جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

وفد نصارى نجران و قصة المباهلة

زمان مطالعه: 11 دقیقه

و أمّا نصارى نجران فإنّهم أرسلوا العاقب و السیّد فی نفر الى رسول الله (ص) و أرادوا مباهلته فخرج رسول الله (ص) و معه علی و فاطمة و الحسن و الحسین فلمّا رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله ان یزیل الجبال لأزالها و لم یباهلوه و صالحوه على ألفی حلّة- ثمن کلّ حلّة أربعون درهما- و على ان یضیّفوا رسل رسول الله (ص) و جعل لهم ذمّة الله تعالى و عهده ان لا یفتنوا عن دینهم و لا یعشروا و شرط علیهم ان لا یأکلوا الرّبا و لا یتعاملوا به … الخ.

و قال محمد بن سعد(1) قالوا: و کتب رسول الله (ص) الى أهل نجران فخرج إلیه وفدهم أربعة عشرة رجلا من أشرافهم نصارى فیهم، العاقب و هو عبد المسیح رجل من کندة، و أبو الحارث ابن علقمة رجل من ربیعة و أخو کرز و السیّد و أوس ابنا الحارث و زید بن قیس و شیبة و خویلد و خالد و عمر و عبید الله و فیهم ثلاثة نفر یتولّون أمورهم؛ العاقب و هو أمیرهم و صاحب مشورتهم و الّذی یصدرون عن رأیه، و أبو الحارث أسقفهم و حبرهم و إمامهم و صاحب مدارستهم، و السیّد و هو صاحب رحلتهم، فتقدّمهم کرز أخو أبی الحارث و هو یقول:

إلیک تغدو قلقا و ضینها

معترضا فی بطنها جنینها

مخالفا دین النّصارى دینها

فقدم على النبی (ص) ثم قدم الوفد بعده فدخلوا المسجد، علیهم ثیاب الحبرة مکفوفة بالحریر فقاموا یصلّون فی المسجد نحو المشرق، فقال رسول الله (ص): دعوهم، ثم أتوا النبی (ص) فأعرض عنهم و لم یکلّمهم، فقال لهم عثمان: ذلک من أجل زیّکم هذا، فانصرفوا یومهم ذلک ثم غدوا علیه بزیّ الرّهبان فسلّموا علیه فردّ علیهم، و دعاهم الى الإسلام فأبوا و کثر الکلام و الحجاج بینهم وتلا علیهم القرآن، و قال رسول الله (ص): إن أنکرتم ما أقول لکم فهلمّ أباهلکم، فانصرفوا على ذلک، فغدا عبد المسیح و رجلان من ذوی رأیهم على رسول الله (ص) فقال: قد بدا لنا ان لا نباهلک فاحکم علینا بما أحببت نعطک و نصالحک، فصالحهم على ألفی حلّة، ألف فی رجب و ألف فی صفر. إلى ان قال: فرجعوا الى بلادهم فلم یلبث السیّد و العاقب إلّا یسیرا حتّى رجعا إلى النبی (ص) فأسلما و أنزلهما دار أبی أیّوب الأنصاری، و أقام أهل نجران على ما کتب لهم به النبی (ص) حتّى قبضه الله … الخ.

و قال ابن کثیر فی التاریخ(2): فانطلق الوفد حتّى إذا کانوا بالمدینة وضعوا ثیاب السفر

عنهم، و لبسوا حللا لهم یحبرونها من حبرة و خواتیم الذّهب، ثم انطلقوا حتّى أتوا رسول الله فسلّموا علیه و لم یردّ علیهم السّلام و تصدّوا لکلامه نهارا طویلا فلم یکلّمهم، و علیهم تلک الحلل و الخواتیم الذّهب فانطلقوا یتبعون عثمان بن عفّان و عبد الرّحمن بن عوف، و کانوا یعرفونهما فوجدوهما فی ناس من المهاجرین و الأنصار فی مجلس، فقالوا: یا عثمان! یا عبد الرحمن! إنّ نبیّکم کتب إلینا بکتاب فأقبلنا مجیبین له فأتیناه فسلّمنا علیه فلم یردّ سلامنا و تصدّینا لکلامه نهارا طویلا فأعیانا ان یکلّمنا فما الرأی منکما أ ترون ان نرجع؟ فقالا لعلی ابن أبی طالب (ع)- و هو فی القوم-: ما ترى یا أبا الحسن فی هؤلاء القوم؟ فقال علی (ع) لعثمان و لعبد الرحمن: أرى ان یضعوا حللهم هذه و خواتیمهم و یلبسوا ثیاب سفرهم ثم یعودوا إلیه، ففعلوا فسلّموا، فردّ سلامهم ثم قال (ص):

و الّذی بعثنی بالحقّ لقد اتونی المرّة الأولى و أنّ ابلیس لمعهم، ثم سائلهم و سائلوه، فلم تزل به و بهم المسألة حتّى قالوا: ما تقول فی عیسى فإنّا نرجع الى قومنا و نحن نصارى لیسرّنا إن کنت نبیّا أن نسمع ما تقول فیه؟ فقال رسول الله (ص): ما عندی فیه شی‏ء یومی هذا فأقیموا حتّى أخبرکم بما یقول الله فی عیسى، فأصبح الغد و قد أنزل الله عزّ و جلّ هذه الآیة «إِنَّ مَثَلَ عِیسى‏ عِنْدَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُنْ مِنَ الْمُمْتَرِینَ. فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْکاذِبِینَ»(3) فأبوا أن یقرّوا بذلک، فلمّا أصبح رسول الله الغد، بعد ما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملا على الحسن و الحسین فی خمیل له و فاطمة تمشی عند ظهره للملاعنة و له یومئذ عدّة نسوة … الخ.

و روى ابن کثیر فی التفسیر(4) باسناده عن جابر قال: و فیهم نزلت «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیة، قال جابر: أنفسنا رسول الله (ص) و علی بن أبی طالب، و أبناءنا الحسن و الحسین (ع)، و نسائنا فاطمة (ع). ثم قال ابن کثیر: و هکذا رواه الحاکم فی مستدرکه عن‏

علی بن عیسى، عن أحمد بن محمد بن الازهری، عن علی بن حجر، عن علی بن مسهر، عن داود بن أبی هندیة بمعناه. قال ابن کثیر ثم قال: صحیح على شرط مسلم و لم یخرجاه هکذا، و قد رواه الطیالسی عن شعبة عن المغیرة عن الشعبی مرسلة و أنّه أصح، و قد روى عن ابن عباس و البراء نحو ذلک. انتهى.

و قال الحلبی(5): و فی لفظ أنّهم واعدوه على الغد فلمّا أصبح أقبل و معه حسن (ع) و حسین (ع) و فاطمة و علی (ع)، و قال: اللهمّ هؤلاء أهلی، و عند ذلک قال لهم الأسقف: إنّی لأرى وجوها لو سألوا الله ان یزیل لهم جبلا لأزاله فلا تباهلوا فتهلکوا و لا یبقى على وجه الأرض نصرانی، فقالوا: لا نباهلک … الخ.

أقول: و هکذا رواها الزّینی دحلان فی السّیرة النبویّة، و روى صاحب التاج الجامع للأصول عن مسلم و التّرمذی باسنادهما عن سعد بن أبی وقّاص أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآیة «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیة دعا رسول الله (ص) علیّا و فاطمة و حسنا و حسینا و قال: اللهمّ هؤلاء أهلی. انتهى.

و روى أحمد بن عبد الله الطّبری(6) عن أبی سعید أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآیة «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیة دعا رسول الله (ص) علیّا و فاطمة و حسنا و حسینا و قال: اللهمّ هؤلاء أهلی. أخرجه مسلم و الترمذی. انتهى.

و قال سبط بن الجوزی(7) و منها- أی و من الآیات الّتی وردت فی فضائل علی بن أبی طالب- قوله تعالى فی آل عمران «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیة. قال جابر بن عبد الله- فیما رواه عنه أهل السّیر: قدم وفد نجران على رسول الله (ص) و فیهم السیّد و العاقب و جماعة من الأساقفة، الى ان قال: فنزل قوله تعالى «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُم» الآیة قالوا: أنصفت فمتى نباهلک؟ قال:

غدا ان شاء الله، فانصرفوا و قال بعضهم لبعض: ان خرج فی عدّة من أصحابه فباهلوه لأنّه غیر نبی، و ان خرج فی أهل بیته فلا تباهلوه فإنّه نبی صادق و لئن باهلتموه لتهلکنّ، ثم بعث رسول الله الى أهل المدینة و من حولها، فلم یبق بکر لم ترها الشمس إلّا خرجت، و خرج رسول الله (ص) و علی (ع) بین یدیه و الحسن (ع) عن یمینه و الحسین (ع) عن شماله و فاطمة (ع) خلفه، ثم قال: هلمّوا فهؤلاء أبناؤنا- و أشار إلى الحسن و الحسین- و هذه نساؤنا- یعنی فاطمة- و هذه أنفسنا- یعنی نفسی- و أشار الى علی (ع)، فلمّا رأى القوم ذلک خافوا و جاؤا الى بین یدیه فقالوا: أقلنا أقالک الله، فقال النبی (ص): و الذی نفسی بیده لو خرجوا لامتلأ الوادی علیهم نارا.

الى ان قال و ذکر أبو إسحاق الثعلبی فی تفسیره: انّ رسول الله (ص) غدا محتضنا الحسین آخذا بیده الحسن، و فاطمة تمشی خلفه و علی (ع) خلفهم، و قال رسول الله (ص) إذا دعوت فأمنّوا. فقال أسقف نجران: یا معشر النّصارى إنّی لأرى وجوها لو سألوا الله ان یزیل جبلا من مکانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلکوا … الخ.

و قال علی بن محمّد المشتهر بابن الصبّاغ المالکی(8): أهل البیت على ما ذکره المفسّرون فی تفسیر آیة المباهلة و على ما روی عن امّ سلمة هم؛ النبی (ص) و علی (ع) و فاطمة و الحسن (ع) و الحسین (ع). و أمّا آیة المباهلة و هی قوله تعالى «إِنَّ مَثَلَ عِیسى‏ عِنْدَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ» الآیة. الى ان قال: فلمّا أصبحوا جاؤا الى رسول الله (ص) فخرج و هو محتضن الحسین آخذ بید الحسن و فاطمة خلفه و علی خلفهم، و هو یقول: اللهمّ هؤلاء أهلی. الى ان قال‏: و الّذی نفسی بیده انّ العذاب قد نزل على أهل نجران، و لو لاعنوا لمسخهم الله قردة و خنازیر و لاضطرم الوادی علیهم نارا، و استأصل الله نجران و أهله حتّى الطّیر على الشّجر و لم یحلّ الحول على النصارى حتّى هلکوا. قال جابر بن عبد الله: أنفسنا محمّد رسول الله (ص) و علی، و أبناءنا الحسن و الحسین، و نسائنا فاطمة (ع). هکذا رواه الحاکم فی مستدرکه عن علی بن عیسى و قال صحیح على شرط مسلم، و رواه الطّیالسی عن شعبة عن الشعبی مرسلا. و روى‏

عن ابن عباس و البراء نحو ذلک … الخ.

و قال محمد بن یوسف الکنجی الشافعی(9) و أیضا روى مسلم باسناده عن سعد بن أبی وقّاص انّه قال: لمّا نزلت آیة المباهلة، دعا رسول الله (ص) علیّا و فاطمة و حسنا و حسینا، و قال: اللهمّ هؤلاء أهلی … الخ.

و قال الامام البغوی(10) فی مصابیح السنة: و من الصّحاح عن سعد بن أبی وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآیة «نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» دعا رسول الله (ص) علیّا و فاطمة و حسنا و حسینا، فقال: اللهمّ هؤلاء أهل بیتی … الخ.

و روى سلیمان بن ابراهیم الحنفی عن ابن حجر فی الصّواعق أنّه قال: أخرج مسلم و التّرمذی عن سعد بن أبی وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآیة «نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» دعا رسول الله (ص) علیّا و فاطمة و حسنا و حسینا، فقال: اللهمّ هؤلاء أهل بیتی … الخ.

و قال الشبلنجی(11) و یشهد للقول بأنّهم علی و فاطمة و الحسن و الحسین، ما وقع منه (ص) حین أراد المباهلة هو و وفد نجران کما ذکره المفسّرون فی تفسیر آیة المباهلة … الخ.

و قال علاء الدین الخازن: قال المفسّرون: لمّا قرأ رسول الله (ص) هذه الآیة على وفد نجران و دعاهم الى المباهلة، قالوا: حتّى نرجع و ننظر فی أمرنا ثم نأتیک غدا. الى ان قال: فأتوا رسول الله (ص) و قد احتضن الحسین و أخذ بید الحسن و فاطمة تمشی خلفه و علی یمشی خلفها، و النبی (ص) یقول لهم: إذا دعوت فأمّنوا، فلمّا رآهم أسقف نجران قال: یا معشر النصارى إنّی لأرى وجوها لو سألوا الله ان یزیل جبلا لأزاله من مکانه فلا تبتهلوا فتهلکوا و لا یبقى على وجه الأرض نصرانی الى یوم القیامة … الخ.

و قال أبو البرکات عبد الله بن أحمد النسفی: و روی أنّه (ص) لمّا دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتّى ننظر، فقال العاقب و کان ذا رأیهم: و الله لقد عرفتم یا معشر النصارى انّ محمّدا نبی‏

مرسل، و ما باهل قوم نبیّا قطّ فعاش کبیرهم و لا نبت صغیرهم و لئن فعلتم لتهلکنّ، فإن أبیتم إلّا ألف دینکم فوادعوا الرّجل و انصرفوا الى بلادکم. فأتوا رسول الله (ص) و قد غدا محتضنا للحسین و آخذا بید الحسن و فاطمة تمشی خلفه (ص) و علی (ع) خلفها و هو یقول: إذا دعوت فأمنّوا، فقال أسقف نجران: یا معشر النّصارى إنّی لأرى وجوها لو سألوا الله ان یزیل جبلا من مکانه لأزاله بها فلا تباهلوا … الخ.

و قال القاضی البیضاوی: فأتوا رسول الله (ص) و قد غدا محتضنا الحسین و آخذا بید الحسن و فاطمة تمشی خلفه و علی خلفها، و هو یقول: إذا أنا دعوت فأمنّوا، فقال أسقفهم: یا معشر النّصارى إنّی لأرى وجوها لو سألوا الله ان یزیل جبلا من مکانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلکوا، فأذعنوا لرسول الله (ص) و بذلوا له الجزیة .. الخ.

و قال السیوطی فی الجلالین: و قد دعا (ص) وفد نجران لذلک- أی للمباهلة- لمّا حاجّوه فیه- فی أمر عیسى (ع)- فقالوا: حتّى ننظر فی أمرنا ثم نأتیک، فقال ذو رأیهم: لقد عرفتم نبوّته، و أنّه ما باهل قوم نبیّا إلّا هلکوا، فوادعوا الرّجل و انصرفوا، فأتوه و قد خرج و معه الحسن و الحسین و فاطمة و علی (ع)، و قال لهم: إذا دعوت فأمنّوا، فأبوا ان یلاعنوا و صالحوه على الجزیة. رواه أبو نعیم. و عن ابن عباس قال: لو خرج الذین یباهلون لرجعوا لا یجدون مالا و لا أهلا. و روی لو خرجوا لاحترقوا. انتهى.

و قال الجصّاص فی أحکام القرآن(12): فقال تعالى «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیة، فنقل رواة السّیر و نقلة الأثر و لم یختلفوا فیه أنّ النبی (ص) أخذ بید الحسن و الحسین و علی و فاطمة، ثم دعا النصارى الّذین حاجّوه الى المباهلة فأحجموا عنها، و قال بعضهم لبعض: ان باهلتموه اضطرم الوادی علیکم نارا و لم یبق نصرانی و لا نصرانیّة إلى یوم القیامة. ثم قال: و فی هذه الآیات دحض شبه النّصارى فی أنّه الله أو ابن الله، و فیه دلالة على صحة نبوّة النبی (ص) لإنّهم لولا أنّهم عرفوا یقینا أنّه نبی ما الذی کان یمنعهم من المباهلة، فلمّا أحجموا و امتنعوا عنها دلّ على أنّهم قد کانوا عرفوا صحة نبوّته‏

بالدلائل المعجزات و بما وجدوا من نعته فی کتب الأنبیاء المتقدّمین، و فیه دلالة على ان الحسن و الحسین ابنا رسول الله (ص) لأنّه (ص) أخذ بید الحسن و الحسین حین أراد حضور المباهلة و قال «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» و لم یکن هناک للنبی (ص) بنون غیرهما. و قد روی عن النبی (ص) أنّه قال للحسن: إنّ ابنی هذا سیّد و قال: حین بال علیه أحدهما و هو صغیر: لا تزرموا ابنی. و هما من ذریّته أیضا کما جعل الله تعالى عیسى من ذریّة ابراهیم (ع) بقوله تعالى «وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ» إلى قوله تعالى «وَ زَکَرِیَّا وَ یَحْیى‏ وَ عِیسى‏» و إنّما نسبته إلیه من جهة أمّه لأنّه لا أب له. و من الناس من یقول هذا مخصوص فی الحسن و الحسین ان یسمّیا ابنی النبی (ص) دون غیرهما. و قد روی فی ذلک خبر عن النبی (ص) یدلّ على خصوص اطلاق اسم ذلک فیهما دون غیرهما من الناس، لإنّه روی عنه أنّه قال: کلّ سبب و نسب منقطع یوم القیامة إلّا سببی و نسبی. إلى ان قال: و قول النبی (ص) فی ذلک مخصوص به الحسن و الحسین فی جواز نسبتهما على الاطلاق إلى النبی (ص) دون غیره من الناس، لما ورد فیه من الأثر و انّ غیرهما من الناس إنّما ینسبون إلى الآباء و قومهم دون قوم الأمّ.

ثم قال: فنسبة الحسن و الحسین إلى النبی (ص) بالبنوّة على الاطلاق مخصوص بهما لا یدخل فیه غیرهما. هذا هو الظّاهر المتسالم من کلام النّاس فیمن سواهما لإنّهم إنّما ینسبون الى الأب و قومه دون قوم الأمّ. انتهى.

و قال الامام فخر الدین الرازی(13): المسئلة الثانیة روی أنّه (ع) لمّا أورد الدّلائل على نصارى نجران ثم أنّهم أصرّوا على جهلهم، فقال (ع) انّ الله أمرنی ان لم تقبلوا الحجة ان اباهلکم؟ فقالوا: یا أبا القاسم بل نرجع فننظر فی أمرنا ثم نأتیک، فلمّا رجعوا قالوا للعاقب و کان ذا رأیهم: یا عبد المسیح ما ترى؟ فقال: و الله لقد عرفتم یا معشر النصارى انّ محمدا نبی مرسل، و لقد جاءکم بالکلام الحق فی أمر صاحبکم، و الله ما باهل قوم نبیّا قطّ فعاش کبیرهم و لا نبت صغیرهم، و لئن فعلتم لکان الاستئصال فإن أبیتم إلّا الإصرار على دینکم و الاقامة على ما أنتم علیه فوادعوا الرّجل و انصرفوا إلى بلادکم.

و کان رسول الله (ص) خرج و علیه مرط من شعر أسود و کان قد احتضن الحسین و أخذ بید الحسن و فاطمة تمشی خلفه و علی (ع) خلفها، و هو یقول: إذا دعوت فأمنّوا. فقال أسقف نجران: یا معشر النّصارى إنّی لأرى وجوها لو سألوا الله ان یزیل جبلا من مکانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلکوا، و لا یبقى على وجه الأرض نصرانی إلى یوم القیامة. ثم قالوا: یا أبا القاسم رأینا ان لا نباهلک و ان نقرّک على دینک، فقال (ص): فاذا أبیتم المباهلة فأسلموا، یکن لکم ما للمسلمین و علیکم ما على المسلمین، فأبوا، فقال: إنّی اناجزکم القتال. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، و لکن نصالحک على ان لا تغزونا و لا تردّنا عن دیننا على ان نؤدّی إلیک فی کل عام ألفی حلّة، ألفا فی صفر و ألفا فی رجب، و ثلاثین درعا عادیة من حدید، فصالحهم على ذلک و قال: و الّذی نفسی بیده أنّ الهلاک قد تدلى على أهل نجران، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازیر و لاضطرم علیهم الوادی نارا، و لاستأصل نجران و أهله حتّى الطّیر على رؤوس الشّجر، و لما حال الحول على النّصارى کلّهم حتّى یهلکوا.

و روی أنّه (ص) لما خرج فی المرط الأسود فجاء الحسن فأدخله، ثم الحسین، ثم فاطمة، ثم علی، ثم قال «إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً».

ثم قال: و اعلم انّ الروایة کالمتّفق على صحّتها بین أهل التفسیر و الحدیث. إلى ان قال: المسئلة الرابعة هذه الآیة دالة على ان الحسن (ع) و الحسین (ع) کانا ابنی رسول الله (ص) لأنّه (ص) وعد ان یدعو أبناءه فدعا الحسن (ع) و الحسین (ع) فوجب ان یکونا ابنیه. و ممّا یؤکّد هذا قوله تعالى فی سورة الأنعام «وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ» إلى قوله «وَ زَکَرِیَّا وَ یَحْیى‏ وَ عِیسى‏» و معلوم انّ عیسى إنّما انتسب إلى ابراهیم (ع) بالأمّ لا بالأب، فثبت انّ ابن البنت قد یسمّى ابنا، و الله أعلم … الخ.

و قال ابو السّعود فی التفسیر(14): فأتوا رسول الله (ص) و قد غدا محتضنا الحسین آخذا بید الحسن و فاطمة تمشی خلفه و علی (ع) خلفها و هو یقول: إذا أنا دعوت فأمنّوا. فقال أسقف نجران: یا معشر النّصارى … الخ. و هکذا رواه الطنطاوی فی التفسیر.

أقول: و قد رواها صاحب الکشاف(15) و النیسابوری(16) نحو ما رواها الامام فخر الدین الرازی لکنّه قال النیسابوری بعد ذکر الآیة: أی یدع کلّ منّا و منکم أبناءه و نساءه و یأت هو بنفسه و بمن هو کنفسه إلى المباهلة، و إنّما یعلم اتیانه بنفسه من قرینة ذکر النفس و من إحضار من هو أعزّ من النفس، و یعلم اتیان من هو بمنزلة النفس من قرینة انّ الانسان لا یدعو نفسه … الخ.

و بهذا یردّ ما ذکره صاحب التحفة من: انّ الشیعة تمسّکوا بهذه الآیة لأفضلیة علی بن أبی طالب (ع) من سائر الصحابة بزعمهم انّ الانسان لا یدعو نفسه. ثم ذکر بعض الشواهد على انّ الانسان یمکن ان یدعو نفسه فقد ظهر جوابه مما ذکره النّیسابوری و هو من أعلام القوم و أئمة أهل السّنة و کلامه حجة علیهم فلا نحتاج إلى مزید بیان و اقامة برهان فی ردّ صاحب التحفة.

و روى الطبری(17) فی التفسیر باسناده عن أبی الجارود عن زید بن علی فی قوله تعالى «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ» الآیة قال: کان النبی (ص) و علی (ع) و فاطمة (ع) و الحسن (ع) و الحسین (ع).

و روى أیضا باسناده عن أسباط عن السّدی «فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ»الآیة، فأخذ یعنی النبی (ص) بید الحسن (ع) و الحسین (ع) و فاطمة (ع)، و قال لعلی (ع): اتّبعنا، فخرج معهم، فلم یخرج یومئذ النّصارى و قالوا: إنّا نخاف ان یکون هذا هو النبی (ص) و لیس دعوة النبی (ص) کغیرها، فتخلفوا عنه یومئذ فقال النبی (ص): لو خرجوا لاحترقوا … الخ.

و روى أیضا باسناده عن علباء قال: لمّا نزلت هذه الآیة «قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ» الآیة قال: أرسل رسول الله (ص) إلى علی (ع) و فاطمة و ابنیهما

الحسن (ع) و الحسین (ع)، و دعا الیهود لیلا عنهم، فقال شابّ من الیهود: و یحکم ألیس عهدکم بالأمس من إخوانکم الذین مسخوا قردة و خنازیر لا تلاعنوا، فانتهوا. انتهى.

أقول: هذا ما وصل إلینا من کتب الفضائل و التفاسیر و التواریخ و السّیر، و کلّها متّفقة على نقل الواقعة و مجی‏ء النبی (ص) مع خاصّة أهل بیته للمباهلة و هم؛ علی بن أبی طالب (ع) و فاطمة و الحسن (ع) و الحسین (ع).


1) الطبقات الکبرى 1/ 357.

2) السیرة النبویة لابن کثیر 4/ 102.

3) سورة آل عمران/ 59- 61.

4) تفسیر القرآن العظیم 1/ 379.

5) السیرة الحلبیة 3/ 212.

6) ذخائر العقبى لمحبّ الدین الطبری: 25.

7) تذکرة الخواص: 23.

8) الفصول المهمّة: 23- 25.

9) کفایة الطالب: 142.

10) مصابیح السنة 2/ 201.

11) نور الأبصار: 122.

12) احکام القرآن 2/ 14.

13) التفسیر الکبیر 8/ 85.

14) تفسیر أبی السعود 2/ 46.

15) الکشاف 1/ 434.

16) تفسیر غرائب القرآن، 3/ 213 بهامش جامع البیان للطبری.

17) جامع البیان 3/ 212.