قال ابن کثیر(1): و قد روى موسى بن عقبة عن الزهری قصة العبد الأسود الذی رزقه الله الإیمان و الشهادة فی ساعة واحدة، و کذلک رواها ابن لهیعة عن أبی الأسود عن عروة قالا:
و جاء عبد حبشی أسود من أهل خیبر کان فی غنم لسیّده، فلمّا رأى أهل خیبر قد أخذوا السلاح سألهم قال: ما تریدون؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل الذى یزعم انّه نبی، فوقع فی نفسه ذکر النبی (ص)، فأقبل بغنمه حتّى عمد لرسول الله فقال: الى ما تدعو؟ قال (ص): أدعوک
الى الإسلام و الى أن تشهد أن لا إله إلّا الله و انّی رسول الله. قال: فقال العبد: فماذا یکون لی إن شهدت بذلک و آمنت بالله؟ قال رسول الله: الجنة إن متّ على ذلک. فأسلم العبد فقال: یا نبی الله انّ هذه الغنم عندی أمانة. فقال رسول الله أخرجها من عسکرنا و ارمها بالحصا فانّ الله سیؤدی عنک أمانتک، ففعل فرجعت الغنم الى سیّدها، فعرف الیهودی انّ غلامه قد أسلم، فقام رسول الله (ص) فوعظ الناس. فذکر الحدیث فی إعطائه الرایة علیّا و دنوّه من حصن الیهود و قتله مرحبا، و قتل مع علی ذلک العبد الأسود، فاحتمله المسلمون الى عسکرهم، فأدخل فی الفسطاط، فزعموا انّ رسول الله (ص) اطّلع فی الفسطاط ثم اطّلع على أصحابه فقال: لقد أکرم الله هذا العبد و ساقه الى خیر، قد کان الإسلام فی قلبه حقّا، و قد رأیت عند رأسه اثنین من الحور العین … الخ.
أقول: و هذا أیضا ممّا یدلّ على انّ قاتل مرحب کان علی بن أبی طالب. و هذا النقل أیضا یعارض ما نقل عن الزهری من انّ قاتل مرحب کان محمد بن مسلمة کما لا یخفى. ثم قال ابن کثیر: ثم قال البیهقی: حدّثنا محمد بن محمد بن محمد الفقیه- الى أن قال- حدّثنا ثابت عن أنس: انّ رجلا أتى رسول الله (ص) فقال: یا رسول الله انّی رجل أسود اللون قبیح الوجه لا مال لی، فإن قاتلت هؤلاء حتّى أقتل أدخل الجنة؟ قال: نعم، فتقدّم فقاتل حتّى قتل، فأتى علیه رسول الله و هو مقتول، فقال (ص): لقد حسّن الله وجهک و طیّب ریحک و کثّر مالک، و قال (ص): لقد رأیت زوجتیه من الحور العین یتنازعان جبة علیه یدخلان فیما بین جلده و جبّته، انتهى.
و قال العلّامة محمد رضا: و کان أول حصن فتحه المسلمون هو حصن الناعم من حصون النطاة على ید علی، ثم القموص، و لم یزل القتال ناشبا بین المسلمین و الیهود و المسلمون یفتحون حصونهم حصنا بعد حصن حتّى أتمّوها … الخ.
و قال محمد بن سعد(2): فقاتل رسول الله (ص) المشرکین و قاتلوه أشدّ القتال، و قتلوا من
أصحابه (ص) عدّة، و قتل منهم جماعة کثیرة، و فتحها حصنا حصنا، و هی حصون ذوات عدد. الى أن قال: منها القموص، و الوطیح، و سلالم و هو حصن بنی أبی الحقیق و أخذ کنز آل أبی الحقیق الذی کان فی مسک الجمل و کانوا قد غیّبوه فی خربة فدلّ الله رسوله (ص) علیه فاستخرجه … الخ.
و قال ابن هشام(3): قال ابن إسحاق: و لمّا افتتح رسول الله (ص) من حصونهم ما افتتح و حاز من الأموال ما حاز، انتهوا الى حصنیهم الوطیح و السلالم، و کان آخر حصون خیبر افتتاحا، فحاصرهم رسول الله (ص) بضع عشرة لیلة. الى أن قال: فأتى رسول الله (ص) بکنانة بن الربیع، و کان عنده کنز بنی النضیر، فسأله عنه فجحد أن یکون یعرف مکانه، فأتى رسول الله (ص) برجل من یهود فقال لرسول الله: انّی رأیت کنانة یطیف بهذه الخربة کل غداة. فقال رسول الله (ص) لکنانة: أرأیت إن وجدناه عندک أقتلک؟ قال: نعم، فأمر رسول الله (ص) بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض کنزهم، ثم سأله عمّا بقی فأبى أن یؤدّیه، فأمر به رسول الله الزبیر بن العوّام فقال: عذّبه حتّى تستأصل ما عنده، فکان الزبیر یقدح بزنده فی صدره حتّى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله (ص) الى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخیه محمود بن مسلمة، و حاصر رسول الله (ص) أهل خیبر فی حصنیهم الوطیح و السلالم حتّى إذا أیقنوا بالهلکة سألوه أن یسیّرهم و أن یحقن دماءهم ففعل، و کان رسول الله (ص) قد حاز الأموال کلّها الشق و النطاة و الکتیبة و جمیع حصونهم إلّا ما کان من ذینک الحصنین … الخ.
و قال العلّامة محمد رضا: و أخذ رسول الله (ص) کنز آل أبی الحقیق، و کان من بنی النضیر الذی حمله حییّ بن أخطب لمّا أجلى عن المدینة، و أمر رسول الله (ص) بقتل کنانة و أخیه الربیع، لأنهما أخفوا مال حییّ، و قد علم رسول الله بمکان المال و أتی به و قوّم بعشرة آلاف دینار.
الى أن قال: فقد مکث المسلمون على حصارهم أربعة عشر یوما، فلم یخرج أحد منهم، فهمّ رسول الله (ص) أن یحمل علیهم و أن ینصب علیهم المنجنیق، فلمّا أیقنوا بالهلکة سألوا رسول الله (ص) الصلح على حقن دماء المقاتلة و ترک الذریة و الخروج من خیبر و أرضها بذراریهم و ألّا یصحب أحدا منهم إلّا ثوب واحد، فصالحهم على ذلک و على انّ ذمّة الله تعالى و رسوله بریئة منهم إن کتموه شیئا، فترکوا ما لهم من أرض و مال و صفراء و بیضاء و الکراع و الحلقة و البز إلّا ثوبا واحدا، و وجد المسلمون فی الحصنین المذکورین مائة درع و أربعمائة سیف و ألف رمح و خمسمائة قوس عربیة بجعابها، و وجدوا فی أثناء الغنیمة صحائف متعدّدة من التوراة، فجاءت یهود تطلبها، فأمر رسول الله (ص) بدفعها إلیهم … الخ.
و قال محمد بن سعد(4): فصالحهم على أن یحقن دماءهم و لهم ما حملت رکابهم و للنبی (ص) الصفراء و البیضاء و الحلقة و هو السلاح و یخرجهم، و شرطوا للنبی (ص) أن لا یکتموه شیئا فإن فعلوا فلا ذمّة لهم و لا عهد، فلمّا وجدوا المال الذی غیّبوه فی مسک الجمل سبا نساءهم و غلب على الأرض و النخل و دفعها إلیهم على الشطر، و کان ابن رواحة یخرّصها علیهم و یضمنهم الشطر … الخ.
و قال محمد بن سعد(5) أیضا: و قتل من الیهود ثلاثة و تسعین رجلا، و استشهد من أصحاب النبی (ص) بخیبر خمسة عشر رجلا. الى أن قال: و أمر رسول الله (ص) بالغنائم فجمعت، و استعمل علیها فروة بن عمرو البیاضی، ثم أمر بذلک فجزىء خمسة أجزاء، و کتب فی سهم منها للّه و سائر السهمان اغفال، و کان أول ما خرج سهم النبی (ص) لم یتخیّر فی الأخماس، فأمر ببیع الأربعة الأخماس فیمن یزید، فباعها فروة و قسّم ذلک بین أصحابه، و کان الذی ولی إحصاء الناس زید بن ثابت، فأحصاهم ألفا و أربعمائة الخیل مائتی فرس، و کانت السّهمان على ثمانیة عشر سهما لکل مائة رأس و للخیل أربعمائة سهم و کان الخمس الذی صار الى رسول الله یعطى منه على ما أراه الله من السلاح و الکسوة، و أعطى منه أهل بیته
و رجالا من بنی عبد المطلب و نساء و الیتیم و السائل و أطعم من الکتیبة و بنی عبد المطلب و غیرهم، و قدم الدوسیّون فیهم أبو هریرة، و قدم الطفیل بن عمرو، و قدم الأشعریون و رسول الله (ص) بخیبر فلحقوه بها، فکلّم رسول الله أصحابه فیهم أن یشرکوهم فی الغنیمة ففعلوا.
الى أن قال: لمّا افتتح النبی (ص) خیبر أخذها عنوة فقسّمها على ستة و ثلاثین سهما، فأخذ لنفسه ثمانیة عشر سهما، و قسّم بین المسلمین ثمانیة عشر سهما، و شهدها مائة فرس و جعل للفرس سهمین … الخ.
1) السیرة النبویة 3/ 361.
2) الطبقات الکبرى 2/ 106.
3) السیرة النبویة 3/ 347.
4) الطبقات الکبرى 2/ 110.
5) الطبقات الکبرى 2/ 107 و 114.