جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

سنّة البشارة على مدى العصور

زمان مطالعه: 4 دقیقه

لقد صرّح القرآن الکریم بأن العهد التاریخی للبشریة قد بدأ بظاهرة وجود النبوّات و بعث الأنبیاء و إرسال الرسل. الذین مضوا یقودون مجتمعاتهم نحو حیاة أفضل و وجود إنسانی أکمل؛ مما یمکن أن نستنتج منه أنّ إشراق النبوّة و ظهور الأنبیاء فی المجتمعات البشریّة یعتبر بدایة العصر التاریخی للبشریة.

قال تعالى: کانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلَّا الَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ(1)

لقد قضت حکمة الله و رحمته بإرسال الأنبیاء حاملین الى الإنسانیة منهاج هدایتها الذی یخرجها من عهد الغریزة الى عهد العقل، و من منطق الصراع الذی مرجعه الغریزة و القوّة الى منطق النظام و مرجعه القانون .. و خرج المجتمع البشری بالنبوّات عن کونه تکوینا حیوانیا- بیولوجیّا الى کونه ظاهرة عقلیة روحیة و حققت النبوّات للإنسان مشروع وحدة أرقى من وحدته الدمویة البیولوجیة …

و هی الوحدة القائمة على أساس المعتقد، و بذلک تطوّرت العلاقات الإنسانیة

مرتفعة من علاقات المادة الى علاقات المعانی. و الاختلافات التی نشأت فی النوع الإنسانی بعد إشراق عهد النبوّات غدت اختلافات فی المعنى، و اختلافات فی الدین و المعتقد؛ فإن أسباب الصراع لم تلغ بالدین الذی جاءت به النبوّات بل استمرّت و تنوّعت، و لکن المرجع لم یعد الغریزة بل غدا القانون مرجعا فی هذا المضمار. و القانون الذی یتضمنه الدین یکون قاعدة ثابتة لوحدة الإنسانیة و تعاونها و تکاملها(2)

و أوضح الإمام علی بن أبی طالب (علیه السّلام) فی الخطبة الأولى من نهج البلاغة- بعد أن استعرض تاریخ خلق العالم و تاریخ خلق آدم (علیه السّلام) و إسکانه فی الأرض- أن إشراق النبوّة و تسلسلها على مدى العصور هو المحور فی تاریخ الإنسان و حرکته نحو الکمال کما صرّح به القرآن الکریم موضحا منهجه فی التعامل مع التاریخ.

قال (علیه السّلام «… و اصطفى سبحانه من ولد (آدم) أنبیاء، أخذ على الوحی میثاقهم(3)، و على تبلیغ الرسالة أمانتهم لمّا بدّل أکثر خلقه عهد الله الیهم(4)، فجهلوا حقّه، و اتّخذوا الأنداد معه(5)، و اجتالتهم الشیاطین عن معرفته(6)، و اقتطعتهم عن عبادته ..

فبعث فیهم رسله، و واتر إلیهم أنبیاءه؛ لیستأدوهم میثاق فطرته(7)، و یذکّروهم منسیّ نعمته، و یحتجّوا علیهم بالتّبلیغ، و یثیروا لهم دفائن العقول(8)، و یروهم آیات‏

المقدرة: من سقف فوقهم مرفوع، و مهاد تحتهم موضوع، و معایش تحییهم، و آجال تفنیهم، و أوصاب تهرمهم(9)، و أحداث تتابع علیهم.

و لم یخل الله سبحانه خلقه من نبیّ مرسل، أو کتاب منزل، أو حجّة لازمة، أو محجّة قائمة(10)

رسل لا تقصّربهم قلّة عددهم، و لا کثرة المکذّبین لهم: من سابق سمّی له من بعده، أو غابر عرّفه من قبله(11)

على ذلک نسلت القرون(12)، و مضت الدهور، و سلفت الآباء، و خلفت الأبناء.

الى أن بعث الله سبحانه محمّدا رسول الله (صلّى الله علیه و اله)، لإنجاز عدته(13)، و إتمام نبوّته.

مأخوذا على النبیّین میثاقه، مشهورة سماته(14)، کریما میلاده، و أهل الأرض یومئذ ملل متفرّقة و أهواء منتشرة، و طوائف متشتّتة، بین مشبّه لله بخلقه، أو ملحد فی اسمه، أو مشیر الى غیره(15)

فهداهم به من الضّلالة، و أنقذهم بمکانه من الجهالة.

ثم اختار سبحانه لمحمّد (صلّى الله علیه و اله) لقاءه، و رضی له ما عنده، و أکرمه عن دار الدنیا، و رغب به عن مقام البلوى، فقبضه الیه کریما (صلّى الله علیه و اله)، و خلّف فیکم ما خلّفت الأنبیاء فی اممها إذ لم یترکوهم هملا بغیر طریق واضح، و لا علم قائم»(16)

إنّ بشائر الأنبیاء السابقین بنبوّة الأنبیاء اللاحقین تنفع الأجیال المعاصرة لهم و کذا الأجیال اللاحقة؛ إذ تفتح عیونهم و تجعلهم على أهبة الاستقبال للنبیّ المبشّر بنبوّته، کما أنّها تزیل عنهم الریب و تعطیهم مزیدا من الثقة و الاطمئنان.

على أن الیأس من الاصلاح إذا ملأ القلب یجعل الانسان یفکر بطرق أبواب الشّر و الخیانة، فالبشائر بمجی‏ء الأنبیاء المصلحین تزیل الیأس من النفوس التی تنتظر الاصلاح و توجّهها الى حبّ الحیاة و قرع أبواب الخیر.

و تزید البشائر إیمان المؤمنین بنبوّة نبیّهم، و تجعل الکافرین فی شکّ من کفرهم، فیضعف صمودهم أمام دعوة النبی الى الحقّ ممّا یمهّد لقبولهم الدعوة.

و إذا أدّت البشارة إلى حصول الثقة فقد لا تطلب المعجزة من النبیّ، کما تکون النبوّة المحفوفة بالبشارة أنفذ الى القلوب و أقرب الى الاذعان بها. على أنّها تبعّد الناس عن وطأة المفاجأة أمام واقع غیر منتظر، و تخرج دعوة النبیّ عن الغرابة فی نفوس الناس(17)

على أن الأنبیاء جمیعا یشکّلون خطا واحدا، فالسابق یبشّر باللاحق، و اللاحق یؤمن بالسابق. و قد تکفّلت الآیة (81) من سورة آل عمران بالتصریح بسنّة البشائر هذه. فضلا عن الشواهد و التطبیقات التی سوف نلاحظها فی البحث الآتی.


1) البقرة (2): 213.

2) حرکة التاریخ عند الإمام علی (علیه السّلام): 71- 73.

3) أخذ علیهم المیثاق أن یبلّغوا ما أوحی إلیهم، أو أخذ علیهم أن لا یشرّعوا للناس إلّا ما یوحى إلیهم.

4) عهد الله الى الناس: هو ما یعبر عنه بمیثاق الفطرة.

5) الأنداد: المعبودین من دونه سبحانه و تعالى.

6) اجتالتهم: صرفتهم عن قصدهم الذی وجّهوا إلیه بالهدایة المغروزة فی فطرهم.

7) کأن الله تعالى بما أودع فی الإنسان من الغرائز و القوى، و بما أقام له من الشواهد و أدلة الهدى، قد أخذ علیه میثاقا بأن یصرف ما أوتی من ذلک فیما خلق له، و قد کان یعمل على ذلک المیثاق و لا ینقضه لو لا ما اعترضه من وساوس الشهوات، فبعث النبیین لیطلبوا من الناس أداء ذلک المیثاق.

8) دفائن العقول: أنوار العرفان التی تکشف للإنسان أسرار الکائنات، و ترتفع به الى الإیقان بصانع الموجودات، و قد یحجب هذه الأنوار غیوم من الأوهام و حجب من الخیال، فیأتی النبیون لإثارة تلک المعارف الکامنة، و إبراز تلک الأسرار الباطنة.

9) السقف المرفوع: السماء. و المهاد الموضوع: الأرض. و الأوصاب: المتاعب.

10) المحجة: الطریق القویمة الواضحة.

11) من سابق بیان للرسل، و کثیر من الأنبیاء السابقین سمیت لهم الأنبیاء الذین یأتون بعدهم فبشروا بهم، کما ترى ذلک فی التوراة. و الغابر: الذی یأتی بعد أن یشیر به السابق جاء معروفا بتعریف من قبله.

12) مضت متتابعة.

13) الضمیر فی عدته لله تعالى: لأن الله وعد بإرسال محمد (صلّى الله علیه و اله) على لسان أنبیائه السابقین. و کذلک الضمیر فی نبوته: لأنّ الله تعالى أنبأ به، و أنّه سیبعث وحیا لأنبیائه. فهذا الخبر الغیبی قبل حصوله یسمى نبوة. و لما کان الله هو المخبر به أضیفت النبوة إلیه.

14) سماته: علاماته التی ذکرت فی کتب الأنبیاء السابقین الذین بشّروا به.

15) الملحد فی إسم الله: الذی یمیل به عن حقیقة مسمّاه فیعتقد فی الله صفات یجب تنزیهه عنها. و المشیر الى غیره، الذی یشرک معه فی التصرّف إلها آخر فیعبده و یستعین به.

16) أی أنّ الأنبیاء لم یهملوا أممهم مما یرشدهم بعد موت أنبیائهم، و قد کان من محمد (صلّى الله علیه و اله) مثل ما کان منهم، فإنّه خلّف فی أمته کتاب الله تعالى حاویا لجمیع ما یحتاجون الیه فی دینهم، کما خلّف أهل بیته المعصومین و جعلهم قرناء للکتاب المجید کما صرّح بذلک فی حدیث الثقلین الذی تواتر عنه (صلّى الله علیه و اله) و رواه جمع غفیر من المحدثین.

17) محمد فی القرآن: 36- 37.