قال التهانوی الحنفی: ومن ترک هذا التقلید، وأنکر اتباع السلف، وجعل نفسه مجتهدا أو محدثا، واستشعر من نفسه أنه یصلح لاستنباط الأحکام، وأجوبة المسائل من القرآن والحدیث فی هذا الزمان، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، أو کاد أن یخلع، فأیم الله لم نر طائفة یمرقون من الدین مروق السهم من الرمیة إلا هذه الطائفة المنکرة لتقلید السلف، الذامة لأهلها الخ..(1)
وقال المقریزی: ولی بمصر القاهرة أربعة قضاة، وهم شافعی، ومالکی، وحنفی، وحنبلی؛ فاستمر ذلک من سنة خمس وستین وست مئة، حتی لم یبق فی مجموع أمصار الإسلام مذهب یعرف من مذاهب أهل الإسلام سوی هذه المذاهب الأربعة، وعقیدة الأشعری. وعملت لأهلها المدارس، والخوانک، والزوایا، والربط فی سائر ممالک الإسلام. وعودی من تمذهب بغیرها، وأنکر علیه، ولم یول قاضی، ولا قبلت شهادة أحد، ولا قدم للخطابة، والإمامة، والتدریس أحد ما لم یکن مقلدا لأحد هذه المذاهب. وأفتی فقهاء هذه الأمصار فی طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب، وتحریم ما عداها، والعمل علی هذا إلی الیوم(2)
وقد ذکر ابن الفوطی ما یدل علی أن رسم التمذهب بالمذاهب الأربعة فی بغداد، والمنع من ذکر آراء غیرهم قد کان قبل هذا التاریخ، بحوالی عشرین سنة أو أکثر. فراجع کلامه حول افتتاح المدرسة المستنصریة، ثم رسم تعلیم المذاهب الأربعة فیها، والمنع مما عداها(3)
وقد کان ابن الصلاح المتوفی سنة 643 ه. قد أفتی بحرمة الخروج علی تقلید الأئمة الأربعة، مستدلا له بإجماع المحققین(4)
1) قواعد فی علوم الحدیث ص 462.
2) الخطط والآثار للمقریزی ج 2 ص 334.
3) تاریخ حصر الاجتهاد ص 105 ـ 107.
4) المصدر السابق ص 108.