جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

کلام فی الحجاب الشرعی‏

زمان مطالعه: 7 دقیقه

ثم انّه لا بأس لصرف الکلام فی هذا المقام الى بیان الحجاب فی شرع الإسلام، و هذه المسئلة من المسائل المهمّة بلا کلام.

و اعلم انّه قد وقع الخلاف فی المعنى المقصود بین الأعلام، و کثر بینهم النقض و الابرام، و قد زلّ فیه الأقدام و فرط فیه الأقلام و قصر عنه الأفهام.

و الحقّ الذی یقتضیه التأمّل و التتبّع التام انّ المقصود ستر جمیع جسد المرأة حتّى الوجه و الکفین، وفاقا لجماعة کثیرة قدیما و حدیثا من متتبّعی علماء الإسلام. على و انّا لا نخاف الانفراد لو ساعدنا الدلیل فی باب الأحکام. و على الله التوکّل و به الاعتصام مستمدّا من أم الأئمة شمس سماء العصمة و بضعة خیر الأنام علیها و على أبیها و بعلها و بنیها صلوات الله الملک العلّام. و یتبعه عدم جواز نظر الرجال إلیهما غیر ذوی الأرحام إلّا لضرورة، کمقام الشهادة و المناکحة و المعالجة من الأسقام، فنقول:

إنّ المرأة عورة بکلّیتها کما قال النبی (ص) على ما رواه الترمذی و الإمام البغوی فی المصابیح عن النبی انّه قال: المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشیطان. و هذا هو الأصل فی المسئلة و لا یعدل عنه إلّا بدلیل.

و قد استدل المجوّز بأدلّة من الکتاب و السنّة و الاجماع و العقل و السیرة، و کلّها مخدوشة لا تنهض حجة للعدول عن الأصل: أمّا الکتاب فقد یستدلّ بآیات منه لا تخلو بعضها من إشعار:

و منها آیة الغضّ، و هی قوله تعالى «وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها» بل هی عمدة مستند المجوّز من الآیات. فالحقّ انّ الآیة من جملة المتشابهات، لاختلاف المفسرین فیها

اختلافا لا یرجى جمعه، حتّى انّ الطبری فی التفسیر ذکر فی تفسیرها وجوها لعلّها تبلغ العشرین: منها الثیاب الظاهرة، و منها الخاتم، و منها الخاتم و المسکة، و منها الکحل و الخاتم و الخضاب، و منها غیر ذلک، و من جملتها الوجه فقط، و منها الوجه و الکفین، و منها انّ الاستثناء یکون منقطعا. فعلى الأول و الأخیر لا یمکن الاستدلال بالآیة، فیبقى سائر الأقوال التی یمکن الاستدلال بها.

و الذی ظهر لی بعد التتبّع انّ الأقوال کلّها راجعة الى أقوال أربعة: الأول ما روى عن ابن عباس، و الثانی عن ابن مسعود، و الثالث عن عائشة، و الرابع عن ابن عطیّة.

و القول الثانی- و هو الذی اختاره ابن مسعود و من تابعه کأبی الجوزا و ابن سیرین و إبراهیم النخعی و الحسن البصری فی أحد قولیه- هو الثیاب الظاهرة فقط، و دلیلهم فی ذلک قوله تعالى «خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ» و الزینة فی الآیة هی المفسرة بالثیاب الظاهرة فقط مضافا الى انّ الآیة نزلت فی باب الستر على ما رواه مسلم فی صحیحه عن ابن عباس.

و القولان- و هو قول عائشة بانّه الخاتم فقط و اختاره الزهری، و قول ابن عطیّة و هو کون الاستثناء منقطعا مرجعها الى ما اختاره ابن مسعود و من تابعه على هذا القول، لأنّ عائشة فسّرت «ما ظهر منها» فی آیة الغضّ بالخاتم، و هذا التفسیر على تقدیر أن یراد مواضع الزینة من الآیة لیستلزم کشف بعض البنان لا الوجه و الکفان.

و هکذا ما اختاره ابن عطیّة من کون الاستثناء منقطعا، کآیة «وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ» أو «وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» و آیة «لا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى»‏ لأنّ الآیة على هذا التقدیر خارجة عن محلّ النزاع، فیبقى ما روى عن ابن عباس و من تابعه فی المقام، و هو لیس بحجة فی تفسیر الآیة بالوجه و الکفین، لمعارضة مع ما روی عن ابن مسعود و من تابعه بطرق عدیدة تبلغ تسعة، و کلّها متّفقة بأنّ المقصود من الآیة الثیاب الظاهرة لا غیرها.

مضافا الى انّ ما روى عن ابن عباس قد اختلف الناقلون فی روایته عنه، و لعلّه یبلغ أقوالا ستّة:

الأوّل ما رواه سعید بن جبیر عن ابن عباس بأنه الکحل و الخاتم، و الثانی ما رواه ضحّاک عنه بأنّه قال الظاهر منها الکحل و الخدّان، و الثالث ما رواه ابن جریح عنه بأنّه قال إلّا ما ظهر منها الخاتم و المسکة (و المسکة هی القلب و السواد) و الرابع ما رواه مجاهد و عطاء عن ابن عباس فی قوله تعالى «إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها» قال: ما کان فی الوجه و الکفّ الخضاب و الکحل و هذا القول ربما یوافق القول الثانی المنقول عن ابن عباس، و الخامس ما رواه حسن البصری عن ابن عباس بأنّه الوجه فقط، و السادس ما رواه سعید بن جبیر و عطاء و الضحاک و الأوزاعی عن ابن عباس بأنّه قال الوجه و الکفان و الخاتم، و روی عنه أیضا أقوال اخر ترکناها لرجوعها الى ما سبق منه.

فظهر بما قدّمناه عنه عدم جواز التمسک بقوله فی تفسیر الآیة.

و لقائل أن یقول: انّ ما روی عن ابن عباس مع اختلافه هو تفسیر لمصادیق الزینة الظاهرة، فکیف لا یمکن التمسک به؟ قلنا: أوّلا بأنّه معارض بما روی عن ابن مسعود و عائشة و ابن عطیّة، و ثانیا انّ ما روی عنه سوى القول الثالث یمکن أن یکون من قبیل ذکر المصادیق، لکنّ الثالث منها فغایة دلالته استثناء الکفین فقط، فکیف یمکن الالتزام بقوله و انّه فسّر الآیة بالوجه و الکفّین، خصوصا مع احتمال أن یکون ما روی عنه من تفسیر ما ظهر منها بما ذکر انّه فسّر الزینة التی نهین عن ابدائها للأجانب کما قال ابن کثیر فی تفسیره، و هو قوله: و عن ابن عباس قال: وجهها و کفّیها و الخاتم. و روى عن ابن عمر و عطاء و عکرمة و سعید بن جبیر و ابن الشعثاء و الضحاک و إبراهیم النخعی و غیرهم ذلک. ثم قال: و هذا یحتمل أن یکون تفسیرا للزینة التی نهین عن ابدائها … الخ.

فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و ثالثا مع الإغماض عمّا یرد علیه، فلا ریب فی رجحان ما اختاره ابن مسعود، لأنّه أعلم أصحاب النبی (ص) بالقرآن، و انّه قرأ القرآن کلّه أو أکثره على النبی (ص)، و انّ بعض الصحابة یعدّه و أمّه من أهل بیت النبی لکثرة دخوله مع أمّه فی بیت النبی، و انّه قال: استقرؤا القرآن من أربعة، فبدأ به ثم ذکر الآخرین. و انّه قال (ص): من أحبّ أن یقرأ القرآن غضّا کما

أنزل فلیقرأه على قراءة ابن أمّ عبد. و انّه قال فیه عمر: کنیف ملى‏ء علما. و انّه أول من جهر بالقرآن بمکة، فقرأ سورة الرحمن. و انّه قال: و الذی لا اله غیره ما من کتاب الله سورة إلّا أنا أعلم حیث نزلت، و ما من آیة إلّا أنا أعلم فیما أنزلت. و غیر ذلک ممّا ورد فی مدحه- على ما رواه القوم فی کتبهم کصحیح البخاری و مسلم و غیرها من السیر و التواریخ.

و أمّا عند الشیعة فالرجل من الثقات، بل قال بعضهم فی حقه فهو ثقة إن لم یکن فی أعلى درجة الوثاقة. فیتعیّن الأخذ بقوله و طرح ما سواه من الأقوال. و رابعا على فرض التساوی و عدم الترجیح فیتساقطان، فیکون المرجع فی تفسیر الآیة سائر الأدلة من السنّة و غیرها.

و أمّا السنّة التی یمکن التمسّک بها من طریق القوم فهی روایتان: فالأولى ما رواه أبو داود فی سننه عن عائشة انّها قالت: دخلت أسماء بنت أبی بکر على النبی (ص) و علیها ثیاب رقاق، فأعرض عنها النبی (ص) و قال: یا أسماء انّ المرأة إذا بلغت المحیض لم یصلح أن یرى منها إلّا هذا و أشار الى وجهه و کفّیه.

و هذه الروایة قاصرة سندا و دلالة: أمّا سندا فلأنّها مرسلة، و أمّا دلالة فلأنه (ص) فی مقام إعطاء القاعدة و انّ المرأة إذا بلغت المحیض لا یصلح أن یرى منها إلّا هذا، مع قطع النظر عن الأجنبی، بحیث لو فاجاها بغتة لا یرى منها إلّا الوجه و الکفّان، فیکون هذا الاستثناء لرفع العسر و الحرج، و انّها مع عدم حضور الأجنبی لا تکون مأمورة بستر الوجه و الکفّین.

و یشهد لما قلناه ما روته عائشة أیضا عن النبی (ص) قالت: دخلت على ابنة أخی لأمّی مزینة، فدخل النبی (ص) فأعرض، فقالت عائشة: انّها ابنة أخی و جاریة. فقال: إذا عرقت المرأة لم یحلّ لها أن تظهر إلّا وجهها و الّا ما دون هذا، و قبض (ص) على ذراع نفسه، فترک بین قبضته و بین الکفّ مثل قبضة أخرى.

و هذا صریح بأن المرأة إذا خرجت من بیتها مع کونها بالغة لا یحلّ لها أن تظهر إلّا وجهها و الّا یدها الى فوق الزند، و إن کانت فی بیت و لم یکن معها فی البیت إلّا المحارم، لأنّ خارج بیتها مظنّة لورود الأجانب.

و لعلّه لما قلناه قال ابن کثیر فی التفسیر بعد ذکر الآیة و تفسیرها. و یحتمل انّ ابن عباس‏

و من تابعه أرادوا تفسیر ما ظهر منها بالوجه و الکفّین، و هذا هو المشهور عند الجمهور، و یستأنس بالحدیث الذی رواه أبو داود فی سننه. ثم ذکر الحدیث الأول، و بعد نقله قال: لکن قال أبو داود و أبو حاتم الرازی هو مرسل.

و أمّا الروایات التی تمسّک بها جماعة من علماء الإمامیّة لجواز کشف المرأة وجهها و کفّیها فکثیرة و کلّها مخدوشة: منها صحیحة علی بن سوید التی لم یقل أحد من أصحابنا بمضمونها إلّا على بعض المحامل الذی تخرج الصحیحة عمّا کانوا فی مقام اثباته.

و أمّا صحیحة المفضّل فهی على خلاف مقصود المجوّز أدلّ، لأنّه قال علیه السّلام فی جواب السائل: و ما دون الخمار من الزینة و ما دون السوارین من الزینة بمعنى انّ الوجه من الزینة کما انّ الکفّین من الزینة، لا بمعنى انّ ما فوق الخمار من الزینة و ما فوق السوارین من الزینة. و على فرض الاجمال تسقط الصحیحة عن الحجیة.

و أمّا الروایات المأثورة عن الصادقین فی تفسیر «ما ظَهَرَ مِنْها» بأنّه الکحل و الخاتم أو الخاتم و المسکة أو الثیاب و الکحل و الخاتم و خضاب الکفّ و السوار، فغایة دلالتها جواز کشف الکفّین و الأصابع على ما نسب إلیهم الطبرسی فی جمع الجوامع، مع الإغماض عن ضعف السند و الدلالة و الصدور فیها.

و أمّا مرسلة مروک التی هی عمدة مستند المجوّزین فهی قاصرة سندا و دلالة و صدورا، مع اشتمالها أیضا لما لا یقول به المشهور من علماء الإسلام من تجویز النظر الى القدمین.

و مثلها فی الضعف ما رواه صاحب المستدرک عن الحسن بن الفضل فی مکارم الأخلاق نقلا عن المحاسن عن أبی عبد الله علیه السّلام مع اشتمالها أیضا لما لا یقول به المشهور من علماء الإسلام من تجویز النظر الى الذراعین.

و أمّا الروایة المرویة عن الکافی باسناده عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفی عن جابر بن عبد الله الأنصاری، فضعیفة جدا، لأنّ عمرو بن شمر قد دسّ أحادیث فی کتب جابر الجعفی على ما حکی عن النجاشی و العلّامة فی الخلاصة و غیرهما.

و أمّا المرویّة عن قرب الاسناد عن الصادق علیه السّلام فهی محتملة لمحامل کثیرة: منها جواز کشفها متعمدا.

و الروایة الأخرى المرویة عن قرب الاسناد عن علی بن جعفر عن أخیه، فهی صادرة فی مقام المعالجة، لأنّها مشتملة على مسائل عدیدة کلّها فی المعالجة.

و أمّا الروایة الخثعمیة فهی مع قصورها سندا محمولة على ستر وجهها، و لیس فی الروایة ما یدل على کشف وجهها إلّا ظهور لفظ «النظر إلیها».

و أمّا الروایة المرویة عن أبی جعفر علیه السّلام فی باب الحج بانّه مرّ بامرأة محرمة استترت وجهها بمروحة، فأماط المروحة بقضیبه، فهی محمولة على ملاصقته لوجهها.

و أمّا خبر سعد الاسکافی فی قضیّة شاب نظر الى وجه امرأة … الخ. فکان قبل نزول آیة الحجاب، و على فرض صحة هذه الروایات سندا و حجّیتها دلالة و صدورا فهی معارضة بأخبار صحیحة واضحة الدلالة فی أبواب کثیرة، کالحج و الشهادة و المعالجة و الذمّیة و مرید التزویج و القواعد.

و بالجملة فالذی ظهر لی بعد التتبّع انّ الروایات المجوّزة الصادرة عن الأئمة علیهم السّلام ناظرة الى تفاسیر القوم و فتاواهم و قد تقدّم ذکر التفاسیر و سیأتی الکلام فی ذکر الفتاوى عن قریب انشاء الله تعالى.

و أمّا الإجماع- بمعنى اتفاق الکل- فمقطوع العدم، و بمعنى اتفاق الأکثر أو الشهرة فلیس بحجة جزما. أمّا عدم اتفاق الکل عند القوم، فظاهر لأنّ جماعة من الصحابة و التابعین ذهبوا الى خلاف ما ذهب إلیه ابن عباس کابن مسعود و أبی الجوزاء و إبراهیم النخعی و الحسن البصری و ابن سیرین و الزهری على ما رواه عنهم ابن کثیر فی التفسیر حیث قال: و قوله تعالى وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها أی لا یظهرن شیئا من الزینة للأجانب إلّا ما لا یمکن إخفاؤه. قال ابن مسعود: کالرداء و الثیاب. الى ان قال ابن کثیر: و قال بقول ابن مسعود الحسن و ابن سیرین و أبو الجوزاء و إبراهیم النخعی و غیرهم. ثم قال: و فی روایة عنه بهذا الاسناد- یعنی ما رواه أبو إسحاق السبیعی عن أبی الأحوص عن ابن مسعود قال: الزینة

زینتان، فزینة لا یراها إلّا الزوج الخاتم و السوار، و زینة یراها الأجانب و هی الظاهر من الثیاب … الخ.

و سنذکر بقیة الکلام فی رسالة مستقلّة انشاء الله تعالى لانّ الأزید من ذلک خروج عمّا نحن فی مقام ذکره.