جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

مولد الرسول (1)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

ما إن استنفذت الدیانة النصرانیة أغراضها فی المجتمع البشری و لم تعد لها فاعلیة تذکر حتى حلّت فی الدنیا کلّ مظاهر التیه و الزّیغ، و أمسى الناس کافة ضلّال فتن و حیرة، استخفّتهم الجاهلیة الجهلاء، و لم تکن أوضاع الروم بأقل سوءا من أوضاع منافسیهم فی فارس، و ما کانت جزیرة العرب أفضل وضعا من الاثنین. و الکل على شفا حفرة من النّار.

و قد وصف القرآن بصورة بلیغة جانبا مأساویا من حیاة البشر آنذاک، کما وصف سید أهل بیت النبوة علی بن أبی طالب (علیه السّلام) ذلک الوضع المأساوی وصفا دقیقا عن حس و معایشة فی عدّة خطب، منها قوله فی وصف حال المجتمع الذی بعث فیه النبیّ (صلّى الله علیه و اله):

«أرسله على حین فترة من الرسل و طول هجعة من الأمم و إعتزام من الفتن، و انتشار من الأمور و تلظّ من الحروب، و الدنیا کاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حین اصفرار من ورقها، و إیاس من ثمرها، و اغورار من مائها، قد درست منار الهدى، و ظهرت أعلام الردى، فهی متجهمة لأهلها، عابسة فی وجه طالبها، ثمرها الفتنة، و طعامها الجیفة، و شعارها

الخوف، و دثارها السیف»(1)

فی مثل هذا الظرف العصیب الذی کانت تمر به البشریة سطع النور الإلهی فأضاء العباد و البلاد مبشرا بالحیاة الکریمة و السعادة الأبدیة. و ذلک عند ما بورکت أرض الحجاز بمولد النبیّ الأکرم محمد بن عبد الله (صلّى الله علیه و اله) فی عام الفیل سنة (570 میلادیة) و فی شهر ربیع الأول على ما هو علیه أکثر المحدثین و المؤرخین.

و أما عن یوم میلاده (صلّى الله علیه و اله)، فقد حدّده أهل بیته (علیهم السّلام)- و هم أدرى بما فی البیت- فقالوا: هو یوم الجمعة السابع عشر من شهر ربیع الأول بعد طلوع الفجر، کما هو المشهور بین الإمامیة، و عند غیرهم أنّه (صلّى الله علیه و اله) ولد فی یوم الاثنین الثانی عشر من الشهر نفسه(2)

و تتحدث جملة من المصادر التأریخیة و الحدیثیة عن وقوع حوادث عجیبة یوم ولادته مثل: انطفاء نار فارس، و زلزال أصاب الناس حتّى تهدّمت الکنائس و البیع و زال کلّ شی‏ء یعبد من دون الله عزّ و جل عن موضعه، و تساقط الأصنام المنصوبة فی الکعبة على وجوهها حتّى عمّیت على السحرة و الکهّان أمورهم، و طلوع نجوم لم تر من قبل هذا و قد ولد (صلّى الله علیه و اله) و هو یقول: «الله أکبر، و الحمد لله کثیرا و سبحان الله بکرة و أصیلا»(3)

و اشتهر النبیّ (صلّى الله علیه و اله) ب: اسمین: «محمّد» و «أحمد» و قد ذکرهما القرآن الکریم، و روى المؤرخون أنّ جدّه عبد المطلب قد سمّاه «محمدا»، و أجاب من سأله عن سبب التسمیة قائلا: أردت أن یحمد فی السماء و الأرض(4) کما أن أمه‏

آمنة سمّته قبل جده ب: «أحمد».

و قد بشّر به الإنجیل على لسان عیسى (علیه السّلام)- کما أخبر القرآن الکریم بذلک و صدّقه علماء أهل الکتاب- و قد حکاه قوله تعالى: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ(5) و لا مانع من أن یعرف الشخص باسمین و لقبین و کنیتین فی عرف الجزیرة العربیة و غیرها.


1) نهج البلاغة: الخطبة (89).

2) راجع، إمتاع الأسماع: 3 حیث تجد جمیع الأقوال المذکورة حول یوم میلاد النبی (صلّى الله علیه و اله).

3) تاریخ الیعقوبی: 2/ 8، السیرة الحلبیة: 1/ 92.

4) السیرة الحلبیة: 1/ 128.

5) الصف (61): 6، راجع السیرة الحلبیة: 1/ 79.