روى ابن کثیر(1) باسناده عن عروة بن الزبیر قال: لمّا قفل رسول الله (ص) من تبوک الى المدینة همّ جماعة من المنافقین بالفتک به و أن یطرحوه من رأس العقبة فی الطریق، فأخبر (ص) بخبرهم، فأمر الناس بالمسیر من الوادی و صعد هو العقبة و سلکها معه أولئک النفر و قد تلثّموا، و أمر رسول الله (ص) عمّار بن یاسر و حذیفة بن الیمان أن یمشیا معه، و عمّار آخذ بزمام الناقة و حذیفة یسوقها، فبینا هم یسیرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم، فغضب رسول الله (ص) فأبصر حذیفة غضبه، فرجع إلیهم و معه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه، فلمّا رأوا حذیفة ظنّوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظیم، فأسرعوا حتّى خالطوا الناس، و أقبل حذیفة حتّى أدرک رسول الله، فأمرهما فأسرعا حتّى قطعوا العقبة
و وقفوا ینظرون الناس. ثم قال رسول الله (ص) لحذیفة: هل عرفت هؤلاء القوم؟ قال: ما عرفت إلّا رواحلهم فی ظلمة اللیل حین غشیتهم. ثم قال: علمتما ما کان من شأن هؤلاء الرکب؟ قالا: لا. فأخبرهما بما کانوا تمالئوا علیه. و سمّاهم لهما و استکتمهما ذلک، فقالا: یا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم. فقال (ص): أکره أن یتحدّث الناس انّ محمدا یقتل أصحابه.
ثم قال: و قد ذکر ابن إسحاق هذه القصة، إلّا انّه ذکر انّ النبی (ص) انّما أعلم بأسمائهم حذیفة بن الیمان وحده. و هذا هو الأشبه.
ثم قال: قلت و قد کانوا أربعة عشر رجلا، و قیل کانوا اثنا عشر رجلا.
و ذکر ابن إسحاق: انّ رسول الله (ص) بعث إلیهم حذیفة بن الیمان، فجمعهم له، فأخبرهم رسول الله بما کان من أمرهم و بما تمالئوا علیه.
ثم سرد ابن إسحاق أسماءهم، قال: فیهم أنزل الله عزّ و جلّ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا … الخ.
و قال ابن الأثیر(2): و قدم رسول الله و کان قد تخلّف عنه رهط من المنافقین، فأتوه یحلفون له و یعتذرون، فصفح عنهم رسول الله (ص) و لم یعذّرهم الله و رسوله، و تخلّف أولئک النفر الثلاثة، و هم کعب بن مالک و هلال بن أمیّة و مرارة بن الربیع، تخلّفوا من غیر شک و لا نفاق، فنهى رسول الله (ص) عن کلامهم، فاعتزلهم الناس فبقوا کذلک خمسین لیلة، ثم أنزل الله توبتهم وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ … الخ.
و روى ابن کثیر(3) عن علی بن طلحة الوالبی عن ابن عباس فی قوله تعالى وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ قال: کانوا عشرة رهط، تخلّفوا عن رسول الله (ص) فی غزوة تبوک، فلمّا حضروا رجوعه أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواری المسجد، فلمّا مرّ بهم رسول الله (ص) قال: من هؤلاء؟ قالوا: أبا لبابة و أصحاب له تخلّفوا عنک حتّى تطلقهم و تعذّرهم. قال: و أنا أقسم بالله لا أطلقهم و لا أعذرهم حتّى یکون الله عزّ و جلّ هو الذی یطلقهم، رغبوا عنّی و تخلّفوا عن
الغزو مع المسلمین. فلمّا بلغهم ذلک قالوا: و نحن لا نطلق أنفسنا حتّى یکون الله هو الذی یطلقنا. فأنزل الله عزّ و جلّ وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ … الخ. و عسى من الله واجب، فلمّا أنزلت أرسل رسول الله (ص) إلیهم فأطلقهم و عذّرهم، فجاؤوا بأموالهم و قالوا: یا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنّا و استغفر لنا. فقال (ص): ما أمرت أن آخذ أموالکم، فأنزل الله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ الى قوله وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ قال و هم الذین لم یربطوا أنفسهم بالسواری فأرجئوا حتّى نزل قوله تعالى لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِیِّ وَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ … الخ.
ثم روى عن سعید بن المسیّب و مجاهد و محمد بن إسحاق قصة أبی لبابة و ما کان من أمره یوم بنی قریظة و ربط نفسه حتّى یتب علیه، ثم انّه تخلّف عن غزوة تبوک فربط نفسه أیضا حتّى تاب الله علیه، و أراد أن ینخلع من ماله کلّه صدقة، فقال له رسول الله (ص): یکفیک من ذلک الثلث … الخ.
ثم قال ابن کثیر قلت: کان المتخلّفون عن غزوة تبوک أقسام: مأمورون مأجورون کعلی بن أبی طالب و محمد بن مسلمة و ابن ام مکتوم، و معذّرون و هم الضعفاء و المرضى، و المقلّون و هم البکّاؤون، و عصابة مذنبون و هم الثلاثة أبو لبابة و أصحابه المذکورون، و آخرون ملومون مذمومون و هم المنافقون … الخ.
1) السیرة النبویة 4/ 34 و 36.
2) الکامل 2/ 282.
3) السیرة النبویة 4/ 48.