بدأت شخصیة محمد (صلّى الله علیه و اله) تتلألأ فی المجتمع المکی بما کانت تتمتع به من خلق رفیع و علو همة و أمانة و صدق حدیث فکانت القلوب تنجذب إلیه و هو سلیل أسرة طاهرة و لکن الفقر الذی کان حلیف أبی طالب دفع بالأسرة الکریمة
التی کان یعیش فیها محمد (صلّى الله علیه و اله) إلى أن یقترح أبو طالب على ابن أخیه الذی کان قد بلغ الخامسة و العشرین من عمره أن یخرج مضاربا بأموال خدیجة بنت خویلد و بادر أبو طالب إلى خدیجة و فاتحها بالأمر فرحّبت به على الفور و سرّت سرورا عظیما لما کانت تعرفه عن محمد (صلّى الله علیه و اله) و قد بذلت له ضعف ما کانت تبذل لغیره ممّن یخرج فی تجارتها(1)
و سافر محمّد (صلّى الله علیه و اله) إلى الشام یعینه فی رحلته «میسرة» غلام خدیجة و استطاع بجمال شمائله و رقیق عواطفه أن یکسب حبّ میسرة و إجلاله و استطاع بأمانته و حنکته أن یربح أوفر الربح و ظهرت له فی سفره بعض الکرامات الباهرة، فلما عادت القافلة الى مکة أخبر میسرة خدیجة بما شاهد و سمع(2) مما زاد فی اهتمام خدیجة بمحمّد (صلّى الله علیه و اله) و شوّقها الى الاقتران به.
و زعم بعض المؤرخین: أنّ خدیجة قد استأجرته فی تجارتها، بینما قال الیعقوبی- و تاریخه الذی یعدّ من أقدم المصادر المعتمدة- «و إنه ما کان مما یقول الناس: إنها استأجرته بشیء، و لا کان أجیرا لأحد قط»(3)
و قد ورد النصّ عن الإمام الحسن العسکری، عن أبیه الإمام الهادی (علیه السّلام):
«إنّ رسول الله (صلّى الله علیه و اله) کان یسافر الى الشام مضاربا لخدیجة بنت خویلد»(4)
1) راجع بحار الانوار: 16/ 22، کشف الغمة: 2/ 134 نقلا عن معالم العترة للجنابذی، و راجع أیضا السیرة الحلبیة: 1/ 132.
2) البدایة و النهایة: 2/ 296، السیرة الحلبیة: 1/ 136.
3) تاریخ الیعقوبی: 2/ 21.
4) بحار الأنوار: 17/ 308.