قال محمد بن سعد(1): ثم سریّة ابن أبی العوجاء الى بنی سلیم فی ذی الحجة سنة سبع من مهاجر رسول الله (ص)، قالوا: بعث رسول الله ابن أبی العوجاء السلمی فی خمسین رجلا الى بنی سلیم، فخرج إلیهم و تقدمه عین لهم کان معه، فحذّرهم فجمّعوا، فأتاهم ابن أبی العوجاء
و هم معدّون له، فدعاهم الى الإسلام فقالوا: لا حاجة لنا الى ما دعوتنا، فتراموا بالنبل ساعة و جعلت الامداد تأتی حتّى أحدقوا بهم من ناحیة، فقاتل القوم قتالا شدیدا حتّى قتل عامّتهم و أصیب ابن أبی العوجاء جریحا مع القتلى، ثم تحامل حتّى بلغ رسول الله (ص)، فقدموا المدینة فی أول یوم من صفر سنة ثمان، انتهى.
ثم قال: ثم سریّة غالب بن عبد الله اللیثی الى بنی الملوّح بالکدید فی صفر سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص).
ثم روى باسناده عن جندب مکیث الجهنی قال: بعث رسول الله (ص) غالب بن عبد الله اللیثی ثم أحد بنی کلب بن عوف فی سریّة، فکتب فیهم و أمرهم أن یشنّوا الغارة على بنی الملوّح بالکدید، و هم من بنی لیث. قال: فخرجنا حتّى إذا کنّا بقدید لقینا الحارث بن البرصاء اللیثی فأخذناه، فقال: انّما جئت أرید الإسلام و انّما خرجت الى رسول الله. قلنا: إن تکن مسلما لم یضررک رباطنا یوما و لیلة، و إن تکن على غیر ذلک نستوثق منک. قال: فشددناه وثاقا و خلّفنا علیه رویجلا منّا أسود، فقلنا: إن نازعک فاجتز رأسه، فسرنا حتّى أتینا الکدید عند غروب الشمس، فکمنا فی ناحیة الوادی و بعثنی أصحابی ربیئة لهم (هو العین و الطلیعة الذی نظر للقوم)، فخرجت حتّى أتیت تلّا مشرفا على الحاضر یطلّعنی علیهم، حتّى إذا أسندت علیهم فیه علوت على رأسه ثم اضطجعت علیه، قال: فانّی لأنظر إذا خرج رجل منهم من خباء له، فقال لامرأته: انّی أرى على هذا الجبل سوادا ما رأیته أول من یومی هذا، فانظری الى أوعیتک لا تکون الکلاب جرّت منها شیئا. قال: فنظرت فقالت: و الله ما أفقد من اوعیتی شیئا. قال: فناولینی قوسی و نبلی، فناولته قوسه و سهمین معها، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ بین عینی. قال: فانتزعته فوضعته و ثبتّ مکانی، ثم أرسل آخر فوضعه فی منکبی فانتزعته و ثبتّ مکانی. فقال لامرأته: و الله لو کانت طلیعة تحرّکت بعد، و الله لقد خالطها سهمای لا أبا لک، فاذا أصبحت فانظریهما لا تمضغهما الکلاب.
قال: ثم دخل و راحت الماشیة من إبلهم و أغنامهم، فلمّا احتلبوا و عطنوا و اطمأنوا فناموا شننّا علیهم الغارة.
و قال ابن الأثیر(2): قال: فأمهلناهم حتّى راحت مواشیهم و احتلبوا و عطنوا شننّا علیهم الغارة، فقتلنا منهم من قتلنا و استقنا منهم النعم و رجعنا سراعا و أتى صریخ القوم، فجاءنا ما لا قبل لنا به حتّى إذا لم یکن بیننا إلّا بطن الوادی من قدید بعث الله عزّ و جلّ من حیث شاء سحابا ما رأینا قبل ذلک مطرا مثله، فجاء الوادی بما لا یقدر أحد یجوزه، فلقد رأیتهم ینظرون الینا ما یقدر أحد یتقدّم، و قدمنا المدینة، و کان شعار المسلمین «أمت أمت»، و کان عدّتهم بضعة عشر رجلا.
ثم قال: و فیها- یعنی سنة الثامنة من الهجرة- بعث رسول الله (ص) العلاء بن الحضرمی الى البحرین، و بها المنذر بن ساوی، فصالح المنذر على انّ على المجوس الجزیة و لا تؤکل ذبائحهم و لا تنکح نساؤهم. و قیل: انّ إرساله کان سنة ست من الهجرة مع الرسل الذین أرسلهم رسول الله (ص) الى الملوک، و قد تقدّم ذلک.
ثم قال: و فیها کانت سریّة شجاع بن وهب الى بنی عامر فی شهر ربیع الأول فی أربعة عشر رجلا، فشنّ الغارة علیهم فأصابوا نعما، فکان سهم کل رجل منهم خمسة عشر بعیرا.
ثم قال: و فیها کانت سریّة کعب بن عمیر الغفاری الى ذات اطلاح، خرج فی خمسة عشر رجلا فوجد بها جمعا کثیرا، فدعاهم الى الإسلام فأبوا أن یجیبوا، و قتلوا أصحاب کعب و نجا حتّى قدم المدینة. و ذات اطلاح من ناحیة الشام، و کانوا من قضاعة و رئیسهم رجل یقال له سدوس.
1) الطبقات الکبرى 2/ 123.
2) الکامل 2/ 229.