقّ، و تحمّلوا فی سبیل أداء المهامّ الرسالیة کلّ صعب، و قدّموا فی سبیل تحقیق أهداف الرسالات الإلهیة کلّ ما یمکن أن یقدّمه الإنسان المتفانی فی مبدئه و عقیدته، و لم یتراجعوا لحظة، و لم یتلکّأوا طرفة عین.

و قد توّج الله جهودهم و جهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبیاء محمد بن عبد الله (صلّى الله علیه و اله) و حمّله الأمانة الکبرى و مسؤولیة الهدایة بجمیع مراتبها، طالبا منه تحقیق أهدافها. و قد خطا الرسول الأعظم (صلّى الله علیه و اله) فی هذا الطریق الوعر خطوات مدهشة، و حقّق فی أقصر فترة زمنیة أکبر نتاج ممکن فی حساب الدعوات التغییریة و الرسالات الثوریة، و کانت حصیلة جهاده و کدحه لیل نهار خلال عقدین من الزمن ما یلی:

1- تقدیم رسالة کاملة للبشریة تحتوی على عناصر الدیمومة و البقاء.

2- تزویدها بعناصر تصونها من الزیغ و الانحراف.

3- تکوین امة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأ، و بالرسول قائدا، و بالشریعة قانونا للحیاة.

4- تأسیس دولة إسلامیة و کیان سیاسیّ یحمل لواء الإسلام و یطبّق شریعة السماء.

5- تقدیم الوجه المشرق للقیادة الربّانیة الحکیمة المتمثّلة فی قیادته (صلّى الله علیه و اله).

و لتحقیق أهداف الرسالة بشکل کامل کان من الضروری:

أ- أن تستمرّ القیادة الکفوءة فی تطبیق الرسالة و صیانتها من أیدی العابثین الذین یتربّصون بها الدوائر.

ب- أن تستمرّ عملیة التربیة الصحیحة باستمرار الأجیال؛ على ید مربّ کفوء علمیا و نفسیا حیث یکون قدوة حسنة فی الخلق و السلوک کالرسول (صلّى الله علیه و اله)، یستوعب الرسالة و یجسّدها فی کل حرکاته و سکناته.

و من هنا کان التخطیط الإلهیّ یحتّم على الرسول (صلّى الله علیه و اله) إعداد الصفوة من أهل بیته، و التصریح بأسمائهم و أدوارهم؛ لتسلّم مقالید الحرکة النبویّة العظیمة و الهدایة الربّانیة الخالدة بأمر من الله سبحانه و صیانة للرسالة الإلهیة التی کتب الله لها الخلود من تحریف الجاهلین و کید الخائنین، و تربیة للأجیال على قیم و مفاهیم الشریعة المبارکة التی تولّوا تبیین معالمها و کشف أسرارها و ذخائرها على مرّ العصور، و حتى یرث الله الأرض و من علیها.

و تجلّى هذا التخطیط الربّانی فی ما نصّ علیه الرسول (صلّى الله علیه و اله) بقوله: «إنّی تارک فیکم الثقلین ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا، کتاب الله و عترتی، و إنّهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض».

و کان أئمة أهل البیت صلوات الله علیهم خیر من عرّفهم النبی الأکرم (صلّى الله علیه و اله) بأمر من الله تعالى لقیادة الامّة من بعده.

إنّ سیرة الأئمّة الاثنی عشر من أهل البیت علیهم السّلام تمثّل المسیرة الواقعیة للاسلام بعد عصر الرسول (صلّى الله علیه و اله)، و دراسة حیاتهم بشکل مستوعب تکشف لنا عن صورة مستوعبة لحرکة الاسلام الأصیل الذی أخذ یشقّ طریقه إلى أعماق الامة بعد أن أخذت طاقتها الحراریة تتضاءل بعد وفاة الرسول (صلّى الله علیه و اله)، فأخذ الأئمة المعصومون (علیهم السّلام) یعملون على توعیة الامة و تحریک طاقتها باتجاه إیجاد و تصعید الوعی الرسالیّ للشریعة و لحرکة الرسول (صلّى الله علیه و اله) و ثورته المبارکة، غیر خارجین عن مسار السنن الکونیة التی تتحکّم فی سلوک القیادة و الامة جمعاء.

و تبلورت حیاة الأئمّة الراشدین فی استمرارهم على نهج الرسول العظیم و انفتاح الامة علیهم و التفاعل معهم کأعلام للهدایة و مصابیح لإنارة الدرب للسالکین المؤمنین بقیادتهم، فکانوا هم الأدلّاء على الله و على مرضاته، و المستقرّین فی أمر الله، و التامّین فی محبّته، و الذائبین فی الشوق الیه، و السابقین إلى تسلّق قمم الکمال الإنسانیّ المنشود.

و قد حفلت حیاتهم بأنواع الجهاد و الصبر على طاعة الله و تحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفیذ أحکام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحیاة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد کفاح عظیم و جهاد کبیر.

و لا یستطیع المؤرّخون و الکتّاب أن یلمّوا بجمیع زوایا حیاتهم العطرة و یدّعوا دراستها بشکل کامل، و من هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هی إعطاء قبسات من حیاتهم، و لقطات من سیرتهم و سلوکهم و مواقفهم التی دوّنها المؤرّخون و استطعنا اکتشافها من خلال مصادر الدراسة و التحقیق، عسى الله أن ینفع بها إنّه ولیّ التوفیق.

إنّ دراستنا لحرکة أهل البیت (علیهم السّلام) الرسالیة تبدء برسول الإسلام و خاتم الأنبیاء محمد بن عبد الله (صلّى الله علیه و اله) و تنتهی بخاتم الأوصیاء، محمد بن الحسن العسکری المهدی المنتظر عجّل الله تعالى فرجه و أنار الأرض بعدله.

و یختص هذا الکتاب بدراسة حیاة الرسول المصطفى محمد بن عبد الله (صلّى الله علیه و اله) الذی جسّد الإسلام بکل أبعاده، فی جمیع مرافق حیاته: الفردیة و الاجتماعیة، و فی ظروف اجتماعیة و سیاسیة عصیبة فأرسى قواعد القیم الإسلامیة المثلى فی واقع الفکر و العقیدة و فی افق الخلق و السلوک و أصبح نبراسا

– على مدى العصور- یشعّ بالإیمان و الطهر و البهاء للعالمین.

و لا بدّ لنا من تقدیم الشکر الى کلّ الاخوة الأعزّاء الذین بذلوا جهدا وافرا و شارکوا فی إنجاز هذا المشروع المبارک و إخراجه إلى عالم النور، لا سیما أعضاء لجنة التألیف بإشراف سماحة السید منذر الحکیم حفظه الله تعالى.

و لا یسعنا إلّا أن نبتهل الى الله تعالى بالدعاء و الشکر لتوفیقه على إنجاز هذه الموسوعة المبارکة فإنه حسبنا و نعم النصیر.

المجمع العالمی لأهل البیت علیهم السّلام

قم المقدسة