جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

غزوة بدر الکبرى

زمان مطالعه: 4 دقیقه

بنزول الأمر الإلهی بالقتال انتقلت الرسالة الإسلامیة إلى مرحلة جدیدة من الصراع مع قوى الشرک و الضلالة، و تحرکت فی نفوس المهاجرین الرغبة الجادة لاسترداد حقوقهم المسلوبة من قبل و التی استلبتها قریش منهم لا لشی‏ء إلّا لأنهم آمنوا بالله وحده.

و رصد النبیّ (صلّى الله علیه و اله) قافلة قریش التی فاتته فی طریق ذهابها إلى الشام فی غزوة ذات العشیرة و خرج فی عدّة خفیفة و عدد قلیل یرتجی ملاقاة قافلة ضمّت أسهما تجاریة ضخمة لأغلب المکیین. و لم تکن حرکة النبی (صلّى الله علیه و اله) سرّیة فقد بلغ خبرها إلى مکة و إلى أبی سفیان قائد القافلة فتحوّل فی مسیره إلى اتجاه آخر حیث لا یدرکه المسلمون … و خرجت قریش فزعة تطلب مالها تلهبها مشاعر الحقد و الحسد للمسلمین، على أن عددا من کبارها نظر إلى الأمر بتدبّر و رویّة و آثر عدم الخروج لملاقاة المسلمین و خصوصا بعد أن ورد خبر نجاة أبی سفیان بالقافلة التجاریّة.

خرجت قریش بعدد یناهز الألف فی عدّة ثقیلة یدفعها تجبّرها، و الاغترار بمنزلتها بین العرب و مع جموع اخرى هبّت لنصرتها مصرّة على لقاء المسلمین‏

أو لتثبت أنها لا تخذل کی لا یتعرض لها المسلمون ثانیة، فقریش ما ذلّت مذ عزّت، کما أعرب عن ذلک بعض أصحاب الرسول (صلّى الله علیه و اله) حین أراد مواجهة قریش لأوّل مرة(1)

نزلت قریش و صفّت صفوفها للقتال على مقربة من (ماء بدر) حیث سبقهم المسلمون فی ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و هیّأ الله لرسوله (صلّى الله علیه و اله) و للمسلمین مقدمات النصر و أسبابه فسهّل لهم الوصول إلى موقع القتال و ألقى علیهم الأمن و الاطمئنان و وعدهم بالنصر على أعدائهم و إظهار دین الحق(2)

و بالرغم من أن المسلمین لم یتوقعوا خروج قریش لملاقاتهم و لکن بعد أن فاتتهم القافلة و تحول الهدف إلى القتال أراد النبیّ (صلّى الله علیه و اله) أن یختبر نوایا المهاجرین و الأنصار فوقف و قال: «أشیروا علیّ أیها الناس».

فقام بعض المهاجرین و تکلّم بکلام یدل على الخوف و الجبن عن مواجهة العدو ثم قام المقداد بن عمرو فقال: یا رسول الله إمض لأمر الله فنحن معک، و الله لا نقول لک کما قالت بنو إسرائیل لنبیها: «فاذهب أنت و ربک فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»، و لکن اذهب أنت و ربّک فقاتلا إنا معکما مقاتلون و الذی بعثک بالحق لو سرت بنا إلى برک الغماد(3) لسرنا معک.

فقال له رسول الله (صلّى الله علیه و اله) خیرا. ثم کرر رسول الله (صلّى الله علیه و اله) قوله: أشیروا علیّ أیها الناس، یرید بذلک أن یسمع رأی الأنصار إذ کانوا قد بایعوه على الدفاع و الذبّ عنه بالنفس و النفیس فی العقبة قبل الهجرة.

فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجیب عن الأنصار، کأنک یا رسول الله تریدنا؟

قال (صلّى الله علیه و اله): أجل. قال: إنّا قد آمنا بک و صدقّناک و شهدنا أن کل ما جئت به حق.

و أعطیناک مواثیقنا و عهودنا على السمع و الطاعة، فامض یا نبی الله، فو الذی بعثک بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معک ما بقی منا رجل، و ما نکره أن یلقانا عدونا غدا؛ إنا لصبّر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعلّ الله یریک منّا ما تقرّ به عینک.

عندها قال رسول الله (صلّى الله علیه و اله): «سیروا على برکة الله فإن الله قد وعدنی إحدى الطائفتین و الله لکأنی أنظر إلى مصارع القوم»(4)

و فی کل موقف کان رسول الله (صلّى الله علیه و اله) یدعو و یسأل الله النصر بعد أن تهیّأ المسلمون للحرب و قاموا بالإعدادات اللازمة بدءا باختیار الموقع المناسب و إعداد الماء و اتّخاذ التحوّطات لملاقاة العدو، و النبی القائد (صلّى الله علیه و اله) کان دائما هو الطاقة المتدفقة التی تبعث فى نفوسهم الصبر و الجلد، و الاطمئنان کما کان یثیر الحماس فیهم و یخبرهم بالمدد الإلهی(5)

و احتفّ المسلمون حول النبی و هم یظهرون أروع صور الاستعداد للتضحیة من أجل العقیدة و یفکّرون فی خطة بدیلة لودارت الحرب على غیر ما یحبون فأعدّوا عریشا کمقرّ لقیادة النبی (صلّى الله علیه و اله) لیشرف من خلاله على المعرکة.

و خرجت سریة الاستطلاع لمعرفة أحوال قریش و عادوا بالأخبار الّلازمة للنبی (صلّى الله علیه و اله) فقدّر عددهم ما بین (950- 1000) مقاتل(6)

وقف رسول الله (صلّى الله علیه و اله) یصفّ المسلمین صفوفا و أعطى رایته الکبرى لعلی ابن أبی طالب (علیه السّلام) و أرسل إلى قریش طالبا منها أن ترجع، فهو یکره قتالها،

فدبّ الخلاف بین صفوف المشرکین بین راغب فی السلم و مصرّ على العدوان(7)

و أمر الرسول (صلّى الله علیه و اله) أن لا یبدأ المسلمون القتال، و وقف یدعو الله قائلا:

«اللهم إن تهلک هذه العصابة فلن تعبد بعد الیوم».

و کما هو المعتاد فی کل الحروب القدیمة برز من المشرکین عتبة بن ربیعة و أخوه شیبة و ابنه الولید یطلبون نظراء لهم من قریش لیبارزوهم. فقال النبی (صلّى الله علیه و اله) لعبیدة بن الحارث و حمزة بن عبد المطلب و علی بن أبی طالب: «یا بنی هاشم قوموا فقاتلوا بحقکم الذی بعث به نبیکم إذ جاؤوا بباطلهم لیطفئوا نور الله»(8)

فقتل من برز من قریش و التحم الجیشان و رسول الله (صلّى الله علیه و اله) یبعث الحماس فی نفوس المسلمین. ثم أخذ النبیّ (صلّى الله علیه و اله) کفا من الحصى و رمى بها على قریش و قال: شاهت الوجوه، فلم یبق منهم أحد إلّا اشتغل بفرک عینیه(9) فکانت هزیمة قریش و وقف رسول الله (صلّى الله علیه و اله) على قلیب بدر بعد طرح جثث المشرکین فیه، و ناداهم بأسمائهم و قال: هل وجدتم ما وعدکم ربکم حقا؟ فإنی وجدت ما وعدنی ربی حقا. فقال المسلمون: یا رسول الله أتنادی قوما قد ماتوا؟ فقال (صلّى الله علیه و اله): إنهم لیسمعون کما تسمعون و لکن منعوا من الجواب(10)


1) راجع المغازی للواقدی: 1/ 48، السیرة الحلبیة: 2/ 160، و بحار الأنوار: 19/ 217.

2) الانفال (8): 7- 16.

3) برک الغماد: موضع وراء مکة مما یلی البحر.

4) المغازی: 1/ 48- 49.

5) الانفال (8): 65.

6) راجع المغازی: 1/ 50.

7) المغازی: 1/ 61، بحار الانوار: 19/ 252.

8) المغازی: 1/ 68.

9) إعلام الورى: 1/ 169، السیرة النبویة: 1/ 628.

10) إعلام الورى: 1/ 171، السیرة النبویة: 1/ 638.