تختلف مغازی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الانسانیة عن مغازی المخالفین لمنهجه من الطغاة و العتاة و المردة فی أخلاقها و اهدافها،فنیته فتح البلدان لله تعالی و تعالیمه السامیة و شریعته السمحاء و انقاذ الشعوب من الاستعباد،و الدیانات البالیة و الطقوس الفانیة.
فغایة النبی صلی الله علیه و آله و سلم نشر الحضارة فی ربوع البلدان لا امتصاص خیراتها و استغلالها کما فعلت و تفعل حکومات الدنیا!.
و هذا هو الفرق الجوهری بینالمنطق النبوی و المنطق الجاهلی،و مع الأسف کانت و ما زالت نظرة الناس الی التفوحات فیط سعتها،و غنائمها فتقاس عندئذ فتوح المسلمین للاندلس و الهند بفتوح المغول للصین و روسیا و ایطالیا.
فی حین کان هدف المغول تحطیم الحضارات و جمع الأموال و اشباع الشهوات و ارضاء نفوسسم السادیة بالقتل و اراقة الدماء!
ان المغازی تختلف اختلافا اصوالیا فی هدفها و اخلاقها و مغازی النبی صلی الله علیه و آله و سلم هدفها اصلاح الأنسان و تهذیب نفسه،و رفع تمدنه و ثقافته و وعیه لیصبح نموذجا للخلق الراقی.
فأصبحت حقوق سکان البلدان المفتوحة فی الیمن و عمان و البحرین متساویة مع سکان المدینة و سمحت الدولة بالحریات لأهل الدیانات السماویة و أسقطت کل الفروق اللونیة و القومیة و غیرها تحت مظلة (ان اکرمکم عند الله اتقاکم) فأصبح سلمان الفارسی و بلال الحبشی الاسود فی المرتبة الاولی من الصحابة المقربین.
و اعطت الدولة فرص التعلیم و ادارة الولایات بصورة متساویة و وفرت الأمن للجمیع و حافطت علی کرامة الناس و احترامهم و دحرت المنتفعین و الظالمین تحت ظل العدالة الاسلامیة.
فتفجرت طاقات أفراد الأمة و ازدهرت مؤسسات الدولة الاجتماعیة و الاقتصادیة و الثقافیة،فعرف الناس الفرق بین الحکم الجاهلی و الحکم الاسلامی.
فرفع رسول اله صلی الله علیه و آله و سلم عرب الجاهلیة من أسفل طبقات الهاویة الی أعلی الدرجات الراقیة فی فترة و جیزة.
و لما مات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أعاد عثمان بن عفان الاحکام القرشیة الجاهلیة ثار علیه المسلمون و قتلوه و هی اول ثورة اسلامیة عارمة هدفها الاصلاح و العدالة.
و لما نجح معاویة فی التسلط علی مقالید الحکم مع بقیة افراد بنی أمیة تطورت الفتوحات الاسلامیة و لکن فقدت بریقها الاسلامی فقد قال هشام بن عبدالملک لوالیه علی الهند:
ثکلتک امک احلب الدر فان انقطع احلب الدم،و أصدر أمرا بأخذ الجزیة من
المشرکین و لو اسلموا! فکفر معظم المسلمین الهنود.
و أفعال الملوک الملمین الظالمة بحق شعوبهم و شعوب العالم نابع من سیرتهم علی الخطی الجاهلیة و تنکرهم للتعالیم الاسلامیة.
فتعرض الاسلام نفسه لهجمة غادرة من قبلهم،تمثلت فی تشکیکهم بالدین و مهاجمتهم لخاتم النبیین.
و لم یفصل الکثیر من الناس بین الاسلام و بین ملوک المسلمین فتعرض الدین المحمدی لهجمة شرسة من قبل الأعداء المتخذین أفعال الطغاة ذریعة لهجومهم.
و لا یدرک الکثیر الأثر العظیم لسیرة سید المرسلین فی تقویة و یکفی لا دراک ذلک انه صلی الله علیه و آله و سلم انتشل عرب شبة الجزیرة العرب من جحیم الجاهلیة الی جنة الاسلام،فرفرت رایات العدالة و الانسانیة و المساواة و الأمان فی ارض المسلمین.
فأصبح الاعرابی الشرس القاتل لابنته و المغازی لجیرانه و ابناء عمه معطیا للخمس و الزکاة و محامیا عن المظلوم و أنیقا فی المعاملة و التصرف.
فصعد العرب سلم الحضارة مرتبة بعد اخری مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم بدأو و بنزولها بعد مقتله صلی الله علیه و آله و سلم درجة بعد اخری الی قاع السقوط! و هذه عبرة لنا فی ضرورة التمسک بالدین لصعود درجات العلی و الابتعاد عن السقوط و الهزیمة.
ان قدرة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الاخلاقیة و الحضاریة فی انقاذه أجهل أمة علی سطح المعمورة نقلة نوعیة ودفعها الی ساحة الحریة و العدالة و الانسانیة.