مرّت الأیام الحرجة على المسلمین بسرعة و قد ازدادوا خبرة قتالیة
و تنزّلت علیهم أحکام الشریعة فتهذّبت العلاقات و انتظمت شؤون حیاتهم فی عامة جوانبها و ازداد الإیمان رسوخا و ثباتا و برزت نماذج رائعة من الصمود و التضحیة و الفداء و الإخلاص للدین الإسلامی و للامة المسلمة و أوشکت أن تنمحی آثار الانکسار فی احد. و حلّ موعد التهدید الذی أطلقه زعیم الکفر أبو سفیان فی احد حین قال: موعدنا و موعدکم بدر، قاصدا الانتقام لقتلى المشرکین یوم بدر. فخرج النبی (صلّى الله علیه و اله) فی ألف و خمسمائة مقاتل من أصحابه و عسکر هناک ثمانیة أیام و لم تفلح مساعی المشرکین لتخویف المسلمین و ثنیهم عن الخروج بل تملّکهم الخوف حین علموا بما عزم علیه النبی (صلّى الله علیه و اله) و المسلمون فاضطر أبو سفیان إلى أن یخرج إلى الموعد المحدد و لکنه کرّ راجعا بحجّة الجفاف و الجدب المؤثر على الاستعداد العسکری. و بذلک و صمت قریش بعار الهزیمة و الجبن و ارتفعت معنویات المسلمین و استردّوا عافیتهم و نشاطهم.
و بعد فترة قلیلة أفادت الأخبار بأنّ سکان دومة الجندل یقطعون الطریق و یتجهزون لغزو المدینة، فخرج الیهم النبی (صلّى الله علیه و اله) بألف من المسلمین للقائهم، و ما أن سمعوا بخروجه إلیهم حتّى لاذوا بالفرار مخلّفین وراءهم ما کان معهم من غنائم فاستولى علیها المسلمون دون قتال(1)
1) السیرة النبویة لابن کثیر: 3/ 177، الطبقات الکبرى: 2/ 62.