قال محمد بن سعد(1): ثم حجّة رسول الله (ص) بالناس سنة عشر من مهاجرة رسول الله (ص) و هی التی یسمّى الناس حجّة الوداع، و کان المسلمون یسمّونها حجّة الإسلام. ثم قال: قالوا: أقام رسول الله (ص) بالمدینة عشر سنین یضحی کلّ عام و لا یحلّق و لا یقصّر و یغز و المغازی و لا یحج، حتّى کان فی ذی القعدة سنة عشر من مهاجر رسول الله (ص) فأجمع الخروج الى الحج و أذّن الناس بذلک، فقدم المدینة بشر کثیر یأتمّون برسول الله (ص) فی حجّته و لم یحج غیرها منذ تنبّىء الى ان توفّاه الله. و کان ابن عباس یکره ان یقال حجّة الوداع،
و یقول: حجّة الإسلام. انتهى.
و قال ابن کثیر(2): و یقال لها حجّة البلاغ، و حجّة الإسلام، و حجة الوداع، لأنّه (ص) ودّع الناس فیها و لم یحج بعدها، و سمّیت حجّة الإسلام لأنّه (ص) لم یحج من المدینة غیرها، و لکن حجّ قبل الهجرة مرّات قبل النبوّة و بعدها. و قیل انّ فریضة الحج نزلت عامئذ و قیل سنة تسع و قیل سنة ستّ و قیل قبل الهجرة- و هو غریب- و سمّیت حجّة البلاغ لأنّه (ص) بلّغ الناس شرع الله فی الحج قولا و فعلا، و لم یکن بقی من دعائم الإسلام و قواعده شیء إلّا و قد بیّنه (ص) فلمّا بیّن لهم شریعة الحج و وضعه و شرحه أنزل الله عزّ و جلّ علیه و هو واقف بعرفة «الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً» ثم قال: و سیأتی إیضاح لهذا کله و المقصود ذکر حجّته (ص) کیف کانت، فإنّ النقلة اختلفوا فیها اختلافا کثیرا جدّا بحسب ما وصل الى کلّ منهم من العلم، و تفاوتوا فی ذلک تفاوتا کثیرا لا سیّما من بعد الصّحابة. و نحن نورد بحمد الله و عونه و حسن توفیقه ما ذکره الأئمة فی کتبهم من هذه الرّوایات و نجمع بینها جمعا یثلج قلب من تأمّله و أنعم النظر فیه و جمع بین طریقتی الحدیث و فهم معانیه ان شاء الله و بالله الثقة و علیه التکلان.
و قد اعتنى الناس بحجّة رسول الله (ص) اعتناء کثیرا من قدماء الأئمّة و متأخریهم، و قد صنّف العلّامة أبو محمد بن حزم الأندلسی رحمه الله مجلدا فی حجّة الوداع أجاد فی أکثره و وقع له فیه أوهام سننبّه علیها فی مواضعها و بالله المستعان. ثم قال: بیان: انّه (ص) لم یحج من المدینة إلّا حجة واحدة، و إنّه اعتمر قبلها ثلاث عمر. کما رواه البخاری و مسلم عن هدبة، عن همام، عن قتادة، عن أنس، قال: اعتمر رسول الله (ص) أربع عمر کلّهن فی ذی القعدة إلّا التی فی حجّته. الحدیث. و قد رواه یونس بن بکیر عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبی هریرة مثله، و قال سعد بن منصور عن الدراوردی عن هشام بن عروة، عن أبیه عن عائشة قالت: اعتمر رسول الله (ص) ثلاث عمر؛ عمرة فی شوّال، و عمرتین فی ذی القعدة. و کذا رواه ابن بکیر، عن مالک، عن هشام بن عروة. و روى الإمام أحمد من حدیث عمرو بن شعیب، عن
أبیه، عن جدّه، انّ رسول الله (ص) أعتمر ثلاث عمر کلّهنّ فی ذی القعدة.
ثم روى ابن کثیر بإسناده عن ابن عباس قال اعتمر رسول الله (ص) أربع عمر؛ عمرة الحدیبیّة، و عمرة القضاء، و الثالثة من الجعرانة، و الرابعة التی مع حجّته. رواه أبو داود و التّرمذی و النسائی من حدیث داود العطار و حسّنه الترمذی. ثم قال: فالأولى من هذه العمر عمرة الحدیبیّة التی صدّ عنها، ثم بعدها عمرة القضاء و یقال عمرة القصاص و یقال عمرة القضیّة، ثم بعدها عمرة الجعرانة مرجعه من الطّائف حین قسّم غنائم حنین و قد قدّمنا ذلک کلّه فی مواضعه، و الرابعة عمرته مع حجّته و سنبیّن اختلاف الناس فی عمرته هذه مع الحجة، هل کان متمتعا بأن أوقع العمرة قبل الحجة و حلّ منها أو منعه من الاحلال منها سوقه الهدی أو کان قارنا لها مع الحجة؟ کما نذکره من الأحادیث الدّالة على ذلک أو کان مفردا لها عن الحجة بأن أوقعها بعد قضاء الحجة.
الى ان قال: قال البخاری، ثنا عمرو بن خالد، ثنا زهیر، ثنا أبو إسحاق، حدّثنی زید بن أرقم، انّ النبیّ (ص) غزا تسع عشرة غزوة و أنّه حجّ بعد ما هاجر حجّة واحدة … الخ.
و قال الطبری(3): فلمّا دخل ذو القعدة من هذه السّنة- أعنی سنة عشر- تجهز النبیّ (ص) الى الحج، فأمر الناس بالجهاز له. انتهى. و هکذا نقله ابن الأثیر فی الکامل(4)، و ابن هشام فی السّیرة(5).
و قال ابن کثیر(6): تاریخ خروجه (ص) من المدینة لحجة الوداع بعد ما استعمل علیها أبا دجانة سماک بن حرشة الساعدی و یقال سباع بن عرفطة الغفاری حکاهما عبد الملک بن هشام و هکذا ذکره ابن هشام. ثم قال ابن کثیر: قال محمد بن إسحاق: فلمّا دخل على رسول الله (ص) ذو القعدة من سنة عشر تجهّز للحج و أمر الناس بالجهاز له. فحدّثنی عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبیه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبیّ (ص) قالت: خرج رسول الله (ص)
الى الحج لخمس لیال بقین من ذی القعدة. ثم قال و هذا إسناد جیّد.
ثم قال: و روى الإمام مالک فی موطّئه عن یحیى بن سعید الأنصاری، عن عمرة، عن عائشة. و رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن نمیر، عن یحیى بن سعید الأنصاری عن عمرة، عنها. و هو ثابت فی الصحیحین و سنن النسائی و ابن ماجة. الى ان قال: قالت عائشة: خرجنا مع رسول الله (ص) لخمس بقین من ذی القعدة لا نرى إلّا الحج.
ثم روى عن البخاری بإسناده، عن ابن عباس: قال انطلق النبیّ (ص) من المدینة بعد ما ترجّل و ادّهن و لبس إزاره و رداءه و لم ینه عن شیء من الأردیة و لا الأزر إلّا المزعّفرة التی تردع الجلد، فأصبح بذی الحلیفة رکب راحلته حتّى استوى على البیداء و ذلک لخمس بقین من ذی القعدة، فقدم مکة لخمس خلون من ذی الحجة. ثم قال: تفرّد به البخاری فقوله: و ذلک لخمس بقین من ذی القعدة ان أراد به صبیحة یومه بذی الحلیفة صحّ قول ابن حزم فی دعواه: أنّه خرج من المدینة یوم الخمیس و بات بذی الحلیفة لیلة الجمعة و أصبح بها یوم الجمعة و هو الیوم الخامس و العشرین من ذی القعدة، و ان أراد ابن عباس بقوله: و ذلک لخمس بقین من ذی القعدة یوم انطلاقه (ص) من المدینة بعد ما ترجّل و ادّهن و لبس إزاره و رداءه، کما قالت عائشة و جابر: انّهم خرجوا من المدینة لخمس بقین من ذی القعدة، بعد قول ابن حزم و تعذّر المصیر إلیه و تعیّن القول بغیره و لم ینطبق ذلک إلّا على یوم الجمعة ان کان شهر ذی القعدة کاملا.
و لا یجوز ان یکون خروجه (ص) من المدینة کان یوم الجمعة لما روى البخاری، حدّثنا موسى بن اسمعیل، ثنا وهیب، ثنا أیّوب، عن أبی قلابة، عن أنس بن مالک قال: صلّى رسول الله (ص) و نحن معه الظّهر بالمدینة أربعا و العصر بذی الحلیفة رکعتین ثم بات بها حتّى أصبح، ثم رکب حتّى استوت به راحلته على البیداء حمد الله عزّ و جلّ و سبّح، ثم أهلّ بحجّ و عمرة. و قد رواه مسلم و النسائی جمیعا عن قتیبة، عن حماد بن زید، عن أیّوب، عن أبی قلابة، عن أنس بن مالک: انّ رسول الله (ص) صلّى الظهر بالمدینة أربعا و العصر بذی الحلیفة رکعتین. ثم روى عن أحمد بإسناده عن أنس بن مالک نحوه. ثم قال و رواه البخاری عن أبی نعیم عن
سفیان الثوری به. ثم قال و أخرجه مسلم و أبو داود و النسائی من حدیث سفیان بن عیینة عن محمد بن المنذر و ابراهیم بن میسرة عن أنس به.
الى ان قال ابن کثیر: و هذا ینفی کون خروجه (ص) یوم الجمعة قطعا و لا یجوز على هذا ان یکون خروجه (ص) یوم الخمیس. کما قال ابن حزم لأنّه کان یوم الرابع و العشرین من ذی القعدة، لأنّه لا خلاف انّ أوّل ذی الحجة کان یوم الخمیس لما ثبت بالتواتر و الإجماع من أنّه (ص) وقف بعرفة یوم الجمعة و هو تاسع ذی الحجة بلا نزاع. فلو کان خروجه (ص) یوم الخمیس، الرابع و العشرین من ذی القعدة لبقی فی الشهر ستّ لیال قطعا؛ لیلة الجمعة، و السّبت، و الأحد، و الاثنین، و الثلاثاء، و الأربعاء. فهذه ستّ لیال.
و قد قال ابن عباس و عائشة و جابر: إنّه خرج لخمس بقین من ذی القعدة و تعذّر أنّه یوم الجمعة لحدیث أنس فتعیّن على هذا أنّه (ص) خرج من المدینة یوم السّبت. و ظنّ الرّاوی: انّ الشّهر یکون تماما فاتّفق فی تلک السّنة نقصانه فانسلخ یوم الأربعاء و استهلّ شهر ذی الحجة لیلة الخمیس. و یؤیّده ما وقع فی روایة جابر: لخمس بقین أو أربع. و هذا التقریر على هذا التقدیر لا محید عنه و لا بدّ منه و الله أعلم. انتهى ما ذکره ابن کثیر.
و قال محمد بن سعد(7): فخرج رسول الله (ص) من المدینة مغتسلا متدهّنا مترجّلا متجردا فی ثوبین صحاریّین إزار و رداء، و ذلک یوم السّبت لخمس لیال بقین من ذی القعدة، فصلّى الظّهر بذی الحلیفة رکعتین، و أخرج معه نساءه کلّهنّ فی الهوادج، و أشعر هدیه و قلّده، ثم رکب ناقته فلمّا استوى علیها بالبیداء، أحرم من یومه ذلک. و کان على هدیه ناجیة بن جندب الأسلمی. و اختلف علینا فیما أهلّ به فأهل المدینة یقولون: أهلّ بالحج مفردا. و فی روایة غیرهم: أنّه قرن مع حجّته عمرة. و قال بعضهم: دخل مکة متمتعا بعمرة ثم أضاف إلیها حجّة. و فی کلّ روایة. و الله أعلم. انتهى.
و قال ابن کثیر(8): صفة خروجه (ص) من المدینة الى مکة للحج. ثم روى عن البخاری
بإسناده عن عبد الله بن عمر انّ رسول الله (ص) کان یخرج من طریق الشجرة و یدخل من طریق المعرّس، و انّ رسول الله (ص) کان إذا خرج الى مکة یصلّی فی مسجد الشجرة و إذا رجع صلّى بذی الحلیفة ببطن الوادی و بات حتّى یصبح. ثم قال: تفرّد به البخاری من هذا الوجه. الى ان قال: فصل. تقدّم أنّه (ص) صلّى الظهر بالمدینة أربعا ثم رکب منها الى ذی الحلیفة و هی وادی العقیق فصلّى بها العصر رکعتین. فدّل على أنّه (ص) جاء ذی الحلیفة نهارا فی وقت العصر فصلّى بها العصر قصرا- و هی من المدینة ثلاثة أمیال- ثم صلّى بها المغرب و العشاء و بات بها حتّى أصبح فصلّى بأصحابه و أخبرهم أنّه جاء الوحی من اللیل بما یعتمده فی الإحرام.
الى ان قال: و قال البخاری ثم ذکر السّند و قال انّ ابن عباس سمع عن ابن عمر یقول: سمعت رسول الله (ص) بوادی العقیق یقول: أتانی اللیلة آت من ربّی فقال: صلّ فی هذا الوادی المبارک، و قل: عمرة فی حجّة. ثم قال تفرّد به دون مسلم: فالظّاهر انّ أمره (ص) بالصّلاة فی وادی العقیق هو أمر بالإقامة به الى ان یصلّی صلاة الظهر لأنّ الأمر إنّما جائه فی اللیل و أخبرهم بعد صلاة الصبح فلم یبق إلّا صلاة الظهر فأمر ان یصلّیها هنالک و ان یوقع الإحرام بعدها. و لهذا قال: أتانی اللیلة آت من ربّی. الحدیث. ثم قال و قد احتجّ به على الأمر بالقران فی الحج و هو من أقوى الأدلّة على ذلک کما سیأتی بیانه قریبا. و المقصود أنّه (ص) أمر بالإقامة بوادی العقیق الى صلوة الظهر، و قد امتثل (ص) ذلک فأقام هنالک و طاف على نسائه و کنّ تسع نسوة و کلّهن خرج معه و لم یزل هنالک حتّى صلّى الظّهر. کما سیأتی فی حدیث أبی حسان الأعرج، عن ابن عباس انّ رسول الله (ص) صلّى الظهر بذی الحلیفة ثم أشعر بدنته ثم رکب فأهلّ. و هو عند مسلم. و هکذا قال الإمام أحمد. ثم روى عنه بإسناده، عن أنس بن مالک، انّ رسول الله (ص) صلّى الظهر ثم رکب راحلته فلمّا علا شرف البیداء أهلّ. ثم قال: و رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل و النسائی عن اسحاق بن راهویه عن النضر بن شمیل عن أشعث بمعناه.
الى ان قال: قال مسلم ثم روى عنه بإسناده عن عائشة قالت کنت اطیّب رسول الله (ص)
ثم یطوف على نسائه ثم یصبح محرما ینضح طیبا. و قد رواه البخاری من حدیث شعبة. و أخرجاه من حدیث أبی عوانة. زاد مسلم و مسعر و سفیان بن سعید الثوری أربعتهم عن ابراهیم بن محمّد بن المنتشر به.
و فی روایة لمسلم عن ابراهیم بن محمد بن المنتشر عن أبیه قال: سئلت عبد الله بن عمر عن الرّجل یتطیّب ثم یصبح محرما؟ قال: ما أحبّ إنّی أصبح محرما أنضح طیبا لأن أطلی القطران أحبّ إلیّ من ان أفعل ذلک. فقالت عائشة: أنا طیّبت رسول الله (ص) عند إحرامه ثم طاف فی نسائه ثم أصبح محرما. ثم قال ابن کثیر: و هذا اللفظ الذی رواه مسلم یقتضی أنّه کان (ص) یتطیّب قبل ان یطوف على نسائه لیکون ذلک أطیب لنفسه و أحبّ إلیهنّ. ثم لمّا اغتسل من الجنابة و للإحرام تطیّب أیضا للإحرام طیبا آخر کما رواه التّرمذی و النسائی من حدیث عبد الرحمن بن أبی الزناد عن أبیه عن خارجة بن زید بن ثابت عن أبیه انّه رأى رسول الله (ص) تجرّد لإهلاله و اغتسل. و قال التّرمذی حسن غریب. و قال الإمام أحمد ثم روى عنه بإسناده عن عروة عن عائشة قالت: کان رسول الله (ص) إذا أراد ان یحرم غسّل رأسه بخطمی و إشنان و دهّنه بشیء من الزّیت غیر کثیر. ثم قال: الحدیث تفرّد به أحمد. و قال أبو عبد الله محمد بن إدریس الشافعی رحمه الله ثم روى عنه بإسناده، عن عثمان بن عروة قال: سمعت أبی یقول سمعت عائشة تقول: طیّبت رسول الله (ص) لحرمه و لحلّه، قلت لها: بأیّ طیب؟ قالت:بأطیب الطّیب. ثم قال: و قد رواه مسلم من حدیث سفیان بن عیینة. و أخرجه البخاری من حدیث وهب، عن هشام بن عروة، عن أخیه عثمان عن أبیه عروة، عن عائشة. ثم روى عن البخاری بإسناده أیضا عن عائشة: قالت کنت أطیّب رسول الله (ص) لإحرامه حین یحرم و لحلّه قبل ان یطوف بالبیت. ثم روى عن مسلم بإسناده عن عائشة قالت: طیّبت رسول الله (ص) بیدی بذریرة فی حجّة الوداع للحلّ و الإحرام. ثم روى عنه أیضا بإسناده عن عائشة قالت: طیّبت رسول الله (ص) بیدیّ هاتین لحرمه حین أحرم و لحلّه قبل ان یطوف بالبیت. ثم روى عن مسلم بإسناده أیضا عن عائشة قالت: کنت أطیّب النبیّ (ص) قبل ان یحرم و یحلّ، و یوم النحر قبل ان یطوف بالبیت بطیب فیه مسک. ثم روى عنه أیضا بإسناده
عن عائشة قالت: کأنّی أنظر الى وبیص المسک فی مفرق رسول الله (ص) و هو یلبّی. ثم رواه عنه أیضا باسناده عن عائشة قالت: کأنّی أنظر الى وبیص المسک فی مفرق رسول الله (ص) و هو محرم. ثم رواه عن البخاری و مسلم بإسنادهما أیضا عن عائشة مثله. ثم روى عن أبی داود الطّیالسی بإسناده عن عائشة قالت: کأنّی أنظر الى وبیص الطّیب فی أصول شعر رسول الله (ص) و هو محرم. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده، عن عائشة قالت: کأنّی أنظر الى وبیص الطّیب فی مفرق النبیّ (ص) بعد أیّام و هو محرم. و روى أیضا عن عبد الله بن الزّبیر الحمیدی بإسناده عن عائشة قالت: رأیت الطّیب فی مفرق رسول الله (ص) بعد ثالثة و هو محرم.
ثم قال ابن کثیر: فهذه الأحادیث دالّة على أنّه تطیّب بعد الغسل، اذ لو کان الطیب قبل الغسل لذهب به الغسل و لما بقی له أثر و لا سیّما بعد ثلاثة أیام من یوم الإحرام. و قد ذهبت طائفة من السّلف منهم ابن عمر إلى کراهة التطیّب عند الإحرام. و قد روینا هذا الحدیث من طریق ابن عمر عن عائشة.
ثم قال: فقال الحافظ البیهقی ثم روى عنه بإسناده عن ابن عمر عن عائشة إنّها قالت: طیّبت رسول الله (ص) بالغالیة الجیّدة عند إحرامه. ثم قال و هذا إسناد غریب عزیز المخرج. الى ان قال: بیان الموضع الذی أهلّ منه (ص) و اختلاف الناقلین لذلک و ترجیح الحقّ فی ذلک. ثم قال: تقدّم الحدیث الذی رواه البخاری من حدیث الأوزاعی عن یحیى بن أبی کثیر، عن عکرمة، عن ابن عباس عن عمر، أنّه قال: سمعت رسول الله (ص) بوادی العقیق یقول: أتانی آت من ربّی. الحدیث. ثم قال: و قال البخاری: باب الإهلال عند مسجد ذی الحلیفة. ثم روى عنه بإسناده عن سالم بن عبد الله، أنّه سمع أباه یقول: ما أهلّ رسول الله (ص) إلّا من عند المسجد- یعنی مسجد ذی الحلیفة- و قد رواه الجماعة إلّا ابن ماجة من طرق عن موسى بن عقبة. و فی روایة لمسلم عن موسى بن عقبة، عن سالم و نافع و حمزة بن عبد الله بن عمر ثلاثتهم، عن عبد الله بن عمر. ثم قال: و فی روایة لهما یعنی البخاری و مسلم من طریق مالک، عن موسى بن عقبة، عن سالم قال قال عبد الله بن عمر: بیداؤکم هذه التی تکذّبون فیها على
رسول الله (ص)، أهلّ رسول الله (ص) من عند المسجد. ثم قال: و قد روی عن ابن عمر خلاف هذا کما یأتی فی الشّق الآخر. و هو ما أخرجاه فی الصحیحین من طریق مالک عن سعید المقبری، عن عبید بن جریح، عن ابن عمر، فذکر حدیثا فیه انّ عبد الله قال: و أمّا الإهلال فإنّی لم أر رسول الله (ص) یهلّ حتّى تنبعث به راحلته. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن سعید بن جبیر، قال قلت لعبد الله بن عباس: یا أبا العباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله (ص) فی إهلال رسول الله (ص) حین أوجب؟ فقال: إنّی لأعلم الناس بذلک، إنّما کانت من رسول الله (ص) حجّة واحدة فمن هناک اختلفوا.
ثم قال: خرج رسول الله (ص) حاجّا فلمّا صلّى فی مسجده بذی الحلیفة رکعتیه أوجب فی مجلسه فأهلّ بالحج حین فرغ من رکعتیه، فسمع ذلک منه قوم فحفظوا عنه، ثم رکب فلمّا استقلّت به ناقته أهلّ و أدرک ذلک منه أقوام. و ذلک انّ الناس إنّما کانوا یأتون ارسالا فسمّوه حین استقلّت به ناقته یهلّ فقالوا: إنّما أهلّ رسول الله (ص) حین استقلّت به ناقته. ثم مضى رسول الله (ص) فلمّا علا شرف البیداء أهلّ و أدرک ذلک منه أقوام فقالوا: إنّما أهلّ رسول الله (ص) حین علا شرف البیداء. و أیم الله لقد أوجب فی مصلّاه و أهلّ حین استقلّت به ناقته، و أهلّ حین علا شرف البیداء. ثم قال فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أنّه أهلّ فی مصلّاه إذا فرغ من رکعتیه. و قد رواه التّرمذی و النسائی جمیعا عن قتیبة، عن عبد السّلام بن حرب، عن خصیف به نحوه، الى ان قال: قلت فلو صحّ هذا الحدیث لکان فیه جمع لما بین الأحادیث من الاختلاف و بسط لعذر من نقل الخلاف الواقع. و لکن فی إسناده ضعف ثم قد روی عن ابن عباس و ابن عمر خلاف ما تقدّم عنهما کما سننبه و نبیّنه. و هکذا ذکر من قال أنّه (ص) أهلّ حین استوت به راحلته.
ثم روى عن البخاری بإسناده عن محمد بن المنکدر، عن أنس بن مالک، قال: صلّى النبیّ (ص) بالمدینة أربعا و بذی الحلیفة رکعتین ثم بات حتّى أصبح بذی الحلیفة فلمّا رکب راحلته و استوت به أهلّ. ثم قال: و قد رواه البخاری و مسلم و أهل السّنن من طرق، عن محمد بن المنکدر، و ابراهیم بن میسرة، عن أنس و ثابت فی الصحیحین من حدیث مالک عن سعید
المقبری. الحدیث. ثم قال و أخرجاه فی الصحیحین من روایة ابن وهب عن یونس عن الزّهری عن سالم عن أبیه انّ رسول الله (ص) کان یرکب راحلته بذی الحلیفة ثم یهلّ حین تستوی به قائمة.
الى ان قال: و روى مسلم عن قتیبة عن حاتم بن اسماعیل، عن موسى بن عقبة عن سالم، عن أبیه قال: بیداؤکم هذه التی تکذّبون على رسول الله (ص) فیها، و الله ما أهلّ رسول الله (ص) إلّا من عند الشجرة حین قام به بعیره. ثم قال: و هذا الحدیث یجمع بین روایة ابن عمر الأولى و هذه الرّوایات عنه و هو انّ الإحرام کان من عند المسجد و لکن بعد ما رکب راحلته و استوت به على البیداء یعنی الأرض، و ذلک قبل ان یصل الى المکان المعروف بالبیداء. قال ثم قال فی البخاری فی موضع آخر. ثم روى بإسناده عن کریب، عن عبد الله ابن عباس قال: انطلق النبیّ (ص) من المدینة بعد ما ترجّل و ادّهن و لبس إزاره و رداءه هو و أصحابه و لم ینه عن شیء من الأردیة و الأزر تلبس إلّا المزعفرة التی تردع على الجلد، فأصبح بذی الحلیفة رکب راحلته حتّى استوى على البیداء أهلّ هو و أصحابه و قلّد بدنه، و ذلک لخمس بقین من ذی الحجة، فطاف بالبیت و سعى بین الصّفا و المروة و لم یحلّ من أجل بدنه لأنّه قلّدها، و لم تزل بأعلا مکة عند الحجون و هو مهلّ بالحج و لم یقرب الکعبة بعد طوافه بها حتّى رجع من عرفة، و امر اصحابه ان یطوفوا بالبیت و بین الصّفا و المروة ثم یقصّروا من رؤوسهم ثم یحلّوا، و ذلک لمن یکن معه بدنة قلّدها، و من کانت معه امرأة فهی له حلال و الطّیب و الثیاب. ثم قال تفرّد به البخاری.
و قد روى الإمام أحمد ثم روى عنه بإسناده عن شعبة قال أخبرنی قتادة قال سمعت أبا حسان الأعرج الأجرد و هو مسلم بن عبد الله البصری، عن ابن عباس قال: صلّى رسول الله (ص) الظهر بذی الحلیفة ثم دعا ببدنته فأشعر صفحة سنامها الأیمن و سلّت الدّم عنها و قلّدها نعلین، ثم دعا براحلته فلمّا استوت على البیداء أهلّ بالحج. ثم قال و رواه أیضا عن هشیم بإسناده عن شعبة نحوه ثم روى عن الإمام أحمد أیضا عن روح و أبی داود الطیالسی و وکیع بن الجراح کلّهم عن هشام الدستوائی عن قتادة به نحوه و من هذا الوجه رواه مسلم فی
صحیحه و أهل السّنن فی کتبهم.
ثم قال ابن کثیر: فهذه الطرق عن ابن عباس من أنّه (ص) أهلّ حین استوت به راحلته أصحّ و أثبت من روایة خصیف الجزری، عن سعید بن جبیر، عنه و الله أعلم. ثم قال: و هکذا الرّوایة المثبتة المفسّرة أنّه أهلّ حین استوت به الرّاحلة مقدّمة على الأخرى لاحتمال أنّه أحرم من عند المسجد حین استوت به راحلته و تکون روایة رکوبه الرّاحلة فیها زیادة علم على الأخرى و الله أعلم. ثم قال: و روایة أنس فی ذلک سالمة عن المعارض و هکذا روایة جابر بن عبد الله فی صحیح مسلم من طریق جعفر الصّادق عن أبیه عن علی بن الحسین زین العابدین (ع) عن جابر فی حدیثه الذی سیأتی: انّ رسول الله (ص) أهلّ حین استوت به راحلته، سالمة عن المعارض. و الله أعلم.
ثم قال: و روى البخاری من طریق الأوزاعی قال سمعت عطاء عن جابر بن عبد الله، انّ إهلال رسول الله (ص) من ذی الحلیفة حین استوت به راحلته. فأمّا الحدیث الذی رواه محمد بن إسحاق بن یسار عن أبی الزّناد عن عائشة بنت سعد قالت: قال سعد کان رسول الله (ص) إذا أخذ طریق الفرع أهلّ إذا استقلّت به راحلته و إذا أخذ طریقا أخرى أهلّ إذا علا على شرف البیداء. ثم قال فرواه أبو داود و البیهقی من حدیث ابن إسحاق و فیه غرابة و نکارة. و الله أعلم.
ثم قال: فهذه الطّرق کلّها دالّة على القطع أو الظنّ الغالب أنّه (ص) أحرم بعد الصّلاة و بعد ما رکب راحلته و ابتدأت به السّیر. ثم قال: زاد ابن عمر فی بسط البیان لمّا أحرم به النبیّ (ص) فی حجّة الوداع من الإفراد أو التمتّع أو القران روایته: و هو مستقبل القبلة. ثم قال ابن کثیر: بسط البیان لمّا أحرم به (ص) فی حجّته هذه من الإفراد أو التمتّع أو القران.
ثم قال: ذکر الأحادیث الواردة بأنّه (ص) کان مفردا.
ثم روى بإسناده عن عائشة: انّ رسول الله (ص) أفرد الحج.
ثم روى عن مسلم باسناده عن القاسم بن محمّد عن عائشة: انّ رسول الله (ص) أفرد الحج؟
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة: انّ رسول الله (ص) أفرد الحج. ثم قال تفرّد به أحمد من هذه الوجوه عنها.
و روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن عروة عن عائشة: انّ رسول الله (ص) أفرد الحج. ثم قال و رواه ابن ماجة عن أبی مصعب عن مالک کذلک. و رواه النسائی، عن قتیبة عن مالک، عن أبی الأسود عن عروة عن عائشة: انّ رسول الله (ص) أهلّ بالحج.
ثم روى عن أحمد بإسناده عن عروة عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله (ص) فمنّا من أهلّ بالحج، و منّا من أهلّ بالعمرة، و منّا من أهلّ بالحج و العمرة، و أهلّ رسول الله (ص) بالحج، فأمّا من أهلّ بالعمرة فأحلّوا حین طافوا بالبیت و بالصّفا و المروة، و أمّا من أهلّ بالحج و العمرة فلم یحلّوا الى یوم النحر.
الى ان قال فأمّا الحدیث الذی قال الإمام أحمد ثم روى عنه بإسناده عن عائشة: انّ رسول الله (ص) أمر الناس فی حجّة الوداع فقال: من أحبّ ان یبدأ بعمرة قبل الحج فلیفعل. و أفرد رسول الله (ص) الحج و لم یعتمر. ثم قال فإنّه حدیث غریب جدّا تفرّد به أحمد بن حنبل و إسناده لا بأس به، و لکن لفظه فیه نکارة شدیدة، و هو قوله: فلم یعتمر، فإن أرید بهذا أنّه لم یعتمر مع الحج و لا قبله هو قول من ذهب الى الإفراد، و ان أرید أنّه لم یعتمر بالکلیّة لا قبل الحج و لا معه و لا بعده فهذا ممّا لا أعلم أحدا من العلماء قال به. ثم هو مخالف لما صحّ عن عائشة و غیرها: من أنّه (ص) اعتمر أربع عمر کلّهن فی ذی القعدة إلّا التی مع حجّته. و سیأتی تقریر هذا فی فصل القرآن مستقصى. و الله أعلم. ثم قال: و هکذا الحدیث الذی رواه الإمام أحمد.
ثم روى عنه بإسناده عن ابن شهاب انّ عروة أخبره انّ عائشة زوج النبیّ (ص) قالت: أهلّ رسول الله (ص) بالحج و العمرة فی حجّة الوداع، و ساق معه الهدی، و أهلّ ناس معه بالعمرة و ساقوا الهدی، و أهلّ ناس بالعمرة و لم یساقوا هدیا. قالت عائشة: و کنت ممّن أهلّ بالعمرة و لم أسق هدیا، فلمّا قدم رسول الله (ص) قال: من کان منکم أهلّ بالعمرة فساق معه الهدی فلیطف بالبیت و بالصّفا و المروة و لا یحلّ منه شیء حرم منه حتّى یقضی حجّه و ینحر
هدیه یوم النحر، و من کان منکم أهلّ بالعمرة و لم یسق معه هدیا فلیطف بالبیت و بالصّفا و المروة ثم لیقصّر و لیحلل ثم لیهلّ بالحج ولیهد فمن لم یجد فصیام ثلاثة أیّام فی الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله. قالت عائشة: فقدّم رسول الله (ص) الحج الذی خاف فوته و أخّر العمرة. فهو حدیث من إفراد الإمام أحمد ثم قال: و فی بعض ألفاظه نکارة و لبعضه شاهد فی الصّحیح.و صالح بن أبی الأخضر لیس من علّیة أصحاب الزّهری لا سیّما إذا خالفه غیره کما ههنا فی بعض ألفاظ سیاقه هذا. و قوله: فقدّم الحج الذی یخاف فوته و أخّر العمرة، لا یلتئم مع أوّل الحدیث: أهلّ بالحج و العمرة، فإن أراد أنّه أهلّ بهما فی الجملة و قدّم أفعال الحج ثم بعد فراغه أهلّ بالعمرة کما یقول من ذهب الى الإفراد فهو ممّا نحن فیه ههنا، و ان أراد أنّه (ص) أخّر العمرة بالکلیّة بعد إحرامه بها فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إلیه، و ان أراد أنّه (ص) المقضی بأفعال الحج عن أفعال العمرة و دخلت العمرة فی الحج فهذا قول من ذهب الى القران و هم یؤوّلون قول من روى انّه أفرد الحج، أی أفرد أفعال الحج، و ان کان قد نوى معه العمرة. قالوا: لأنّه قد روى القران کلّ من روى الإفراد کما سیأتی بیانه و الله تعالى أعلم.
ثم قال روایة جابر بن عبد الله فی الإفراد. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن أبی سفیان، عن جابر بن عبد الله قال: أهلّ رسول الله (ص) فی حجّته بالحج. ثم قال إسناد جیّد على شرط مسلم. و رواه البیهقی عن الحاکم و غیره عن الأصّم، عن أحمد بن عبد الجبّار، عن أبی معاویة، عن الأعمش، عن أبی سفیان، عن جابر قال: أهلّ رسول الله (ص) فی حجّته بالحج لیس معه عمرة. ثم قال: و هذه الزیادة غریبة جدّا، و روایة الإمام أحمد بن حنبل أحفظ. و الله أعلم.
الى ان قال: روایة عبد الله بن عمر فی الإفراد. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن نافع، عن ابن عمر قال: أهللنا مع النبیّ (ص) بالحج مفردا. و رواه مسلم فی صحیحه. ثم روى عنه بإسناده، عن نافع، عن ابن عمر: انّ رسول الله (ص) أهلّ بالحج مفردا. ثم روى عن البزّار بإسناده، عن زید بن أسلم، عن ابن عمر: انّ رسول الله (ص) أهلّ بالحج … الخ.
ثم قال: روایة ابن عباس للإفراد. ثم روى عن البیهقی بإسناده عن أبی العالیة البراء، عن
ابن عباس أنّه قال: أهلّ رسول الله (ص) بالحج، فقدم لأربع مضین من ذی الحجة فصلّى بنا الصّبح بالبطحاء، ثم قال: من شاء ان یجعلها عمرة فلیجعلها. ثم قال رواه مسلم، عن ابراهیم بن دینار، عن ابن روح.
ثم قال ابن کثیر: و تقدّم من روایة قتادة عن أبی حسّان الأعرج، عن ابن عباس: انّ رسول الله (ص) صلّى الظّهر بذی الحلیفة ثم أتى ببدنته فأشعر صحفة سنامها الأیمن، ثم أتى براحلته فرکبها فلمّا استوت به على البیداء أهلّ بالحج. ثم قال: و هو فی صحیح مسلم أیضا.
و قال الحافظ الدّار قطنی. ثم روى عنه بإسناده عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبیه قال: حججت مع أبی بکر فجرّد و مع عمر فجرّد و مع عثمان فجرّد. ثم قال تابعه الثوری عن أبی حصین و هذا إنّما ذکرناه ههنا لأنّ الظاهر انّ هؤلاء الأئمة إنّما یفعلون هذا عن توقیف. و المراد بالتجرید هیهنا الإفراد و الله أعلم.
ثم روى عن الدّار قطنی بإسناده عن نافع، عن ابن عمر: انّ النبیّ (ص) استعمل عتاب ابن أسید على الحج فأفرد، ثم استعمل أبا بکر سنة تسع، فأفرد الحج، ثم حجّ النبیّ (ص) سنة عشر فأفرد الحج، ثم توفّی رسول الله (ص) و استخلف أبو بکر فبعث عمر فأفرد الحج، ثم حجّ أبو بکر فأفرد الحج و توفّی أبوبکر و استخلف عمر فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج، ثم حجّ فأفرد الحج، ثم حصر عثمان فأقام عبد الله بن عباس للنّاس فأفرد الحج. ثم قال ابن کثیر: فی إسناده عبد الله بن عمر العمری و هو ضعیف … الخ.
ثم قال: ذکر من قال أنّه (ص) حجّ متمتعا. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن سالم ابن عبد الله انّ عبد الله بن عمر قال: تمتّع رسول الله (ص) فی حجّة الوداع بالعمرة الى الحج، و أهلّ فساق الهدی من ذی الحلیفة، و بدأ رسول الله (ص) فأهلّ بالعمرة ثم أهلّ بالحج، و کان من الناس من أهدى فساق الهدی من ذی الحلیفة، و منهم من لم یهد فلمّا قدم رسول الله (ص) مکة قال للناس: من کان منکم أهدى فإنّه لا یحلّ من شیء حرم منه حتّى یقضی حجّه، و من لم یکن أهدى فلیطف بالبیت و بالصّفا و المروة و لیقصّر و لیحلل ثم لیهلّ بالحج ولیهد فمن لم یجد هدیا فلیصم ثلاثة أیّام و سبعة إذا رجع الى أهله. و طاف رسول الله (ص) حین قدم مکة
استلم الحجر أوّل شیء ثم خبّ ثلاثة أشواط من السّبع و مشى أربعة أطواف، ثم رکع حین قضى طوافه بالبیت عند المقام رکعتین ثم سلّم، فانصرف فأتى الصّفا فطاف بالصّفا و المروة، ثم لم یحلل من شیء حرم منه حتّى قضى حجّه و نحر هدیه یوم النحر و أفاض فطاف بالبیت، و فعل مثل ما فعل رسول الله (ص) من أهدى فساق الهدی من الناس.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن عروة بن الزّبیر انّ عائشة أخبرته عن رسول الله (ص) فی تمتّعه بالعمرة الى الحج و تمتّع الناس معه بمثل الذی أخبرنی سالم بن عبد الله، عن عبد الله، عن رسول الله (ص). ثم قال: و قد روى هذا الحدیث البخاری عن یحیى بن بکیر، و مسلم و أبو داود عن عبد الملک بن شعیب عن اللیث عن أبیه، و النسائی عن محمد بن عبد الله ابن المبارک المخرمی عن حجین بن المثنّى، ثلاثتهم عن اللیث بن سعد عن عقیل عن الزّهری عن عروة عن عائشة کما ذکره الإمام أحمد.
ثم قال ابن کثیر: و هذا الحدیث من المشکلات على کلّ من الأقوال الثلاثة؛ أمّا قول الإفراد ففی هذا إثبات عمرة، إمّا قبل الحج أو معه، و أمّا على قول التمتّع الخاصّ فلأنّه ذکر أنّه لم یحلّ من إحرامه بعد ما طاف بالصّفا و المروة و لیس هذا شأن المتمتّع. و من زعم أنّه (ص) إنّما منعه من التحلّل سوق الهدی کما قد یفهم من حدیث ابن عمر عن حفصة أنّها قالت: یا رسول الله ما شأن الناس حلّوا من العمرة و لم تحلّ أنت من عمرتک؟ فقال (ص) إنّی لبدت رأسی و قلّدت هدیی فلا احلّ حتّى أنحر. فقولهم بعید لأنّ الأحادیث الواردة فی إثبات القران تردّ هذا القول و تأبى کونه (ص) إنّما أهلّ أولا بعمرة ثم بعد سعیه بالصّفا و المروة أهلّ بالحج، فإنّ هذا على هذه الصفة لم ینقله أحد بإسناد صحیح، بل و لا حسن و لا ضعیف. و قوله فی هذا الحدیث: تمتّع رسول الله (ص) فی حجّة الوداع بالعمرة الى الحج، ان أرید بذلک التمتّع الخاصّ و هو الذی یحلّ منه بعد السعی، فلیس کذلک فإنّ فی سیاق الحدیث ما یردّه، ثم فی إثبات العمرة المقارنة لحجّه (ص) ما یأباه. و ان أرید به التمتّع العام، دخل فیه القرآن و هو المراد. و قوله: و بدأ رسول الله (ص) فأهلّ بالعمرة ثم أهلّ بالحج، ان أرید به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج بأن قال لبّیک اللهمّ عمرة و حجّا، فهذا سهل و لا ینافی القران، و ان أرید به أنّه أهلّ
بالعمرة أوّلا ثم أدخل علیها الحج متراخ و لکن قبل الطّواف قد صار قارنا أیضا. و ان أرید به أنّه أهلّ بالعمرة ثم فرغ من أفعالها تحلّل أو لم یتحلّل بسوق الهدی کما زعمه زاعمون و لکنّه أهلّ بحجّ بعد قضاء مناسک العمرة و قبل خروجه الى منى فهذا لم ینقله أحد من الصحابة کما قدّمناه. و من ادّعى من الناس فقوله مردود لعدم نقله و مخالفة الأحادیث الواردة فی إثبات القرآن کما سیأتی، بل و الأحادیث الواردة فی الإفراد کما سبق. و الله أعلم.
ثم قال: و الظّاهر و الله أعلم انّ حدیث اللیث هذا عن عقیل، عن الزهری، عن سالم، عن ابن عمر یروی من الطریق الأخرى عن ابن عمر حین أفرد الحج. و من محاصرة الحجاج لابن الزّبیر فقیل له: انّ الناس کائن بینهم شیء فلو أخّرت الحج عامک هذا؟ فقال: إذا أفعل کما فعل النبیّ (ص)- یعنی زمن حصر عام الحدیبیّة- فأحرم بعمرة من ذی الحلیفة لمّا علا شرف البیداء. قال ما أرى أمرهما إلّا واحدا فأهلّ بحجّ. فاعتقد الرّاوی انّ رسول الله (ص) هکذا فعل سواء بدأ فأهلّ بالعمرة ثم أهلّ بالحج، فرووه کذلک و فیه نظر لما سنبیّنه. و بیان هذا فی الحدیث الذی رواه عبد الله بن وهب، ثم قال أخبرنی مالک بن أنس و غیره انّ نافعا حدّثهم: انّ عبد الله بن عمر خرج فی الفتنة معتمرا و قال ان صددت عن البیت صنعنا کما صنع رسول الله (ص) فخرج فأهلّ بالعمرة و سار حتّى إذا ظهر على ظاهر البیداء التفت الى أصحابه فقال: ما أمرهما إلّا واحد اشهدکم أنّی قد أوجبت الحج مع العمرة، فخرج حتّى جاء البیت فطاف به و طاف بین الصّفا و المروة سبعا، لم یزد علیه و رأى انّ ذلک مجزیا عنه، و أهدى.
ثم قال: و قد أخرجه صاحب الصحیح من حدیث مالک و أخرجاه من حدیث عبید الله عن نافع به. و رواه عبد الرزّاق عن عبید الله و عبد العزیز بن أبی رواد عن نافع به نحوه. ثم قال و فیما رواه البخاری حیث قال ثم روى عنه بإسناده عن نافع انّ ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزّبیر، فقیل له: انّ الناس کائن بینهم قتال و إنّا نخاف ان یصدّوک؟ قال: لقد کان لکم فی رسول الله (ص) اسوة حسنة، إذا أصنع کما صنع رسول الله (ص) إنّی اشهدکم أنّی قد أوجبت عمرة. ثم خرج حتّى إذا کان بظاهر البیداء، قال: ما أرى شأن الحج و العمرة إلّا واحدا، أشهدکم أنّی أوجبت حجّا مع عمرتی فأهدى هدیا اشتراه بقدید و لم یزد على ذلک و لم
ینحر و لم یحلّ من شیء حرم منه و لم یقصّر حتّى کان یوم النحر فنحر و حلق، و رأى ان قد قضى طواف الحج و العمرة بطوافه الأوّل. ثم قال و قال ابن عمر: کذلک فعل رسول الله (ص).
ثم روى عن البخاری بإسناده عن نافع، انّ ابن عمر دخل علیه ابنه عبد الله بن عبد الله و ظهره فی الدّار فقال: إنّی لا آمن ان یکون العام بین الناس قتال فیصدّوک عن البیت فلو أقمت؟ قال: قد خرج رسول الله (ص) فحال کفّار قریش بینه و بین البیت، فإن یحلّ بینی و بینه أفعل کما فعل رسول الله (ص) فقد کان لکم فی رسول الله (ص) اسوة حسنة، إذا أصنع کما صنع رسول الله (ص)، إنّی اشهدکم أنّی قد أوجبت مع عمرتی حجّا. ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا.
ثم قال و هکذا رواه البخاری ثم روى عنه بإسناده عن أیّوب بن أبی تمیمة عن نافع به و رواه مسلم من حدیثهما عن أیّوب به. ثم قال: فقد اقتدى ابن عمر برسول الله (ص) فی التحلّل عند حصر العدوّ، و الإکتفاء بطواف واحد عن الحج و العمرة، و ذلک لأنّه کان قد أحرم أوّلا بعمرة لیکون متمتّعا فخشی ان یکون حصر، فجمعهما و أدخل الحج قبل العمرة قبل الطّواف فصار قارنا. و قال: ما أرى أمرهما إلّا واحدا یعنی لا فرق بین ان یحصر الإنسان عن الحج أو العمرة أو عنهما. فلمّا قدم مکة اکتفى عنهما بطوافه الأوّل کما صرّح به فی السّیاق الأوّل الذی أفردناه. و هو قوله و رأى ان قد قضى طواف الحج و العمرة بطوافه. قال ابن عمر: کذلک فعل رسول الله (ص) یعنی أنّه قد اکتفى عن الحج و العمرة بطواف واحد یعنی بین الصفا و المروة. و فی هذا دلالة على انّ ابن عمر روى القران. و لهذا روى النسائی، ثم روى عنه بإسناده عن أیّوب بن موسى، عن نافع: انّ ابن عمر قرن الحج و العمرة فطاف طوافا واحدا.
ثم رواه النسائی عن علیّ بن میمون الرّقی، عن سفیان بن عیینة، عن اسماعیل بن امیّة و أیّوب بن موسى و أیّوب السختیانی و عبد الله بن عمر، أربعتهم عن نافع: انّ ابن عمر أتى ذا الحلیفة فأهلّ بعمرة فخشى ان یصدّ عن البیت … الخ.
ثم قال ابن کثیر: و المقصود انّ بعض الرّواة لمّا سمع قول ابن عمر: إذا أصنع کما صنع رسول الله (ص). و قوله: کذلک فعل رسول الله (ص). اعتقد انّ رسول الله (ص) بدأ فأهلّ بالعمرة
ثم أهلّ بالحج فأدخله علیها قبل الطواف. فرواه بمعنى ما فهم و لم یرد ابن عمر ذلک و إنّما أراد ما ذکرناه و الله أعلم بالصواب.
ثم بتقدیر ان یکون أهلّ بالعمرة أوّلا ثم أدخل علیها الحج قبل الطّواف فإنّه یصیر قارنا لا متمتّعا التمتّع الخاص فیکون فیه دلالة لمن ذهب الى أفضلیة التمتّع. و الله تعالى أعلم.
ثم قال و أمّا الحدیث الذی رواه البخاری فی صحیحه. ثم روى عنه بإسناده عن مطرف عن عمران قال: تمتّعنا على عهد النبیّ (ص) و نزل القران قال رجل برأیه ما شاء. فقد رواه مسلم ثم روى عنه بإسناده، عن همام، عن قتادة به. و المراد المتعة التی أعمّ من القرآن و التمتّع الخاص.
و یدلّ على ذلک ما رواه مسلم، ثم روى عنه بإسناده عن عمران بن الحصین: انّ رسول الله (ص) جمع بین حجّة و عمرة … الخ.
ثم قال ابن کثیر: و أکثر السلف یطلقون المتعة على القران. کما قال البخاری ثم روى عنه بإسناده عن سعید بن المسیّب قال: اختلف علی (ع) و عثمان و هما بعسفان فی المتعة، فقال (ع) ما ترید الى ان تنهى عن أمر فعله رسول الله (ص)، فلمّا رأى ذلک علیّ بن أبی طالب (ع) أهلّ بهما جمیعا.
ثم قال رواه مسلم من حدیث شعبة أیضا عن الحکم بن عیینة، عن علیّ بن الحسین (ع)، عن مروان بن الحکم، عنهما به و قال علیّ (ع): ما کنت لأدع سنّة رسول الله (ص) بقول أحد من النّاس.
ثم قال و رواه مسلم من حدیث شعبة أیضا عن قتادة عن عبد الله بن شقیق عنهما. فقال له علیّ (ع): لقد علمت إنّما تمتّعنا مع رسول الله (ص)، قال: أجل و لکنّا کنّا خائفین.
ثم قال أمّا الحدیث الذی رواه مسلم من حدیث غندر، عن شعبة، و عن عبید الله بن معاذ عن أبیه، عن شعبة، عن مسلم بن مخراق المقبری سمع ابن عباس یقول: أهلّ رسول الله (ص) بعمرة و أهلّ أصحابه بحجّ، فلم یحلّ رسول الله (ص) و لا من ساق الهدی من أصحابه و حلّ بقیّتهم. فقد رواه أبو داود الطّیالسی فی مسنده.
و روح بن عبادة عن شعبة عن مسلم المقبری عن ابن عباس قال: أهلّ رسول الله (ص) بالحج، و فی روایة أبی داود أهلّ رسول الله (ص) و أصحابه بالحج، فمن کان منهم لم یکن له متعة هدی حلّ و من کان معه هدی لم یحلّ. الحدیث.
ثم قال ابن کثیر فإن صحّحنا الرّوایتین جاء القرآن و ان توقّفنا فی کلّ منهما وقف الدّلیل، و ان رجّحنا روایة مسلم فی صحیحة فی روایة العمرة، فقد تقدّم عن ابن عباس أنّه روى الإفراد و هو الإحرام بالحج، فتکون هذه زیادة على الحج فیجیء القول بالقرآن لا سیّما و سیأتی عن ابن عباس ما یدلّ على ذلک. ثم روى عن مسلم بإسناده، عن مجاهد، عن ابن عباس انّ رسول الله (ص) قال: هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم یکن معه هدی فلیحلّ الحلّ کلّه، فقد دخلت العمرة فی الحج الى یوم القیامة.
ثم روى عن البخاری بإسناده عن أبی جمرة، عن شعبة قال: تمتّعت فنهانی ناس فسألت ابن عباس، فأمرنی بها، فرأیت فی المنام کأنّ رجلا یقول حج مبرور و متعة متقبّلة، فأخبرت ابن عباس فقال: الله أکبر سنّة أبی القاسم صلوات الله و سلامه علیه.
ثم قال ابن کثیر: و المراد بالمتعة ههنا القران. ثم قال و قال عن القعینی و غیره عن مالک ابن أنس، عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، أنّه سمع سعد بن أبی وقّاص و الضّحاک بن قیس عام حجّ معاویة بن أبی سفیان یذکر التمتّع بالعمرة الى الحج، فقال الضّحاک: لا یصنع ذلک إلّا من جهل أمر الله، فقال سعد: بئس ما قلت یا ابن أخی، فقال الضّحاک: فإنّ عمر بن الخطاب کان ینهی عنها، فقال سعد: قد صنعها رسول الله و صنعنا معه.
ثم قال و رواه التّرمذی و النسائی عن قتیبة عن مالک. و قال التّرمذی صحیح و قال عبد الرزّاق، ثم روى عنه بإسناده عن غنیم بن قیس، قال سئلت سعد بن أبی وقّاص عن التمتع بالعمرة الى الحج، قال: فعلتها مع رسول الله (ص) و هذا یومئذ کافر فی العرش- یعنی مکة و یعنی به معاویة-. ثم قال: و رواه مسلم من حدیث شعبة، و سفیان الثوری، و یحیى بن سعید، و مروان الفزاری، أربعتهم عن سلیمان التیمی قال: سمعت غنیم بن قیس قال: سألت
سعدا عن المتعة، فقال: قد فعلناها و هذا یومئذ کافر بالعرش.
ثم قال ابن کثیر: و هذا کله من باب اطلاق التمتّع على ما أعمّ من التمتّع الخاص و هو الإحرام بالعمرة و الفراغ منها ثم الاحرام بالحج، و من القرآن. بل کلام سعد فیه دلالة على إطلاق التمتّع على الاعتمار فی أشهر الحج و ذلک أنّهم اعتمروا و معاویة بعد کافر بمکة قبل الحج، إمّا عمرة الحدیبیّة أو عمرة القضاء و هو الأشبه فأمّا عمرة الجعرانة فقد کان معاویة أسلم مع أبیه لیلة الفتح، و روینا أنّه قصّر من شعر النبیّ (ص) بمشقص فی بعض عمره، و هی عمرة الجعرانة، لا محالة. و الله أعلم.
ثم قال ابن کثیر: ذکر حجّة من ذهب الى أنّه (ص) کان قارنا و سرد الأحادیث فی ذلک. ثم روى عن البخاری بإسناده عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله (ص) بوادی العقیق یقول: أتانی آت من ربّی عزّ و جلّ. الحدیث. و قد تقدّم.
ثم قال و قال الحافظ البیهقی. ثم روى عنه بإسناده عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال رسول الله (ص): أتانی جبرائیل (ع) و أنا بالعقیق فقال: صلّ فی هذا الوادی المبارک رکعتین، و قال عمرة فی حجّة فقد دخلت العمرة فی الحج الى یوم القیامة. ثم قال البیهقی رواه البخاری عن أبی زید الهروی. ثم قال ابن کثیر و قال الإمام أحمد، ثم روى عنه بإسناده عن أبی وائل انّ رجلا نصرانیّا یقال له الصّبی بن معبد فأراد الجهاد، فقیل له ابدأ بالحج، فأتى الأشعری فأمره ان یهلّ بالحج و العمرة جمیعا ففعل، فبینما یلبّی إذ مرّ یزید بن صوحان و سلمان بن ربیعة، فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضلّ من بعیر أهله، فسمعها الصّبی فکبر ذلک علیه، فلمّا قدم أتى عمر بن الخطاب فذکر ذلک له، فقال له عمر هدیت لسّنة نبیّک (ص) قال و سمعت مرّة أخرى یقول: وفّقت لسّنة نبیّک (ص). و رواه أیضا عن الإمام أحمد بإسناده عن أبی وائل عن الصّبی ابن معبد عن عمر بن الخطاب … الخ.
ثم رواه عن عبد الرزّاق عن سفیان الثوری عن منصور عن أبی وائل به. ثم قال: و رواه أیضا عن غندر بإسناده عن عبدة بن أبی لبابة عن أبی وائل قال قال الصّبی بن معبد: کنت رجلا نصرانیّا فأسلمت فأهللت بحجّ و عمرة، فسمعنی زید بن صوحان و سلمان بن ربیعة و أنا أهلّ
بهما، فقالا: لهذا أضلّ من بعیر أهله، فکأنّما حمل علیّ بکلمتهما جبل، فقدمت على عمر فأخبرته فأقبل علیهما فلامهما، و أقبل علیّ فقال: هدیت لسّنة النبیّ (ص). ثم قال: و قد رواه أبو داود و النسائی و ابن ماجة من طرق عن أبی وائل شقیق بن سلمة به. و قال النسائی فی کتاب الحج من سننه، ثم روى عنه بإسناده عن طاوس عن ابن عباس، عن عمر أنّه قال: و الله لإنّی لأنهاکم عن المتعة و إنّها لفی کتاب الله و قد فعلها النبیّ (ص). ثم قال ابن کثیر: إسناد جیّد.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن سعید بن المسیّب قال: اجتمع علیّ (ع) و عثمان بعسفان و کان عثمان ینهى عن المتعة أو العمرة، فقال علیّ (ع): ما ترید الى أمر فعله رسول الله (ص) تنهی عنه؟ فقال عثمان: دعنا منک. ثم قال هکذا رواه الإمام مختصرا. و قد أخرجاه فی الصحیحین من حدیث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعید بن المسیّب قال: اختلف علیّ (ع) و عثمان بعسفان فی المتعة. الى ان قال: فلمّا رأى ذلک علیّ بن أبی طالب (ع) أهلّ بهما جمیعا. ثم قال ابن کثیر: و هکذا لفظ البخاری.
ثم روى عنه أیضا بإسناده عن مروان بن الحکم قال: شهدت عثمانا و علیّا، و عثمان ینهى عن المتعة و ان یجمع بینهما، فلمّا رأى علیّ أهلّ بهما لبّیک بعمرة و حج، قال (ع) ما کنت لأدع سنّة النبیّ (ع) لقول أحد.
ثم قال ابن کثیر: و رواه النسائی من حدیث شعبة به، و من حدیث الأعمش، عن مسلم البطین، عن علیّ بن الحسین (ع) به.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن قتادة، قال قال عبد الله بن شقیق: کان عثمان ینهى عن المتعة و علیّ (ع) یأمر بها فقال عثمان لعلی (ع) انّک لکذا و کذا، ثم قال علیّ (ع): لقد علمت إنّا تمتّعنا مع رسول الله (ص)؟ قال: أجل و لکنّا کنّا خائفین.
ثم قال و رواه مسلم من حدیث شعبة، فهذا اعتراف من عثمان بما رواه علی (ع) و معلوم انّ علیّا (ع) أحرم عام حجّة الوداع بإهلال کإهلال النبیّ (ص)، و کان (ص) قد ساق الهدی و أمره (ص) ان یمکث حراما و أشرکه النبیّ (ص) فی هدیه. کما سیأتی بیانه.
ثم روى عن مالک فی الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبیه، انّ المقداد بن الأسود دخل على علیّ بن أبی طالب (ع) بالسقیا و هو ینجع بکرات له دقیقا و خبطا، فقال هذا عثمان بن عفّان ینهى عن ان یقرن بالحج و العمرة، فخرج علی (ع) و على یده أثر الدقیق و الخبط، ما أنسى أثر الدّقیق و الخبط على ذراعیه، حتّى دخل على عثمان فقال (ع): أنت تنهى ان یقرن بین الحج و العمرة؟ فقال عثمان: ذلک رأیی، فخرج علیّ (ع) مغضبا و هو یقول: لبّیک اللهم لبّیک بحجّة و عمرة معا.
ثم قال ابن کثیر: و قال أبو داود فی سننه ثم روى عنه بإسناده عن البراء بن عازب قال: کنت مع علیّ (ع) حین أمّره رسول الله (ص) على الیمن. الى ان قال: قال علیّ فقال لی رسول الله (ص): کیف صنعت؟ قال قلت: إنّما أهللت بإهلال النبیّ (ص)، قال (ص): إنّی قد سقت الهدی و قرنت.
ثم قال ابن کثیر و قد رواه النسائی من حدیث یحیى بن معین بإسناده و هو على شرط الشّیخین، و علّله الحافظ البیهقی بإنّه لم یذکر هذا اللفظ فی سیاق حدیث جابر الطویل و هذا التعلیل فیه نظر، لأنّه قد روى القران من حدیث جابر بن عبد الله کما سیأتی قریبا ان شاء الله تعالى.
ثم قال و روى ابن حبان فی صحیحه عن علیّ بن أبی طالب (ع) قال: خرج رسول الله (ص) من المدینة و خرجت أنا من الیمن، و قلت لبّیک بإهلال کإهلال النبیّ (ص)، فقال النبیّ (ص): إنّی أهللت بالحج و العمرة جمیعا.
ثم قال ابن کثیر: و روایة أنس بن مالک و قد رواه عنه جماعة من التّابعین، و نحن نوردهم مرتّبین على حروف المعجم. ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن بکر بن عبد الله المزنی قال سمعت أنس بن مالک یحدّث قال: سمعت رسول الله (ص) یلبّی بالحج و العمرة جمیعا، فحدّثت بذلک ابن عمر، فقال: لبّى بالحج وحده، فلقیت أنسا فحدّثته بقول ابن عمر فقال: ما تعدونا إلّا صبیانا، سمعت رسول الله (ص) یقول: لبّیک عمرة و حجّا.
ثم روى عن البخاری بإسناده عن هشیم به. و عن امیّة بن بسطام، عن یزید بن زریع، عن
حبیب بن الشّهید، عن بکر بن عبد الله المزنی به.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن ثابت، عن أنس انّ النبیّ (ص) قال: لبّیک بعمرة و حجّة معا. ثم قال: تفرّد به من هذا الوجه الحسن البصری عنه.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن أشعث، عن أنس بن مالک، انّ رسول الله (ص) و أصحابه قدموا مکة و قد لبّوا بحجّ و عمرة، فأمرهم رسول الله (ص) بعد ما طافوا بالبیت و بالصّفا و المروة ان یحلّوا و ان یجعلوها عمرة، فکأنّ القوم هابوا ذلک، فقال رسول الله (ص): لو لا أنّی سقت هدیا لأحللت، فأحلّ القوم و تمتعوا.
ثم روى عن الحافظ أبو بکر البزّار بإسناده عن الحسن، عن أنس انّ النبیّ (ص) أهلّ هو و أصحابه بالحج و العمرة، فلمّا قدموا مکة طافوا بالبیت و بالصّفا و المروة، أمرهم رسول الله (ص) ان یحلّوا، فهابوا ذلک، فقال رسول الله (ص): أحلّوا فلو لا انّ معی الهدی لأحللت، فحلّوا حتّى حلّوا الى النّساء. ثم قال البزّار: لا نعلم رواه عن الحسن إلّا أشعث بن عبد الملک.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن حمید قال: سمعت أنسا قال سمعت رسول الله (ص) یقول: لبّیک بحجّ و عمرة و حجّ و عمرة.
ثم قال ابن کثیر: هذا إسناد ثلاثی على شرط الشّیخین و لم یخرجاه و لا أحد من أصحاب الکتب من هذا الوجه. لکن رواه مسلم. ثم روى عنه بإسناده عن یحیى بن أبی إسحاق و عبد العزیز بن صهیب و حمید أنّهم سمعوا أنس بن مالک قال: سمعت رسول الله (ص) أهلّ بهما جمیعا: لبّیک عمرة و حجّا، لبّیک عمرة و حجّا.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا باسناده عن حمید الطویل، عن أنس بن مالک قال: ساق رسول الله (ص) بدنا کثیرة، و قال: لبّیک بعمرة و حجّ، و أنّی لعند فخذ ناقته الیسرى. ثم قال: تفرّد به أحمد من هذا الوجه أیضا.
ثم روى عن البزّار فی مسنده بإسناده عن أبی قلابة، عن أنس بن مالک. ثم روى عنه أیضا بإسناده عن أبی قلابة و حمید بن هلال، عن أنس قال: إنّی ردف أبی طلحة و انّ رکبته لتمسّ رکبة رسول الله (ص) و هو یلبّی بالحج و العمرة.
ثم قال ابن کثیر: و هذا إسناد جیّد قویّ على شرط الصّحیح و لم یخرجوه، و قد تأوّله البزّار على انّ الذی کان یلبّی بالحج و العمرة أبو طلحة قال: و لم ینکر علیه النبیّ (ص).
ثم قال ابن کثیر: و هذا التأویل فیه نظر و لا حاجة إلیه لمجیء ذلک من طرق عن أنس کما مضی و کما سیأتی. ثم عود الضمیر الى أقرب المذکورین أولى و هو فی هذه الصّورة أقوى دلالة. و الله أعلم. و سیأتی فی روایة سالم بن أبی الجعد، عن أنس صریح الردّ على هذا التأویل.
ثم روى عن البزّار بإسناده عن زید بن أسلم، عن أنس بن مالک: انّ النبیّ (ص) أهلّ بحجّ و عمرة. الى ان قال: و قد رواه الحافظ أبو بکر البیهقی بأبسط من هذا السّیاق.
ثم روى عنه بإسناده عن شعیب بن عبد العزیز عن زید بن أسلم و غیره: انّ رجلا أتى ابن عمر فقال: بم أهلّ رسول الله (ص)؟ قال: ألم تأتنی عام أوّل؟ قال: بلى و لکن أنس بن مالک یزعم أنّه قرن، قال ابن عمر: انّ أنس بن مالک کان یدخل على النّساء و هنّ مکشّفات الرؤوس و أنی کنت تحت ناقة رسول الله (ص) یمسّنی لعابها أسمعه یلبّی بالحج.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن سالم بن أبی الجعد، عن أنس بن مالک یرفعه الى النبیّ (ص) أنّه جمع بین الحج و العمرة، فقال (ص): لبّیک بعمرة و حجّة معا … الخ.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن سالم بن أبی الجعد، عن سعد مولى الحسن بن علیّ (ع) قال: خرجنا مع علیّ (ع) فأتینا ذا الحلیفة، فقال علیّ (ع): إنّی أرید ان أجمع بین الحج و العمرة، فمن أراد ذلک فلیقل کما أقول، ثم لبّى قال: لبّیک بحجّة و عمرة معا. قال و قال سالم و قد أخبرنی أنس بن مالک قال و الله انّ رجلی لتمسّ رجل رسول الله (ص) و أنّه لیهلّ بهما جمیعا. ثم قال ابن کثیر: و هذا أیضا إسناد جیّد من هذا الوجه، و لم یخرجوه و هذا السّیاق یردّ على الحافظ البزّار ما تأوّل به حدیث حمید بن هلال عن أنس کما تقدّم. و الله أعلم.
ثم روى عن البزّار بإسناده عن المعتمر بن سلیمان قال سمعت أبی یحدّث عن أنس بن مالک قال: سمعت النبیّ (ص) یلبّی بهما جمیعا.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن سوید بن حجیر عن أنس بن مالک قال: کنت ردیف أبی طلحة فکانت رکبة أبی طلحة تکاد ان تصیب رکبة رسول الله (ص) فکان رسول الله (ص)
یهلّ بهما. ثم قال ابن کثیر: و هذا إسناد جیّد تفرّد به أحمد و لم یخرجوه و فیه ردّ على الحافظ البزّار صریح.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا باسناده عن أیّوب عن أبی قلابة، عن أنس قال: کنت ردیف أبی طلحة و هو یسایر النبیّ (ص) قال فإنّ رجلی لتمسّ غرز النبیّ (ص) فسمعته یلبّی بالحج و العمرة معا.
ثم قال و قد رواه البخاری من طرق عن أیّوب عن أبی قلابة، عن أنس قال: صلّى (ص) الظّهر بالمدینة أربعا و العصر بذی الحلیفة رکعتین، ثم بات بها حتّى أصبح ثم رکب راحلته حتّى استوت به على البیداء، حمد الله و سبّح و کبّر و أهلّ بحجّ و عمرة، و أهلّ الناس بهما جمیعا.
ثم قال و فی روایة له: کنت ردیف أبی طلحة و أنّهم لیصرخون بهما جمیعا الحج و العمرة.
ثم قال و فی روایة له عن أیّوب، عن رجل، عن أنس قال: ثم بات (ص) حتّى أصبح فصلّى الصّبح ثم رکب راحلته حتّى إذا استوت به البیداء أهلّ بعمرة و حجّ.
ثم روى عن البزّار بإسناده عن علی بن زید، عن أنس انّ رسول الله (ص) لبّى بهما جمیعا.
ثم قال ابن کثیر: هذا غریب من هذا الوجه و لم یخرجه أحد من أصحاب السّنن و هو على شرطهم.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالک قلت کم حجّ النبیّ (ص)؟ قال: حجّة واحدة و اعتمر أربع مرّات؛ عمرته زمن الحدیبیّة، و عمرته فی ذی القعدة من المدینة، و عمرته من الجعرانة فی ذی القعدة حیث قسّم غنیمة حنین، و عمرته مع حجّته. ثم قال ابن کثیر: و أخرجاه فی الصّحیحین من حدیث همام بن یحیى به.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن مصعب بن سلیم قال: سمعت أنس بن مالک یقول: أهلّ رسول الله (ص) بحجّة و عمرة. تفرّد به أحمد. ثم روى عنه أیضا بإسناده عن یحیى ابن إسحاق و عبد العزیز بن صهیب و حمید الطویل، عن أنس أنّهم سمعوه یقول: سمعت رسول الله (ص) یلبّی بالحج و العمرة جمیعا، یقول: لبّیک عمرة و حجّا، عمرة و حجّا، ثم قال: و قد تقدّم انّ مسلما رواه عن یحیى بن یحیى، عن هشیم به.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن یحیى عن أنس قال خرجنا مع رسول الله (ص) الى مکة قال فسمعته یقول: لبّیک عمرة و حجّا. ثم روى عنه أیضا باسناده عن أبی أسماء الصیقل، عن أنس بن مالک قال: خرجنا نصرخ بالحج فلمّا قدمنا مکة أمرنا رسول الله (ص) ان نجعلها عمرة، و قال (ص) لو استقبلت من أمری ما استدبرت لجعلتها عمرة، و لکنّی سقت الهدی و قرنت الحج و العمرة.
ثم قال: و رواه النسائی عن هناذ عن أبی الأحوص، عن أبی إسحاق، عن أبی أسماء الصیقل، عن أنس بن مالک قال: سمعت رسول الله (ص) یلبّی بهما.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن قدامة الحنفی قال: قلت لأنس بأی شیء کان رسول الله (ص) یلبّی؟ فقال: سمعته یقول سبع مرّات یلبّی بعمرة و حجّة تفرّد به الإمام أحمد و هو إسناد جیّد قویّ.
ثم روى عن ابن حبان فی صحیحه عن أنس بن مالک قال: کان رسول الله (ص) قرن بین الحج و العمرة و قرن القوم معه.
ثم قال ابن کثیر: و قد أورد الحافظ البیهقی بعض هذه الطرق، عن أنس بن مالک. ثم شرع یعلّل ذلک بکلام فیه نظر و حاصله أنّه قال: و الإشتباه وقع لأنس لا لمن دونه و یحتمل ان یکون سمعه رسول الله (ص) یعلّم غیره کیف یهلّ بالقران لا أنّه یهلّ بهما عن نفسه. و الله أعلم.
ثم قال البیهقی و قد روى ذلک عن غیر أنس بن مالک و فی ثبوته نظر.
ثم قال ابن کثیر قلت: و لا یخفى ما فی هذا الکلام من النظر الظاهر لمن تأمّله و ربما أنّه کان ترک هذا الکلام أولى منه، إذ فیه تطرّق احتمال الى حفظ الصّحابی مع تواتره عنه کما رأیت آنفا و فتح هذا یفضی الى محذور کبیر و الله تعالى أعلم.
ثم روى عن البیهقی بإسناده عن أبی إسحاق عن البراء بن عازب قال: اعتمر رسول الله (ص) ثلاث عمر کلّهن فی ذی القعدة فقالت عائشة: لقد علم أنّه اعتمر أربع عمر بعمرته التی حجّ معها. ثم قال قال البیهقی: لیس هذا بمحفوظ.
ثم قال ابن کثیر قلت: سیأتی بإسناد صحیح الى عائشة نحوه.
ثم روى عن الدّار قطنی، عن أبی بکر بن أبی داود و محمد بن جعفر بن رمیس و القاسم ابن اسماعیل أبو عبیدة و عثمان جعفر اللبان و غیرهم قالوا: ثم روى عنهم بإسنادهم عن جعفر بن محمد، عن أبیه عن جابر بن عبد الله قال: حجّ النبیّ (ص) ثلاث حجج حجّتین قبل ان یهاجر و حجّة قرن معها عمرة.
ثم قال ابن کثیر و قد روى هذا الحدیث الترمذی و ابن ماجة من حدیث سفیان بن سعید الثوری به. و أمّا الترمذی فرواه عن عبد الله بن أبی زیاد، عن زید بن جباب، عن سفیان به. ثم قال: غریب من حدیث سفیان لا نعرفه إلّا من حدیث زید بن الجباب … الخ. ثم روى عن أبی عیسى الترمذی بإسناده عن حجاج عن أبی الزّبیر عن جابر: انّ رسول الله (ص) قرن الحج و العمرة و طاف لهما طوافا واحدا. ثم قال هذا حدیث حسن. و فی نسخة صحیحة: و رواه ابن حبان فی صحیحه عن جابر قال: لم یطف النبیّ (ص) إلّا طوافا واحدا لحجّه و لعمرته.
ثم قال ابن کثیر قلت: حجاج هذا هو ابن أرطاة و قد تکلم فیه غیر واحد من الأئمة، و لکنّ قد روی من وجه آخر عن أبی الزّبیر عن جابر بن عبد الله أیضا کما قال الحافظ أبو بکر البزّار فی مسنده.
ثم روى عنه بإسناده عن أبی الزّبیر عن جابر: انّ رسول الله (ص) قدم فقرن بین الحج و العمرة و ساق الهدی، و قال رسول الله (ص): من لم یقلّد الهدی فلیجعلها عمرة. ثم قال البزّار: و هذا الکلام لا نعلمه یروى عن جابر إلّا من هذا الوجه بهذا الإسناد. ثم قال ابن کثیر انفرد بهذه الطریق البزّار فی مسنده، و إسناده غریبة جدّا و لیست فی شیء من الکتب السّتة من هذا الوجه. و الله أعلم.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس قال أخبرنی أبو طلحة انّ رسول الله (ص) جمع بین الحج و العمرة. ثم قال: و رواه ابن ماجة عن علیّ بن محمّد، عن أبی معاویة بإسناده و لفظه: انّ رسول الله (ص) قرن الحج و العمرة.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن سراقة بن مالک یقول: سمعت رسول الله (ص) یقول: دخلت العمرة فی الحج الى یوم القیامة. قال و قرن رسول الله (ص) فی حجّة الوداع.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن سعد بن أبی وقّاص و الضّحاک بن قیس. ثم ذکر ما تقدّم فی باب حجّ معاویة … الخ.
ثم روى عن الطبرانی بإسناده عن اسماعیل بن أبی خالد عن عبد الله بن أبی أوفى قال: إنّما جمع رسول الله (ص) بین الحج و العمرة لأنّه علم أنّه لم یکن حاجّا بعد ذلک العام.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن عکرمة عن ابن عباس: قال اعتمر رسول الله (ص) أربع عمر؛ عمرة الحدیبیّة، و عمرة القضاء، و الثالثة عمرة الجعرانة، و الرابعة التی مع حجّته. ثم قال ابن کثیر: و قد رواه أبو داود و الترمذی و ابن ماجة من طرق عن داود بن عبد الرحمن العطّار المکّی عن عمرو بن دینار، عن عکرمة عن ابن عباس به. و قال الترمذی: حسن غریب.
ثم روى عن الترمذی أیضا بإسناده عن عمرو عن عکرمة مرسلا. ثم رواه عن البیهقی بإسناده عن الحسن بن الرّبیع و شهاب بن عباد کلاهما عن داود بن عبد الرحمن العطّار. ثم قال فذکره یعنی ما تقدّم من أنّه (ص) اعتمر أربع عمر. الى ان قال: و الرابعة: التی قرنها مع حجّته … الخ.
ثم روى عن البخاری و مسلم باسنادهما عن سالم، عن ابن عمر أنّه قال: تمتّع رسول الله (ص) فی حجّة الوداع و أهدى فساق الهدی من ذی الحلیفة، و بدأ رسول الله (ص) فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج. ثم قال: و ذکر تمام الحدیث فی عدم إحلاله بعد السّعی.
ثم قال ابن کثیر: فعلم کما قرّرناه أوّلا أنّه (ص) لم یکن متمتّعا التمتّع الخاص، و إنّما کان قارنا لأنّه حکى أنّه (ص) لم یکن متمتّعا، اکتفى بطواف واحد بین الصّفا و المروة عن حجّه و عمرته، و هذا شأن القارن على مذهب الجمهور کما سیأتی بیانه. و الله أعلم.
ثم روى عن أبی یعلى الموصلی بإسناده عن نافع، عن ابن عمر: انّ رسول الله (ص) طاف طوافا واحدا لاقرانه لم یحلّ بینهما و اشترى من الطّریق یعنی الهدی. ثم قال ابن کثیر و هذا إسناد جیّد رجاله کلّهم ثقات … الخ.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن عمرو بن شعیب، عن أبیه، عن جدّه: انّ
رسول الله (ص) إنّما قرن خشیة ان یصدّ عن البیت، و قال: ان لم یکن حجّة فعمرة. ثم قال و هذا حدیث غریب سندا و متنا. تفرّد بروایته الإمام أحمد. ثم ذکر اضطراب السّند و انّ بعض رجاله ضعیف، ثم ذکر اضطراب المتن و انّ قوله خشیة ان یصدّ عن البیت غیر صحیح لأنّه کان معه (ص) فی حجّة الوداع قریبا من أربعین ألفا.
ثم قال ابن کثیر: و ما هذا بأعجب من قول عثمان لعلیّ بن أبی طالب (ع) حین قال له علیّ (ع): لقد علمت إنّا تمتّعنا مع رسول الله (ص)، فقال: أجل و لکنّا کنّا خائفین. و لست أدری علام یحمل هذا الخوف من أی جهة کان … الخ.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن حمید بن هلال قال سمعت مطرفا قال قال لی عمران بن حصین إنّی محدّثک حدیثا عسى الله ان ینفعک به: انّ رسول الله (ص) قد جمع بین حجّته و عمرته ثم لم ینه عنه حتّى مات و لم ینزل قرآن فیه یحرّمه. الى ان قال: و قد رواه مسلم عن محمد بن المثنّى و محمّد بن یسار، عن غندر، عن عبید الله بن معاذ، عن أبیه و النسائی، عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد بن الحارث ثلاثتهم عن شعبة، عن حمید بن هلال، عن مطرف، عن عمران به. و رواه مسلم من حدیث شعبة، و سعید بن أبی عروة عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن الحصین: انّ رسول الله (ص) جمع بین حجّ و عمرة. الحدیث.
ثم قال ابن کثیر: قال الحافظ أبو الحسن الدّار قطنی: حدیث شعبة، عن حمید بن هلال، عن مطرف، صحیح. و أمّا حدیثه عن قتادة، عن مطرف فإنّما رواه عن شعبة کذلک بقیّة بن الولید. و قد رواه غندر و غیره عن سعید بن أبی عروة، عن قتادة.
ثم قال ابن کثیر قلت: و قد رواه أیضا النسائی فی سننه عن عمرو بن علیّ الفلّاس، عن خالد بن الحارث، عن شعبة- و فی نسخة عن سعید بدل شعبة- عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن الحصین … الخ.
ثم قال: و ثبت فی الصّحیحین من حدیث همام، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن الحصین، قال: تمتّعنا على عهد رسول الله (ص) ثم لم ینزل قرآن یحرّمه و لم ینه عنها حتّى
مات رسول الله (ص).
ثم روى عن عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده عن عکرمة بن عمار، عن الهرماس قال: کنت ردیف أبی فرأیت النبیّ (ص) و هو على بعیر و هو یقول: لبّیک بحجة و عمرة معا. و هذا على شرط السنن و لم یخرجوه.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن نافع، عن ابن عمر عن حفصة أنّها قالت للنبیّ (ص): مالک لم تحلّ من عمرتک؟ قال: إنّی لبدت رأسی و قلّدت هدیی فلا احلّ حتّى أنحر.
ثم قال ابن کثیر: و قد أخرجاه فی الصّحیحین من حدیث مالک و عبید الله بن عمر. زاد البخاری و موسى بن عقبة. و زاد مسلم و ابن جریح، کلّهم عن نافع عن ابن عمر به. و فی لفظها أنّها قالت: یا رسول الله ما شأن الناس حلّوا من العمرة و لم تحلّ أنت من عمرتک؟ فقال (ص): إنّی قلّدت هدیی و لبدت رأسی فلا احلّ حتّى أنحر.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا باسناده عن ابن أبی حمزة، قال قال نافع کان عبد الله بن عمر یقول: أخبرتنا حفصة زوج النبیّ (ص): انّ رسول الله (ص) أمر أزواجه ان یحللن عام حجّة الوداع، فقالت له فلانة: ما یمنعک ان تحلّ؟ قال (ص): إنّی لبدت رأسی و قلّدت هدیی فلست احلّ حتّى أنحر هدیی.
ثم روى عن الإمام أحمد أیضا بإسناده عن أبی إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة بنت عمر أنّها قالت: لمّا أمر رسول الله (ص) نساءه ان یحللن بعمرة قلنا: ما یمنعک یا رسول الله (ص) ان تحلّ معنا؟ قال (ص): إنّی أهدیت و لبدت فلا احلّ حتّى أنحر هدیی.
قال ابن کثیر ثم روى أحمد عن کثیر بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة … الخ.
ثم قال فهذا الحدیث فیه: انّ رسول الله (ص) کان متلبّیا بعمرة و لم یحلّ منها. و قد علم بما تقدّم من أحادیث الإفراد أنّه کان قد أهلّ بحجّ أیضا. فدلّ مجموع ذلک أنّه قارن مع ما سلف من روایة من صرّح بذلک. و الله أعلم.
ثم روى عن البخاری بإسناده عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبیّ (ص) قالت: خرجنا مع رسول الله (ص) فی حجّة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبیّ (ص): من کان معه هدی فلیهلّ بالحج مع العمرة. ثم لا یحلّ حتّى یحل منها جمیعا فقدمت مکة و أنا حائض فلم أطف بالبیت و لا بین الصّفا و المروة، فشکوت ذلک الى رسول الله (ص) فقال: انقضی رأسک و امتشطی و أهلّی بالحج و دعی العمرة، ففعلت فلمّا قضیت الحج أرسلنی رسول الله (ص) مع عبد الرحمن بن أبی بکر الى التنعیم. فاعتمرت فقال: هذه مکان عمرتک. قالت: فطاف الذین کانوا أهلّوا بالعمرة بالبیت و بین الصّفا و المروة ثم حلّوا ثم طافوا طوافا آخرا بعد ان رجعوا من منى، و أمّا الذین جمعوا الحج و العمرة فإنّما طافوا طوافا واحدا.
ثم قال ابن کثیر و کذلک رواه مسلم من حدیث مالک عن الزهری. فذکره یعنی ذکر نحو ما تقدّم. ثم روى عن مسلم بإسناده عن الزّهری عن عروة عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله (ص) عام حجّة الوداع فأهللت بعمرة و لم أکن سقت الهدی، فقال رسول الله (ص): من کان معه هدی فلیهلّ بالحج مع عمرته لا یحلّ منهما جمیعا.
ثم قال ابن کثیر و ذکر تمام الحدیث کما تقدّم ثم قال: و المقصود من إیراد هذا الحدیث ههنا، قوله (ص): من کان معه هدی فلیهلّ بحجّ و عمرة، و معلوم أنّه (ص) قد کان معه هدی فهو أوّل و أولى من ائتمر بهذا لأن المخاطب داخل فی عموم متعلّق خطابه على الصحیح. و أیضا فإنّها قالت: و أمّا الذین جمعوا الحج و العمرة فإنّما طافوا طوافا واحدا یعنی بین الصفا و المروة.
و قد روى مسلم عنها: انّ رسول الله (ص) إنّما طاف بین الصّفا و المروة طوافا واحدا. فعلم من هذا أنّه کان قد جمع بین الحج و العمرة. و قد روى مسلم من حدیث حماد بن زید، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبیه عن عائشة قالت: فکان الهدی مع النبیّ (ص) و أبی بکر و عمر و ذوی الیسار. الى ان قال: فعلم أنّه (ص) کان قارنا لأنّه کان باتّفاق النّاس قد اعتمر فی حجّة الوداع. الى ان قال: ان قیل قد رویتم عن جماعة من الصّحابة أنّه (ص) أفرد الحج، ثم رویتم عن هؤلاء بأعیانهم و عن غیرهم أنّه جمع بین الحج و العمرة فما الجمع من ذلک؟ ثم قال: فالجواب انّ روایة من روی أنّه أفرد الحج
محمولة على أنّه أفرد أفعال الحج و دخلت العمرة فیه نیّة فعلا و وقتا. و هذا یدل على أنّه (ص) اکتفى بطواف الحج و سعیه عنه و عنها کما هو مذهب الجمهور فی القارن، خلافا لأبی حنیفة حیث ذهب إلى انّ القارن یطوف طوافین و یسعى سعیین. و اعتمد على ما روی فی ذلک عن علیّ بن أبی طالب (ع)، و فی الإسناد إلیه نظر. و أمّا من روى التمتّع ثم روى القران فقد قدّمنا الجواب عن ذلک بأنّ التمتّع فی کلام السلف أعمّ من التمتّع الخاصّ و القران، بل و یطلقون على الإعتمار فی أشهر الحج و ان لم یکن معه حج.
الى ان قال: ان قیل فما جوابها عن الحدیث الذی رواه أبو داود الطّیالسی فی مسنده. ثم روى عنه بإسناده عن صفوان بن خالد انّ معاویة قال لنفر من أصحاب رسول الله (ص) أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى عن صفف(9) النمور؟ قالوا: اللهم نعم، قال: و أنا أشهد. قال: أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى عن لبس الذّهب إلّا مقطّعا؟ قالوا: اللهم نعم، قال: و أنا أشهد، قال: أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى ان یقرن بین الحج و العمرة؟ قالوا: اللهم لا، قال و الله إنّها لمعهنّ.
ثم روى عن الإمام أحمد بإسناده عن قتادة، عن أبی سیح الهنائی قال: کنت فی ملأ من أصحاب رسول الله (ص) عند معاویة فقال: أنشدکم بالله أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى عن جلود النمور ان یرکب علیها؟ قالوا: اللهم نعم. الى ان قال: و قال: أتعلمون أنّه نهى عن الشرب فی آنیة الذّهب و الفضّة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: و تعلمون أنّه نهى عن المتعة یعنی متعة الحج؟ قالوا: اللهم لا.
ثم روى عن أحمد بإسناده عن أبی سیح الهنائی أیضا أنّه شهد معاویة و عنده جمع من أصحاب النبیّ (ص) فقال لهم معاویة: الخبر الى ان قال. قال: أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى عن لبس الحریر؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى ان یشرب فی آنیة الذّهب و الفضّة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أتعلمون انّ رسول الله (ص) نهى عن جمع بین حجّ و عمرة؟ قالوا اللهم لا، قال: فو الله إنّها لمعهنّ … الخ.
أقول ثم استغرب ابن کثیر ما روی عن معاویة، فوجّهه بوجوه غیر سلیمة؛ منها قوله: أو لعلّ معاویة إنما قال أتعلمون أنّه نهی عن کذا، فبناه بما لم یسمّ فاعله، فصرّح الراوی بالرّفع الى النبیّ (ص)، و وهم فی ذلک، فإنّ الذی کان ینهى عن متعة الحج إنّما هو عمر بن الخطاب و لم یکن نهیه عن ذلک على وجه التحریم و الحتم کما قدّمنا، و إنّما کان ینهى لتفرد عن الحج بسفر آخر لیکثر زیارة البیت. و قد کان الصّحابة یهابونه کثیرا فلا یتجاسرون على مخالفته غالبا. و کان ابنه عبد الله یخالفه فیقال: انّ أباک کان ینهى عنها؟ فیقول: لقد خشیت ان تقع علیکم حجارة من السماء قد فعلها رسول الله (ص) أفسنّة رسول الله (ص) تتّبع أم سنّة عمر بن الخطاب؟ ثم قال: و کذلک کان عثمان بن عفان ینهى عنه، و خالفه علیّ بن أبیطالب (ع) کما تقدّم و قال (ع) لا أدع سنّة رسول الله (ص) لقول أحد من الناس.
ثم قال ابن کثیر: و قال عمران بن حصین تمتّعنا مع رسول الله (ص) ثم لم ینزل قرآن یحرّمه و لم ینه عنها رسول الله (ص) حتّى مات.
ثم قال أخرجاه فی الصّحیحین و فی صحیح مسلم عن سعد أنّه أنکر على معاویة إنکاره المتعة و قال: قد فعلناها مع رسول الله (ص) و هذا یومئذ کافر بالعرش- یعنی معاویة أنّه کان حین فعلوها مع رسول الله (ص) کافرا بمکة یومئذ-.
ثم قال ابن کثیر قلت: و قد تقدّم أنّه (ص) حجّ قارنا، بما ذکرنا من الأحادیث الواردة فی ذلک و لم یکن بین حجّة الوداع و بین وفاة رسول الله (ص) إلّا أحد و ثمانون یوما. و قد شهد الحجة ما ینیف عن أربعین ألف صحابی قولا منه و فعلا. فلو کان قد نهى عن القران فی الحج الذی شهده منه الناس لم ینفرد به واحد من الصحابة. و یردّه علیه جماعة منهم ممّن سمع منه و من لم یسمع فهذا کلّه ممّا یدلّ على ان هذا هکذا لیس محفوظا عن معاویة … الخ.
أقول و ممّا ذکرناه من الأحادیث ظهر انّ النبیّ (ص) تمتّع بالعمرة الى الحج مسلّما و مع هذا فقد أنکرها بعض کمعاویة و عمل برأیه بعض آخر کعمر و عثمان و ناقش ثالث فی صدورها عن النبیّ (ص) و قال: أنّه (ص) ما فعلها. و انّه (ص) علّم من یهلّ کذلک. و أقام الدّلیل على ذلک بأن أنس بن مالک اشتبه علیه الأمر فظنّ أنّه (ص) فعلها مع انّه لم یفعلها بل أمر من یرید
القران ان یفعلها کذلک. و یردّ المنکر تواتر الحدیث کما اعترف به ابن کثیر و بهذا یردّ من أورد التّشکیک أیضا و یردّ الثانی و الثالث صریح القرآن حیث قال عزّ و جلّ «وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» الآیة. فأیّ أمر أعظم من الحج الذی هو رکن من أرکان الدّین التی بنی الإسلام علیها فهل یمکن إعمال الرأی فی قبال أمر الله و سنّة رسول الله (ص) بل یردّ ما اشتبه من الأمر أیضا الى کتاب الله و سنّة رسول الله (ص)، و حمل قول الثانی على عدم الإلزام و أنّه إنّما منع المتعة لتفرّد عن الحج حتى تکثر زیارة البیت توجیه غریب لا یقبله الذوق السّلیم کما لا یخفى. و قد أحسن ابن عمر فی ذلک حیث أنّه ردّ سنّة أبیه و أخذ بسنّة النبیّ (ص) لأنّ ردّ سنّة النبیّ (ص) بمنزلة إنکار النبوّة أو الشکّ فیه إلّا ان یکون الرّاد نبیّا و لا نبوّة بعده بالضّرورة من الدّین لکن مثل هذا الرأی للثانی غیر عزیز بل کم له من نظیر فقد أمر بالتکتّف فی الصّلوة، و جعل صلوة التراویح، و نهى عن متعة النساء و غیر ذلک ممّا یطّلع علیه المتتبّع فی أبواب الفقه.
و قد أطلنا الکلام فی هذا الباب و أوردنا الرّوایات تبعا لابن کثیر فی تاریخه لفوائد کثیرة کما لا یخفى على من راجعها.
ثم أنّه أورد حدیثا بعدة طرق عن عائشة أنّها قالت: خرجنا مع رسول الله (ص) لا نذکر حجّا و لا عمرة. ثم إنّه بعد إیراده لتلک الطرق حمله على أنّهم لا یذکرون ذلک مع التّلبیة، و ان کانوا قد سمّوه حال الإحرام. کما فی حدیث أنس قال: سمعت رسول الله (ص) یقول لبّیک حجّا و عمرة. و قال أنس: و سمعتهم یصرخون بهما جمیعا … الخ.
1) الطبقات الکبرى 2/ 172.
2) السیرة النبویة لابن کثیر 4/ 211- 213.
3) تاریخ الأمم و الملوک 3/ 148.
4) الکامل 2/ 302.
5) السیرة النبویة لابن هشام 4/ 248.
6) السیرة النبویة لابن کثیر 4/ 215- 218.
7) الطبقات الکبرى 2/ 173.
8) السیرة النبویة لابن کثیر 4/ 218- 279.
9) جمع الصفة، ما یفرش تحت السرج.