والشواهد التی نرید أن نوردها هنا، وتصل إلی حد الفضیحة، هی التالیة:
1 ـ یقول ابن عباس لأهل البصرة، وهو علی المنبر: أخرجوا صدقة صومکم. فلم یفهم الناس مراده؛ فطلب أن یقوم من کان من أهل المدینة حاضرا، بتوضیح ذلک للناس؛ فإنهم لا یعلمون من زکاة الفطرة الواجبة شیئا(1)
کان هذا هو حال البصرة، التی مُصِّرت فی عهد الخلیفة الثانی عمر بن الخطاب، فإن أهلها لا یفهمون حتی لغة الشریعة، ولم یعرفوا عن زکاة الفطرة شیئا، رغم أن من المفروض أن یکون ذلک من البدیهیات، فما ظنک بعد هذا بأولئک الذین تفتح بلادهم، ویعلنون إسلامهم، وهم عشرات الألوف. ولیس لدیهم من یعلمهم، ولا من یدلهم ویرشدهم. وقد کانت لا تزال تضاف إلی الممالک الإسلامیة مناطق واسعة،
وبلاد شاسعة، مملوءة بالسکان، دون أن یتصدی لتعلیمهم وتثقیفهم أحد من الناس.
2 ـ وقد کان جیش بأکمله من هؤلاء الفاتحین للبلاد، والمفترض أنهم هم حملة الإسلام إلی سائر الأمم التی تخضع لهم، وتقبل ببسط سلطتهم ـ إن هذا الجیش ـ لم یکن فیه أحد یعرف: أن الوضوء علی من أحدث، حتی بعث قائدهم، أبو موسی الأشعری من ینادی فیهم بذلک(2)
مع أن أمر الوضوء من أوضح الواضحات، ویمارسه کل أحد کل یوم عدة مرات. فإذا کان هؤلاء یجهلون ذلک، فما ظنک بالناس الذین یفترض فیهم أن یأخذوا أحکام دینهم وعباداتهم من هؤلاء الجهلة بالذات، وهم المعلمون والأساتذة، والمربون لهم؟!!.
3 ـ لقد أشار الخلیفة الثانی إلی أن الناس کانوا یعرفون جهل کبار الصحابة بأحکام الربا، فهو یقول: إنکم تزعمون: أنا لا نعلم أحکام الربا. ولأن أکون أعلمها أحب إلی من أن یکون لی مثل مصر، وکوَرِها(3)
4 ـ کما أن ابن مسعود لم یکن یدری: أن صرف الفضة بالفضة لا یصلح إلا مثلا بمثل(4)
5 ـ وأنکر معاویة أیضاً: أن یکون ذلک من الربا(5)
ونقول:
إنه إذا کان الصحابة، حتی الخلیفة الثانی ومعاویة، وحتی ابن مسعود المشهور بعلمه وفضله، لا یدرون ذلک، فما حال غیرهم من سائر الناس، فضلا عن أولئک الذین لم یروا النبی (ص) ولا عاشوا معه، بل سمعوا باسمه، لا أکثر ولا أقل؟!.
6 ـ لقد شکا أهل الکوفة إلی عمر، سعد بن أبی وقاص: أنه لا یحسن یصلی(6)
7 ـ إن ابن عمر، لا یحسن أن یطلق امرأته، حیث طلقها ثلاثا فی طهر کان واقعها فیه، فاستحمقوه لأجل ذلک(7)
8 ـ إن ابن مسعود قد أفتی رجلا فی الکوفة بجواز أن یتزوج أم زوجته التی طلقها قبل الدخول، ففعل ذلک، وبعد أن ولدت له أم زوجته ثلاثة أولاد، وعاد ابن مسعود إلی المدینة، وسأل عن هذه المسألة، فأخبروه بعدم جواز ذلک، فعاد إلی الکوفة، وأمر ذلک الرجل بفراق تلک المرأة، بعد کل ما حصل(8)
کما أن مسروقا ومعاویة کانا لا یعرفان حکم هذه المسألة أیضاً(9)
9 ـ إنهم إنما کانوا یعرفون قراءة رسول الله (ص) فی صلاته؛ باضطراب لحیته(10)
10 ـ لقد أفتی عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو(11): أن ماء البحر لا یجزی من وضوء ولا جنابة. وقریب من هذا روی عن سعید بن المسیب(12) وروی مثل ذلک عن أبی هریرة أیضاً(13)
1) الأحکام فی أصول الأحکام ج 2 ص 131.
2) حیاة الصحابة ج 1 ص 505 عن کنز العمال ج 5 ص 114 وعن معانی الآثار للطحاوی ج 1 ص 27.
3) المصنف للصنعانی ج 8 ص 26 والسنن الکبری ج 3 ص 23.
4) راجع: المصنف للصنعانی ج 8 ص 123 و 124 والسنن الکبری ج 5 ص 282، ومجمع الزوائد ج 4 ص 116.
5) المصنف للصنعانی ج 8 ص 34 والسنن الکبری ج 5 ص 282 و 277 و 276 وعن صحیح مسلم ج 2 ص 25 و 52.
6) سیأتی ذلک مع مصادره فی غزوة أحد.
7) راجع: صحیح مسلم ج 4 ص 181 وراجع ص 179 و 182 والغدیر ج 10 ص 39 وراجع: مسند أحمد ج 2 ص 51 و 61 و 64 و 74 و 80 و 128 و 145 وعن صحیح البخاری ج 8 ص 76 وعن تاریخ الأمم والملوک ج 5 ص 34 وعن الکامل فی التاریخ ج 3 ص 27 وعن الصواعق المحرقة ص 62 وعن فتح الباری ج 7 ص 54 وصححه کل ذلک فی الغدیر.
8) راجع: المصنف للصنعانی ج 6 ص 273 و 274 والسنن الکبری ج 7 ص 159.
9) راجع: المصنف ج 6 ص 274 و 275.
10) صحیح البخاری ط سنة 1309 ه. ج 1 ص 90 و 93 ومسند أحمد ج 5 ص 109 و 112، والسنن الکبری ج 2 ص 37 و 54 عن الصحیحین، والبحر الزخار ج 2 ص 247 وجواهر الأخبار والآثار (مطبوع بهامش البحر الزخار) ج 2 ص 247 عن أبی داود والترمذی، والانتصار، والنسائی، والبخاری.
11) راجع: المصنف للصنعانی ج 1 ص 93 والمغنی لابن قدامة ج 1 ص 8 والشرح الکبیر بهامشه ج 1 ص 7 وراجع: تحفة الأحوذی ج 1 ص 231 ط دار الفکر، والخلاف ط جماعة المدرسین ج 1 ص 51 والمحلی ج 1 ص 221 ونیل الأوطار ج 1 ص 20 والجامع لأحکام القرآن ج 13 ص 53 وعن المصنف لابن أبی شیبة ج 1 ص 88.
12) راجع: الخلاف ج 1 ص 51 وتحفة الأحوذی ج 1 ص 231 ونیل الأوطار ج 1 ص 20.
13) نیل الأوطار ج 1 ص 20 والمحلی ج 1 ص 221 وتحفة الأحوذی ج 1 ص 231.