استحکم الفساد و الظلم فی مجتمع الجزیرة فی الفترة التی سبقت البعثة النبویة فلم تعد کتلة المجتمع واحدة و لم تکن الخصائص الاجتماعیة و الثقافیة التی أوجدتها طبیعة الحیاة فی الصحراء کافیة لإیقاف حالة الانهیار التی بدت ملامحها على المجتمع فی الجزیرة العربیة. و ما الأحلاف التی نشأت إلا تعبیر عن ظاهرة اجتماعیة لمقاومة ذلک التحلل و لکنها فی تعددها دلیل على انعدام القوة المرکزیة فی المجتمع.
و لا نلاحظ حرکة إصلاحیة تغییریة یذکرها لنا التأریخ تکون قد سعت للنهوض بالمجتمع و الارتقاء به نحو الحیاة الفضلى سوى حرکة بعض الأفراد التی تعبر عن حالة الرفض لهذا التفسخ و الظلم الاجتماعی متمثلة فی حالة التحنّث التی أبداها عدد قلیل من أبناء الجزیرة العربیة و لم ترتق الى مستوى النظریة أو الحرکة
التغییریة الفاعلة فی المجتمع …(1) و تفکک المجتمع القرشی قد نلاحظه أیضا فی ظاهرة اختلافهم حول بناء الکعبة فی الوقت الذی کانت قریش من أعز القبائل العربیة و أشدها تماسکا. و یمکن لنا أن نستدل على تمادی المجتمع فی الفساد من خلال الإنذارات المتکررة من الیهود القاطنین فی الجزیرة العربیة و استفتاحهم على أهالی الجزیرة بظهور المصلح المنقذ للبشریة برسالته السماویة و کانوا یقولون لهم: لیخرجن نبی فلیکسرن أصنامکم(2)
1) راجع السیرة النبویة: 1/ 225.
2) بحار الأنوار: 15/ 231، و راجع السیرة النبویة: 1/ 211، البقرة: 2/ 89.