خلّفت معرکة بدر نتائج عظیمة فقد فرّ المشرکون نحو مکة و الخیبة و الذل یحیطان بهم من کل جانب تارکین خلفهم سبعین قتیلا و سبعین أسیرا و غنائم کثیرة … و بدت بین صفوف المسلمین المنتصرین بوادر اختلاف حول کیفیة
تقسیم الغنائم فأمر النبی (صلّى الله علیه و اله) بجمعها حتى یرى فیها رأیه، و نزل الأمر الإلهی فی سورة الأنفال بتقسیم الغنائم و تشریع أحکام الخمس، فأعطى رسول الله لکل فرد مقاتل حصته على قدم المساواة مع غیره(1)
و بشأن الأسرى أعلن رسول الله (صلّى الله علیه و اله) أنّ من علّم من الأسرى عشرة من صبیان المسلمین القراءة و الکتابة فذلک فداؤه مظهرا بذلک سماحة العقیدة الإسلامیة و حثّها على التعلم و بناء الإنسان المتحضّر. و أما الباقی من الأسرى فجعل فداء کل واحد منهم أربعة آلاف درهم، و شمل هذا القرار أبا العاص زوج زینب بنت رسول الله (صلّى الله علیه و اله) من دون تمییز له عن غیره من المشرکین.
و حین أرسلت زینب قلادتها لفداء زوجها بکى رسول الله (صلّى الله علیه و اله) لرؤیة القلادة متذکرا زوجته خدیجة فالتفت (صلّى الله علیه و اله) الى المسلمین قائلا: إن رأیتم أن تطلقوا لها أسیرها و تردّوا علیها مالها فافعلوا(2) و ما أیسر هذا الطلب لنبی الرحمة من المسلمین. و أسرع ابو العاص الى مکة لیرسل زینب الى المدینة کما وعد رسول الله (صلّى الله علیه و اله) و سرت بشائر النصر و الفتح المبین نحو المدینة فأوجفت قلوب الیهود و المنافقین خیفة و رعبا و سعوا لتکذیب الخبر فی حین انتشى المسلمون فرحا و سرورا و خرجوا لاستقبال النبی القائد المنتصر.
و حلّت الکارثة بأهل مکة و خیّم الحزن على أجوائها و صعق المشرکون من هول الصدمة و عمّت الأحزان بیوتات مکة و أطرافها.
و تضمّنت آیات الذکر الحکیم نصوصا صریحة عن هذه المعرکة المصیریة و هی تذکر تفاصیل الأحداث و تظهر الإمداد الإلهی للامة المسلمة المخلصة لربها
فی سبیل نشر رسالته(3)
و قد استبسل علی بن أبی طالب (علیه السّلام) للدفاع فی هذه الغزوة الکبرى حین قتل الولید بن عتبة و أعان عمّه حمزة و عبیدة بن الحارث على قتل شیبة و عتبة منازلا لهما. و قد عدّ الشیخ المفید ستة و ثلاثین نفرا ممن قتلهم علی (علیه السّلام) یوم بدر سوى من اشترک فی قتله(4)، و قال ابن اسحاق: اکثر قتلى المشرکین یوم بدر کان لعلیّ(5)
و ألجأت هذه الهزیمة قریشا الى تحویل مسیر تجارتها من الشام الى العراق بعد أن أصبح للمسلمین کیان قوی، له آثاره على ترکیبة مجتمع الجزیرة حیث بدت تظهر بالتدریج و بدأت قریش تفقد هیبتها بین القبائل فی الوقت الذی أخذت تشتد أواصر المسلمین فیما بینهم و بین الرسول القائد (صلّى الله علیه و اله).
1) المغازی: 1/ 104، السیرة النبویة: 1/ 642.
2) السیرة النبویة: 1/ 652، البحار: 19/ 348.
3) الانفال (8): 9، 11، 12، 42، 44، و آل عمران (3): 13 و 123 و 127.
4) الارشاد: 39- 40.
5) المناقب: 3/ 120.