و وردت أخبار جدیدة تفید بأن الحارث بن أبی ضرار- زعیم بنی المصطلق- یعدّ لغزو المدینة فاستوثق النبی (صلّى الله علیه و اله)- کعادته قبل کل تحرک- من صدق الخبر و ندب المسلمین فخرجوا إلیهم و التقوا عند ماء یدعى «المریسیع» و نشبت الحرب ففر المشرکون بعد قتل عشرة اشخاص منهم، و غنم المسلمون
غنائم کثیرة و سبیت أعداد کبیرة من عوائل بنی المصطلق، کانت من بینهم جویریة بنت الحارث فأعتقها النبی (صلّى الله علیه و اله) ثم تزوجها، و أطلق المسلمون ما فی أیدیهم من الأسرى إکراما لرسول الله (صلّى الله علیه و اله) و لها(1)
و فی هذه الغزوة کادت أن تقع فتنة بین المهاجرین و الأنصار بسبب بعض النعرات القبلیّة و لما علم النبی (صلّى الله علیه و اله) بذلک قال «دعوها فإنها فتنة»(2) و أسرع عبد الله بن ابی رأس النفاق یبتغی الفتنة و یؤجج الخلاف فوجّه اللّوم لمن حوله من أهل المدینة إذ آووا و نصروا المهاجرین ثم قال: أما و الله لئن رجعنا إلى المدینة لیخرجنّ الأعز منها الأذل، و کادت أن تفلح مساعى ابن ابی لو لا أنّ النبی (صلّى الله علیه و اله)- بعد أن توثق من تحریض ابن أبیّ و نفاقه- أمر بالعودة إلى المدینة على وجه السرعة رافضا رأی عمر بن الخطاب بقتل ابن ابی فقال (صلّى الله علیه و اله): «فکیف یا عمر إذا تحدّث الناس أن محمدا یقتل أصحابه؟! لا»(3) و لم یأذن النبی (صلّى الله علیه و اله) بالاستراحة فی الطریق فسار بالمسلمین یوما و لیلة ثم أذن لهم بالاستراحة فأخلد الجمیع للنوم من شدة التعب و لم تتح فرصة للتحدث و تعمیق الخلاف. و على أبواب المدینة طلب عبد الله بن عبد الله بن ابی الإذن من النبی (صلّى الله علیه و اله) فی قتل أبیه بیده دون أحد من المسلمین خشیة أن تثیره العاطفة فیثأر لأبیه فقال نبی الرحمة (صلّى الله علیه و اله): «بل نترفق به و نحسن صحبته ما بقی معنا». ثم وقف عبد الله (الأبن) لیمنع أباه من دخول المدینة إلّا بإذن من الرسول الأکرم (صلّى الله علیه و اله)(4)، و فی هذا الظرف نزلت سورة المنافقین لتفضح سلوکهم و نوایاهم.
1) تاریخ الطبری: 3/ 204، امتاع الاسماع: 1/ 195.
2) السیرة النبویة: 1/ 290.
3) امتاع الأسماع: 1/ 202.
4) راجع السیرة النبویة: 2/ 292.